هل سيفتك فصل الصيف بفيروس كورونا؟

2020-06-29 09:35:43

بقلم: جورج كرزم.

تشير المعطيات المخبرية، إجمالا، إلى أن الحرارة المرتفعة تؤذي الفيروسات، لكن ليس هناك أي دليل على أن فصل الصيف الحار سيوقف انتشار فيروس كورونا تحديدا، لأنه فيروس جديد، لا يمتلك الناس مناعة ضده بشكل طبيعي؛ وبالتالي فإن تباطؤ معدل الإصابة به في الصيف لا يعني انتهاء الوباء.

الطبيب اليوناني أبقراط، منذ القرن الرابع قبل الميلاد، أشار في كتاباته إلى ظاهرة أمراض الجهاز التنفسي في فصل الشتاء. وفي الواقع، تتبع الأمراض المختلفة أنماطًا مختلفة؛ فبعضها يصل الذروة في أوائل فصل الشتاء أو نهايته.  البعض الآخر يكون مميزا لفصول الربيع أو الصيف أو الخريف. هناك أمراض تحدث في أوقات مختلفة في مناطق مختلفة من العالم (حسب خطوط الطول المختلفة)، وهناك أيضًا أمراض لا تتأثر إطلاقا بفصول السنة.

واليوم ، بينما يشل فيروس كورونا (SARS-CoV-2) الحياة في جميع أنحاء العالم، يأمل الكثيرون بأن يَضْعُفَ كثيرا تفشي الفيروس خلال فصلي الربيع والصيف.  ومع ذلك، من ناحية علمية، لم تتضح بعد بشكل كاف أسباب تأثر بعض المسببات المرضية المعروفة لنا أكثر من فيروس كورونا- تأثرها  بفصول السنة.  لذا، لا يسارع الخبراء إلى القول بأن الخلاص سيأتينا بالفعل مع قدوم فصل الصيف.

أحد أسباب عدم اليقين يتعلق بتعقيد مسألة موسمية الفيروسات والتي تتأثر بالعديد من المتغيرات.  سبب آخر هو الفترة الزمنية الطويلة التي يستغرقها  بحث موسمية الأمراض؛ إذ قد يستغرق إجراء تجربة واحدة سنتين أو ثلاث سنوات. ورغم العقبات، فقد تم اقتراح نظريات مختلفة لتفسير موسمية الأمراض المختلفة.  المسببات المرضية التي يسهل تفسير موسميتها هي تلك التي تنتقل عن طريق الحشرات خلال مواسم الأمطار في المناطق الاستوائية.

التفسيرات أكثر تعقيدًا في حالة الفيروسات التي تنتقل مباشرة من شخص لآخر.  فيروسات الإنفلونزا، على سبيل المثال، قد تكون أكثر عدوى في فصل الشتاء بسبب عوامل مثل الرطوبة، درجة الحرارة، قرب الأشخاص من بعضهم البعض في الغرف المغلقة بينما يكون الجو الخارجي باردا؛ بالإضافة إلى التغيرات في النظام الغذائي أو مستويات فيتامين د المرتبطة بمدى التعرض لأشعة الشمس.  الاحتمال الآخر هو أن جهاز المناعة البشري يتأثر أيضًا بالمواسم والطقس.

عام 2018 نُشِرت دراسة أظهرت الدورات الموسمية لـ 68 مرضًا مختلفًا. فعلى سبيل المثال، RSV عبارة عن مرض شتوي، أما الجدري فيفضل بالعادة فصل الربيع، والكزاز ينتشر في منتصف فصل الصيف.  كما أن الفيروسات المختلفة تتصرف بشكل مختلف في المناطق الجغرافية المختلفة.

