كيف تستثمر إسرائيل الهجرة في البحث العلمي؟

2020-07-13 07:29:31

بقلم: نبيل السهلي.

تتبوأ الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة مركز الصدارة في الإستراتيجية الإسرائيلية لخدمة الأهداف الديموغرافية من جهة ، فضلاً عن الاستفادة إلى حد كبير من الطاقات والخبرات العلمية بغرض تطوير البحث في كافة المستويات من جهة ثانية.

استثمار الكفاءات

أولت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1948 أهمية فائقة بعملية البحث والتطوير على الصعد كافة، وقد عزز التوجه المذكور الاستفادة من الهجرات اليهودية الكثيفة إلى فلسطين المحتلة خلال عقدي الستينيات والتسعينيات من القرن الماضي وما احتوته تلك الهجرات من طاقات علمية وأكاديمية واستثمارها في تطوير أداء البحث العلمي.
وبعد أكثر من سبعة عقود من إنشائها يمكن أن نتلمس مدى التطور في ميدان البحث العلمي؛ حيث تشارك إسرائيل في غالبية المؤتمرات العلمية الدولية ذات المستوى الرفيع التي تعقد دورياً، وقد تبوأت إسرائيل مراتب متقدمة من حيث المشاركة والمساهمة البحثية في تلك المؤتمرات.
وتؤكد دراسات أن المستوى الرفيع للبحوث الإسرائيلية في الخارج هو الذي زاد من اهتمام صناديق البحوث في العالم ودفعها إلى المساهمة في البحث العلمي في إسرائيل، في وقت تخصص فيه إسرائيل نحو ( 5) في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي السنوي ، ولهذا يصل نصيب الفرد في إسرائيل إلى حوالي (1300) دولار من إجمالي الإنفاق السنوي على البحث العلمي خلال السنوات الأخيرة.
تجمع دراسات متخصصة أن عمليات البحث والتطوير تتم في شكل أساسي في سبع جامعات إسرائيلية، فضلاً عن عشرات من معاهد الأبحاث الحكومية والعامة؛ وكذلك في مئات من الشركات المدنية والعسكرية والإستراتيجية. وثمة أبحاث عديدة تحصل في المراكز الطبية؛ وتقوم بعض الشركات العامة بأبحاث في مجالات متباينة مثل الاتصالات البعيدة، توليد الكهرباء والطاقة، وإدارة مصادر المياه وتقنيات الزراعة المتطورة.
وتشير دراسات مختلفة إلى أن معاهد الأبحاث الحكومية والعامة تعتبر من أهم مصادر التمويل لمشاريع البحث والتطوير؛ حيث توفر الدعم المالي لما يزيد عن خمسين في المائة من إجمالي أنشطة البحث والتطوير في إسرائيل.
واللافت أن عمليات البحث والتطوير في القطاع المدني للصناعة والزراعة تستحوذ على النسبة الكبرى من التمويل، وتؤكد دراسات متخصصة إلى أن إسرائيل تخصص نحو أربعين في المائة من المبالغ لتنمية المعرفة عن طريق صناديق إسرائيلية خاصة بالأبحاث والتطوير؛ أو من خلال التعاون مع دول أخرى أو بواسطة صناديق ممولة من قبل الحكومة الإسرائيلية بشكل مباشر، هذا فضلاً عن الصناديق الجامعية العامة التي تشكل لجنة التخطيط والميزانية التابعة لمجلس التعليم العالي مصدر دعمها المالي والفني. أما بقية المبالغ فهي تكرّس للأبحاث في مجالي الصحة والرفاه الاجتماعي؛ خاصة وأن تحسين المؤشرات في المجالين المذكورين يعتبر من أهم العوامل التي تشجع على هجرة اليهود إلى إسرائيل، خاصة من الدول التي لم تحقق تنمية بشرية مرتفعة.
تؤكد دراسات أن ثمانين في المائة من الأبحاث الإسرائيلية والمشاريع لتأهيل الباحثين هي في إطار الجامعات، كجامعة حيفا وغيرها من الجامعات الإسرائيلية ، وفي هذا السياق يؤكد أكاديميون أن مؤسسة إسرائيل للعلم – وهي مؤسسة مستقلة من الناحية القضائية – تعتبر مصدرًا رئيسيًا لتمويل الأبحاث على أساس التنافس بين الجامعات، حيث يمنح حوالي ألف باحث هبات من مؤسسة إسرائيل للعلم، بالإضافة إلى تمويل من الجامعات لتشجيع عملية البحث والتطوير.

تمويل مشاريع أوروبية

وتقوم مؤسسة إسرائيل للعلم كذلك بتمويل مشاريع خاصة مثل مشاريع لمجلس أوروبا للأبحاث النووية وتحسين الأبحاث الطبية عن طريق منح سلسلة هبات للأطباء الباحثين.
كما يقوم «منتدى تيليم» بتمويل وتنسيق مشاريع بحث كبيرة الحجم ليست هناك أي جهة تستطيع التعامل معها.
ويعتبر المنتدى المذكور تطوعي يتألف من كبار العلماء في وزارة الصناعة والتجارة ووزارة العلوم والتكنولوجيا، ناهيك عن رئيس الأكاديمية الإسرائيلية بالإضافة إلى ممثلين عن مجلس التعليم العالي ووزارة المالية.
وكان منتدى «تيليم» صاحب المبادرة لدخول إسرائيل إلى برنامج الإطار للإتحاد الأوروبي ومصدرًا لتمويل هذه المبادرة أحيانًا. كما يقف هذا المنتدى وراء عضوية إسرائيل في المنشأة الأوروبية «سنخروتون» للأبحاث في مجال الإشعاع؛ وكذلك وراء مبادرة الإنترنت الإسرائيلية الأخيرة.
ويمكن اعتبار العدد الكبير من براءات الاختراع التي تم تطويرها في الجامعات الإسرائيلية مقياسًا لفعالية العلاقة بين الجامعات والصناعة. أما بالنسبة للكوادر المهنية في نشاط البحث العلمي والتطوير في إسرائيل؛ فإن الاحتياطي الكبير من الكوادر ذات الكفاءة الأكاديمية هو الذراع الأهم في الانجازات العلمية والبحثية في إسرائيل.
ومن المؤشرات الداعمة لتوجهات المؤسسة الإسرائيلية في البحث والتطوير استكمال ربع المشاركين في سوق العمل 16 سنة أو أكثر الدراسة في الجامعات والمعاهد الإسرائيلية.
وقد استفادت إسرائيل من الهجرات اليهودية؛ حيث انضم عدد كبير من العلماء والمهندسين والفنيين المدرّبين من اليهود القادمين من دول الإتحاد السوفييتي السابق إلى القوة البشرية العاملة في إسرائيل.
وتشير دراسات إلى هجرة أكثر من مليون ومائتي ألف يهودي من تلك الدول إلى إسرائيل خلال الفترة الممتدة بين السنوات (1991-2000) ، فضلاً عن هجرة الآلاف من يهود فرنسا وكندا وأمريكا إلى فلسطين المحتلة خلال العقد الأخير، وثمة نسبة كبيرة منهم من العلماء؛ ويتوقع أن تزداد بصورة ملحوظة إنجازات إسرائيل في المجالين العلمي والتكنولوجي نظراً لاهتمام إسرائيل في البحث والتطوير وتخصيص مزيد من الموارد المالية للاستثمار في الاتجاه المذكور ؛ حيث يعتبر ذلك بمثابة إستراتيجية عليا.