اقتلوا عبد الله أبو شرخ

2020-04-03 17:41:59

الاعتماد على مبدأ ان الكاتب عبد الله أبو شرخ أخطأ في موضوع حساس ولحظة حساسة ووطن حساس وو...، هو رفض لمبدأ إنساني أن مراجعة الخطأ والعودة عنه مرفوضة، ومصيبة أن يصبح الخطأ يجب ما بعده، ولعل ذلك نابع من آليات تفكير خطيرة ترى الذنب ولا ترى التوبة لتتجاوز ما قبله الله لنفسه.

فعلا أخطأ الأستاذ عبد الله أبو شرخ عندما غرد خارج القطيع، وتحرك بالقرب من المحرم الذي لا يغفر ولا يقبل إلا حكمه وعقابه وتقييمه لمواطن الخطأ والخطر، خطأ عبد الله وسرعته في تصويب الوضع كان يبرهن على عقل نقدي يقبل نقد نفسه أولا وهذه ليست شهادة مني للرجل، لكنها سمة له يعرفها كل من اقترب منه أو تابعه بعقله وقلبه.

إنني مع كثيرين بالدفاع عن عبد الله أبو شرخ والمطالبة بالافراج عنه لا ندافع عن شخص، بل عن منطق ووطن ومساحة الخطأ والحرية، ونعتمد في ذلك على المروث عن سيدنا عيسى عليه السلام عندما قال: "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر".

وبما اننا ندرك ان الكاتب أبو شرخ حلق بالقرب كل ما هو مسلمات ومحرمات في الحالة الفلسطينية، فإننا نتوقع ان يخطأ ولكننا نتوقع ان يكون عقابه بنفس منطلقات عقاب المجلس البلدي لبلدية النصيرات بعد ارتكابهم جريمة الاهمال الوظيفي الذي أدت للكارثة.

خطير ان نحاكم الناس بما في أنفسنا، والأخطر أن نتعامل مع كلمات تعجلت فأخطأت واعتذرت بلا تسامح، في وطن يعج بالخطايا والجرائم المرتكبة بلا عقاب ولا اعتذار، منذ شروط الهدنة عام 2008 التي فقدت ثلاثة أرباع شروطها بعد عشر سنوات، وتحولت من صراع وجود الى تفاهمات لمحاولة الوجود.
إن كان عبد الله ابو شرخ الخطأ الوحيد في جنة الملائكة، فاقتلوا عبد الله ليستقيم الحال، وتبقى غزة المجتمع الملائكي الذي يقدس حفظ الأرواح والاموال والأعراض، مجتمع الملائكة الذي لا يتمرد عليه الا الشياطين ليهبطوا بالألف نحو البلاد الباردة بالهجرة.

ان العقل الذي يقبل تفاهمات داخلية مع عدو الامس النائب محمد دحلان، ويتراجع عن شعارات التخوين والتفكير من أجل ما نعرفه جميعا، يضيق ذرعا بخمسة دقائق من الخطأ، متذرعا بدولة القانون وحجم الجريمة، دون أن ينظر حوله ليرى ركام الجرائم في كل شيء من النفوس المتعبة والوجوه العابسة وطوابير البطالة والخصومات على الموظفين وقائمة الانتظار للاعمار والتعويض والسفر.

اقتلوا عبد الله فليس له تنظيم يدافع عنه، واصلبوه حتى لا ينتشر بعد اليوم خبر كاذب في مجتمع الصدق والطهارة، أو لا تتركوا حرف دون تحري لكي يقدم لمحاكمة عادلة في زمن يجتاح فيه كائن مخبري العالم ليسجن البشرية من الفقراء للملوك، كائن كالذي أشعل الألم في رأس النمرود، ليسري قانون العدل الالهي في خلقه لانه قانون يتعامل بميزان الذرة خيرا وشرا، قانون وضعه من يعلم خائنة الأنفس ولا يكتفي بتوثيق كتابات محذوفة.
    
سيخرج يوما عبد الله حيا او ميتا، لكنه لن يحذف عقله ولن يتنازل عن حريته وحقه في الخطأ وهو يعلم أنه لدى الرحمن متسع من الرحمة ومساحة لحرية الاختيار، نحن مطمئنون لحب عبد الله لربه، لكننا قلقون مما تخفيه القلوب القاسية والعقول المحدودة، وأخطر ما قيل لي في قضية الصديق عبد الله أبو شرخ من رجل يحب غزة وفلسطين: يا صديقي استغل فترة حظر التجول لتتعلم لغة أجنبية لأن وطن لا يتسع لقلب عبد الله أبو شرخ لا يمكن أن يتسع للضيق في قلوبنا ولا للرحابة في عيون أطفالنا.