مقال علمي محكم يتوقع نشره قريبا في الدورية العلمية: Annual Review of Virology، وتم تحميل نسخة أولية منه على الإنترنت بسبب الأزمة الطبية العالمية، طرح تفسيرات مختلفة للعوامل التي يمكن أن تؤثر على قدرة الفيروس على العدوى.  من بين أمور أخرى، لاحظ الباحثون بأن آليات الدفاع في الجسم تتصرف بشكل مختلف في ظل الظروف الجوية المختلفة.  فعلى سبيل المثال، عندما يكون الهواء جافًا، يصبح المخاط الذي يحمي خلايا الجهاز التنفسي أكثر لزوجة ولا يُنَظَّف جيدا.  الاحتمال الآخر المذكور في البحث هو أن جهاز المناعة في الجسم قد يكون أقل فعالية في التعامل مع الفيروسات في الهواء البارد.

تفسير محتمل آخر للفرق بين الفيروسات المختلفة قد يكون بسبب بنية الفيروس نفسه؛ إذ أن بعض الفيروسات محاطة بغطاء مصنوع بالعادة من الدهون (جزيئات عضوية مختلفة، بما في ذلك جزيئات دهنية).  هذا الغلاف يساعد الفيروسات على التملص من جهاز المناعة. إلا أن بحثا نشر العام الماضي وجد بأن هذه الفيروسات تتأثر أكثر بتغيرات الطقس، بالمقارنة مع الفيروسات التي لا غلاف لها.

في بحث آخر نشر في المجلة العلمية Scientific Reports، حلل الباحثون تسعة فيروسات مختلفة - بعضها بأغلفة والبعض الآخر بدون أغلفة – وقد تم جمع 36 ألف عينة على مدى ست سنوات ونصف من عيادات بمنطقة أدنبره.  نتيجة البحث كانت واضحة:  موسمية الفيروسات المحاطة بغلاف تعد مرتفعة، بمعنى أنها تتأثر إلى حد كبير بالمواسم.  أحد الاحتمالات التي طرحها الباحثون هو أن التغيرات الحادة في الرطوبة هي ما يجعل غلاف الفيروسات أكثر عرضة للخطر. الاحتمال الثاني الذي قدمته دراسة سابقة، هو أن الرطوبة المطلقة التي تكون أعلى في فصل الصيف تحديدا هي التي تضعف فعالية الفيروسات المغلفة. الاحتمال الآخر هو أن الأشعة فوق البنفسجية القوية في الصيف تضرب الفيروس. على أي حال، لم يتم تفسير الآلية المحددة المسؤولة عن هذه الظاهرة.

نتائج متضاربة

فيروس كورونا المستجد، كما سائر أفراد عائلته- فيروسات السارس والميرس القاتلة، وأربعة فيروسات نزلات البرد الخفيفة- يوجد لديه غلاف.  السارس ظهر لأول مرة في البشر عام 2002 واختفى تمامًا في أوائل صيف عام 2003، إثر جهود دولية كبيرة لوقف تفشيه.  لذلك لم يكن ممكنا في هذه الحالة، تحديد ما إذا كان الطقس لعب دورًا مهمًا أم لا.  فيروس ميرس ينتقل بين الفينة والأخرى من الجمال إلى البشر في منطقة "الشرق الأوسط"، وقد تم توثيق انتقال العدوى بين البشر في سياقات طبية، لكن حتى الآن يبدو عدم وجود انتقال كبير للعدوى بين البشر.  لذا، في كلتا الحالتين، واستنادا إلى هذه الفيروسات، لا يمكن استنتاج وجود سمة الموسمية لدى فيروسات الكورونا.  من ناحية أخرى، وجدت لدى فيروسات نزلات البرد من عائلة كورونا سمة واضحة بهذا الاتجاه، وهي تنتشر بشكل خاص خلال أشهر الشتاء. هذا ما وجدته دراسة نفذت عام 2010 وفحصت عينات من المرضى تم جمعها بين عامي 2006 و2009.

