معادلة بعد الانتصار على الوباء ليس كما قبله

2020-03-22 13:07:29

بقلم : حمدي فراج.

تتوقف الحياة البشرية على الكوكب كله تقريبا، برا وبحرا وجوا ، بعد حوالي شهرين على ظهور الفايروس، فتك خلالها بنحو عشرة آلاف شخص من ضمن مئتي ألف مصاب، وفي الأيام الاخيرة تتصاعد الإصابات ويتصاعد الفتك ويتصاعد العجز ويطول الدول العظمى دائمة العضوية في مجلس الأمن صاحبة حق النقض دون أن نراها قادرة على "فيتو" واحد يقول للفايروس : كفى.

الدول والحكومات الغنية والفقيرة، القوية والضعيفة، فعلت شيئا واحدا فقط تجاهه، قالت لشعوبها : إجلسوا في بيوتكم ، ومن لا يلتزم سنجبره على الالتزام عبر الجيش والشرطة وقوات الامن، وكأن الفايروس يضل طريقه اليهم.

 في ايطاليا، عنونت الصحف: "إبق في منزلك، قريبا لن نستطيع الاعتناء بك"، من كان يصدق أن يقف رئيس كدونالد ترامب تائه ضائع ذليل أمام جبروت الكورونا ، يهدي الأعطيات لحلفائه كما القدس والجولان لإسرائيل، و يفرض العقوبات على مناهضيه كإيران دون أن يستطيع فرض عقوبة على الفايروس، بل فكر كيف يرشي الشركة الألمانية لشراء العقار.

على الصعيد العربي، حدّث بلا حرج، فلم يبق الفايروس على أي حرج، صحيح أن صورة الزعيم العربي ظلت معلقة في كل وزارات و مكاتب الدولة، بما فيها مكاتب الصحة العاجزة، والسياحة المتوقفة والطيران المتعطل والفنادق الخاوية والمواصلات المشلولة والأشغال المتبطلة و المدارس المكفهرة و دور العبادة المغلقة، وبمناسبة ذكرها، أين يا ترى ذهب الإمام الذي كان في كل خطبة جمعة يصدع الرؤوس في التسبيح بالحاكم، وكان أكثر ما يميزه صراخه العالي تهديدا ووعيدا بمن يفكر في عصيانه، وكأننا في زمن العصور الوسطى حيث يبقى الحاكم حاكما بتكليف من الرب لا من الشعب، حتى يقبضه فيأتي ابنه من بعده ليرث البلاد والعباد.

صحيح أن تلفزيون الزعيم ما زال يبدأ نشرته من عنده، قام قعد دخل خرج هنأ عزّى، في إشارة إلى أن الشعب الذي يعيش الموت والهلاك ليس في وارده، حتى عندما يتم نقل خبر عن موت بالفايروس، تقرأه المذيعة وهي تتبسم.

يقف كل منا اليوم يسائل نفسه وهو محاصر بين جدران منزله، وهذا الوباء يتربصه عند الباب، ماذا جنيت عندما نقلت فكري ووعيي ومبادئي وعلمي وخلقي من رأسي إلى بطني ومن عقلي إلى جيبي، عندما قايضتها بحساب بنكي لا أعرف إذا كنت قادراً اليوم على الوصول إليه أم لا، وإذا وصلته لا أعرف إذا كنت قادرا على إنفاقه أم لا، خلالها ، كذبت و تملقت وجبنت وصمت وساومت، أنظر إلى "قائد" كبير يموت لا يجد أحدا يمشي في جنازته، فماذا عن جنازتي.

كل هذا كان على ما أظن قبل الفايروس، لكنه لن يكون بعد الانتصار عليه . هذا ما تفعله الأمم العظيمة بعد خوض معاركها وملاحمها المفصلية، وإلا فستبقى عرضة للفايروس، مقسمة منهكة مدعية.