المواجهة الفلسطينية لسياسة ضم الأراضي.. بين الممكن والمتاح

2020-05-26 06:16:40

يستشهد رشيد الخالدي في كتابه الشهير “وسطاء الخداع” بأقوال كبار إختصاصيي الشرق الأوسط في أمريكا، وبينهم رئيس الجامعة الأمريكية في بيروت الراحل مالكوم كير، الذي قال إن مبادرات السلام الأمريكية ساهمت في فرض الوقائع التي تريدها إسرائيل، وفرضت وضعًا قائمًا غير متبدل (ستاتيكو) على الفلسطينيين، صبّ في مصلحة التوسع الإسرائيلي. مبادرة الرئيس ترامب “صفقة القرن” تمثل الوجه الأكثر بشاعة للمبادرات الأمريكية، فتحت المجال واسعًا أمام مخططات اليمين المتطرف في إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي والاستمرار بنهج رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق مناحيم بيغين الذي وضع الأسس السياسية لحل القضية الفلسطينية، والتي استخدمها جميع رؤساء وزارات إسرائيل من بعده، ألا وهي أنه من غير المسموح قيام دولة مستقلة للفلسطينيين تتمتع بكل مقومات الدولة، وأنه ليس من المقبول أيضا أن تعاد الأراضي التي احتلتها إسرائيل إلى القيادة الفلسطينية، ولا أن تقبل إسرائيل بالتخلي عن مشاريع الاستيطان في هذه الأراضي. وكل ما يمكن تقديمه للفلسطينيين، حسب بيغين، هو سلطة ذاتية على السكان العرب في بعض المناطق، ولكن على أن تبقى ملكية أراضي هذه المناطق لدولة إسرائيل، و يحق لإسرائيل تنفيذ عمليات أمنية فيها.

برنامج حكومة نتنياهو ـ غانس تتحدث صراحة عن ضم أراضي في الضفة الغربية وغور الأردن، وبالتالي وضحت الرؤية الإسرائيلية تماما والرؤية الأمريكية، الموقف الفلسطيني الرسمي كان يعلم إلى أي مدى ستصل التحركات الأمريكية والإسرائيلية، ويعلم أيضا مستوى الضعف الذي وصله النظام العربي، وأن التطبيع مع الدولة العربية يحقق نجاحات  وإن كانت قليلة ولكنه يسير بخطى ثابتة، الموقف الأردني الرسمي والشعبي اتخذا موقفًا واضحا من سياسة اسرائيل لضم الأراضي الفلسطينية في الضفة والأغوار، لاعتبارات معروفة، وأمام هذا الوضع، اجتمعت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واتخذت سلسلة من الإجراءات والقرارات وإن كانت متأخرة جدا، ولكنها بالمجمل بالاتجاه الصحيح وإن برزت عدة تساؤلات عن جدية التنفيذ، من هذه القرارات  وقف التنسيق الأمني، وإلغاء الاتفاقيات والمرجعيات المحددة بين الطرفين  وتعتبر لاغية، هذه القرارات فتحت الباب لكثير من التكهنات والتساؤلات،  منها الحديث عن مستقبل وشكل السلطة في مقدمة ذلك تغير في وظيفة السلطة الفلسطينية التي نتجت عن اتفاقيات أوسلو، فمثلا تحويلها لإدارة محلية لشؤون السكان الفلسطينيين، وأن تشكل حكومة فلسطين، أي بمعنى أن نتحول إلى دولة تحت الاحتلال، ولكن هذا الخيار يصطدم بعدة عوامل منها الانقسام الفلسطيني والموقف الدولي الذي ساند ودعم السلطة الفلسطينية، وهل ستلتزم هذه الدول بدعم القضية الفلسطينية بعد تغيير وظيفة السلطة، ومن هذه التكهنات والتساؤلات أيضا أنه من الممكن لسياسة ضم الأراضي والقرارات الفلسطينية أن تؤديا إلى حل السلطة الفلسطينية، وتحويل الضفة الغربية لمشروع المحليات السبع الإسرائيلي، أي كل مدينة فلسطينية تحكم نفسها بنفسها ضمن رؤية وأوامر إسرائيلية، وبالتالي من ينادي بحل السلطة الفلسطينية يجب أن يتروى كثيرا، لأن السلطة تقدم خدمات كبيرة للسكان تبدأ بالأمن والقضاء وتنتهي بدفع رواتب موظفي السلطة الفلسطينية البالغ عددهم أكثر من 150 ألف موظف ومتقاعد مالي “أي لا يتبع هيئة التأمين والمعاشات” التي ستفلس في حال حل السلطة، إلى جانب النظام الصحي والتخلي عن الموازنة السنوية للسلطة والبالغة حوالي أكثر من خمسة مليارات دولار، أعتقد أننا لا نستطيع تحمل ذلك لأن أضرار حل السلطة أكثر بكثير من بقائها، هذه الاقتراحات سبق أن كتب الكثير من الكتاب وأنا منهم عنها، وهي بالمجمل  مساهمة بالنقاش، لأن مواجهة اليمين المتطرف في إسرائيل يجب أن تأخذ منا الكثير من البحث والنقاش، لأن التحول لدولة تحت الاحتلال خيار يجب البحث فيه جيدا والنقاش مع دول العالم الداعمة للسطلة الفلسطينية.

الحالة الفلسطينية الحالية أعتقد أنها لا تستطيع دعم أي خيار يعطي نتائج إيجابية، ليس فقط أن نتخذ قرارات بدون تحرك فلسطيني جدي على الصعيد الداخلي، ذلك لأن أي خيار فلسطيني يجب أن يبدأ بتقوية منظمة التحرير، إلغاء الاتفاقيات أو وقف التنسيق الأمني يحتاج منا أن نحدث تحولا جذريا في بنية منظمة التحرير، أي أن تكون فعلا لا قولا هي القيادة اليومية للشعب الفلسطيني وللسلطة الفلسطينية، لأن صورتها الحالية لا تصل إلى تحقيق مواجهة حقيقية، ومن جانب آخر وجب على الفصائل الفلسطينية خاصة المنضوية في منظمة التحرير أن تتصرف بحكمة وعقلانية وأن تطور من إمكانياتها وتستمع لآراء المفكرين الفلسطينيين وكتاب الرأي، هناك الكثير من الأفكار والآراء تحتاج منا جميعًا أن نستمع ونحاور للوصول لأفضل وسيلة لمواجهة خطط  نتياهو والبحث دائما عن القواسم المشتركة، وهي كثيرة ومتوفرة الآن.