يعتقد علماء علم الفيروسات بأن فيروس كورونا المستجد يحب البرد، ويتكاثر أفضل في الأجواء الباردة؛ لذا عندما تتم تربيته في ظروف مخبرية، فإنه لا ينمو عند درجة حرارة 37 مئوية، بل في درجة حرارة أقل.  ومع ذلك، حتى إذا كان فيروس كورونا يتفشى بكفاءة أكبر في فصل الشتاء، فمن غير المؤكد بأن الفرق (بين التفشي في الشتاء والصيف) سيكون كافيًا لوقف تفشي الفيروس خلال فصل الصيف الحالي.  فأولاً، ظروف المعيشة في العالم الصناعي  بشكل خاص، وفي العديد من المجتمعات في العالم بشكل عام (بما في ذلك منطقتنا)، من حيث العمل في فضاءات مغلقة بظروف مكيفة، تخفف من تأثير التغيرات الموسمية على حياتنا وأيضا على الفيروسات من حولنا.  والسبب الأهم هو أنه حتى لو كان الفيروس موسميا إلى حد كبير، فمجرد كونه فيروسا جديدا يعني بأن الجنس البشري لا يمتلك إطلاقا مناعة طبيعية ضده.  لهذا السبب، حتى لو أدى فصل الصيف إلى خفض معدل الإصابة بالفيروس، فلن يكون هذا الانخفاض كافيًا لوقف تفشي الوباء.  عندما تكون هناك كميات كبيرة جدًا من الفيروس، وبوجود شرائح سكانية كبيرة لا تتمتع بالحصانة ضده، فعندئذ حتى لو فقدت بعض جسيمات الفيروس فعاليتها، سيظل ما يكفي من الفيروسات لمواصلة نقل العدوى.

حاليا، تحاول العديد من الأبحاث الإجابة على المعضلة السابقة، لكنها توصلت إلى نتائج متضاربة. على سبيل المثال، قارن بحث- لم تتم مراجعته بعد من قبل هيئة تحكيم علمية- قارن معدل الإصابة في مناطق مختلفة بالصين، آخذا في الاعتبار الظروف الجوية المختلفة في تلك المناطق، وخلص إلى أن ارتفاع درجات الحرارة يبطىء معدل الإصابة بالفيروس.

من ناحية أخرى، هناك العديد من الأمثلة للعدوى المحلية في نصف الكرة الجنوبي- حيث الآن نهاية فصل الصيف.  لكن، بسبب الاختلافات بين نصفي الكرة الأرضية، فهناك العديد من المتغيرات الأخرى التي يمكن أن تؤثر على درجة تفشي الفيروس، مثل مستوى التصنيع والاتصال بين المناطق المختلفة.  دراسات أخرى، لم يتم تحكيمها علميا بعد، حاولت وزن أكبر عدد ممكن من هذه العوامل، وتوصلت إلى استنتاج محبط مفاده أن فيروس كورونا المستجد قادر على التفشي بشكل فعال حول العالم، حتى في المناخات الحارة والرطبة.

خلاصة القول، رغم أن الطقس الأشد حرارة قد يبطئ معدل الإصابة بفيروس سارس SARS-CoV-2 (الكورونا)، إلا أنه لا يوجد أدلة على أن الأجواء الأشد حرارة خلال أشهر الصيف في نصف الكرة الشمالي، ستقلّل من فعالية العدوى إلى الحد الذي لن يتطلب فيه اتخاذ مزيد من الإجراءات لمنع الفيروس من الانتشار.

 لذا، لا يمكننا الركون إلى أن فصل الصيف سيسمح بعودة الحياة إلى طبيعتها، إذ ليس لدينا توثيق علمي مؤكد حول السمة الموسمية لفيروس كورونا؛ وبالتالي، الأحاديث حول موسمية الفيروس مجرد تخمينات.  الظروف المخبرية بينت بأن الحرارة تؤذي الفيروس، لكن لا أحد يعرف كيف سيتصرف الفيروس خارج المختبر.