تحقيق أمني لبناني: انفجار المرفأ كان سيدمر بيروت كلها

2020-08-11 13:19:50

حذر مسؤولون أمنيون لبنانيون رئيس الوزراء ورئيس الدولة، الشهر الماضي، من أن وجود 2750 طنا من نترات الأمونيا في مخزن بمرفأ بيروت، يمثل خطرا أمنيا ربما يدمر العاصمة إذا انفجرت تلك المواد، وذلك وفقا لوثائق اطلعت عليها وكالة رويترز. وأكدت مصادر أمنية ذلك أيضا.

ووقع الانفجار الهائل الذي محا معظم المرفأ وقطاعات من العاصمة اللبنانية وأسفر عن مقتل 163 شخصا وإصابة ستة آلاف آخرين ودمر حوالي ستة آلاف بناي، بعد ما يزيد قليلا على أسبوعين من التحذير.

وتضمن تقرير من المديرية العامة لأمن الدولة عن الأحداث، التي أدت إلى الانفجار، إشارة إلى رسالة أرسلت بالبريد الخاص إلى الرئيس، ميشال عون، ورئيس الوزراء، حسان دياب، في 20 تموز/يوليو الماضي.

ورغم أن مضمون الرسالة لم يكن ضمن التقرير الذي اطلعت عليه رويترز، فقد قال مسؤول أمني كبير إنها تلخص ما توصل إليه تحقيق قضائي، بدأ في كانون الثاني/يناير الماضي، وخلص إلى ضرورة تأمين المواد الكيماوية على الفور.

ولم يسبق نشر شيء عن تقرير أمن الدولة الذي أكد مخاطبة الرئيس ورئيس الوزراء. وقال المسؤول الأمني لرويترز إنه "كان هناك خطر أن تستخدم هذه المواد في هجوم إرهابي إذا سُرقت". وفي إشارة إلى الرسالة الموجهة إلى رئيس الوزراء ورئيس الدولة من المديرية العامة لأمن الدولة والتي تشرف على أمن المرفأ، قال المسؤول "في نهاية التحقيق، النائب العام (التمييزي غسان) عويدات، أعد تقريرا نهائيا تم إرساله إلى السلطات".

وأضاف المسؤول الذي شارك في صياغة الرسالة وطلب عدم نشر اسمه، إنه "حذرتهم من أن هذا قد يدمر بيروت إذا انفجر". ولم تستطع رويترز التأكد من مصدر مستقل مما ذكره عن الرسالة. ولم ترد رئاسة الجمهورية على طلبات للتعليق على الرسالة، الصادرة بتاريخ 20 تموز/يوليو.

وقال ممثل عن دياب، الذي قدمت حكومته استقالتها أمس، إن رئيس الوزراء تسلم الرسالة ونقلها إلى مجلس الدفاع الأعلى لإبداء المشورة خلال 48 ساعة. وأضاف أن "مجلس الوزراء الحالي تلقى التقرير 14 يوما قبل الانفجار، وتحرك بشأنه في غضون أيام. الإدارات السابقة كان أمامها أكثر من ست سنوات ولم تفعل شيئا".

"إجراء اللازم"

من المحتمل أن يثير الحديث عن هذه الرسالة انتقادات جديدة ويغذي الغضب الشعبي من الانفجار، الذي اعتبر أحدث مثال على إهمال الحكومة وفسادها الذي دفع بلبنان إلى الانهيار الاقتصادي.

ومن المتوقع أن تبلغ كلفة إعادة إعمار بيروت وحدها 15 مليار دولار، في بلد مفلس فعليا تتجاوز خسائر نظامه المصرفي الإجمالية 100 مليار دولار.

وأكد عون، الأسبوع الماضي، أنه سبق إبلاغه عن المواد الكيماوية. وقال للصحفيين إنه وجه الأمين العام لمجلس الدفاع الأعلى، الذي يضم الأجهزة الأمنية والعسكرية في لبنان ويرأسه رئيس الدولة بضرورة "إجراء اللازم".

وقال إن "المواد صرلها من 2013، وعم يقولو خطرة، وأنا لست مسؤولا ولا أعرف وين محطوطة هذه المواد، ولا أعرف درجة الخطورة، وما الي (ليس لدي) صلاحية اتعاطى مباشرة مع المرفأ. فيه تراتبية لازم تعرف واجباتها وكلهم كانوا على اطلاع".

ولا تزال أسئلة كثيرة بلا أجوبة حول سبب رسو السفينة بشحنة نترات الأمونيا في بيروت، في أواخر 2013. والمحير أكثر من ذلك هو سبب السماح بتخزين كمية كبيرة من المادة الخطيرة في المرفأ كل هذا الوقت.

وجاءت الرسالة التي أرسلت إلى عون ودياب في أعقاب سلسلة من المذكرات والرسائل التي بعث بها مسؤولو المرفأ والجمارك والأمن إلى المحاكم، على مدار السنوات الست السابقة، وحثوا فيها مرارا القضاة على إصدار أمر بنقل نترات الأمونيا من مكانها القريب جدا من وسط المدينة.

وقال تقرير المديرية العامة لأمن الدولة إنه تم تقديم العديد من الطلبات، وذلك دون ذكر عددها على وجه التحديد. وذكر أن إدارة المانيفست بالمرفأ أرسلت عدة طلبات كتابية إلى مديرية الجمارك حتى عام 2016، مطالبة قاض بإصدار الأمر بإعادة تصدير الكمية على الفور.

وقال تقرير الإدارة العامة لأمن الدولة "لكن وحتى تاريخه، لم يصدر قرار بهذا الشأن. بعد مراجعة أحد المختصين في الكيمياء، أكد أن هذه المواد وفي حال اشتعالها ستسبب انفجارا ضخما وستكون نتائجه شبه مدمرة لمرفأ بيروت".

مادة خطرة

بدأ الطريق المؤدي إلى مأساة الأسبوع الماضي قبل سبع سنوات عندما رست السفينة "روسوس"، المستأجرة لحساب روسي وترفع علم مولدوفا، وتحمل شحنة من نترات الأمونيا من جورجيا إلى موزامبيق، في مرفأ بيروت لمحاولة نقل بضائع إضافية لتدبير رسوم المرور عبر قناة السويس، وفقا لما قاله ربانها.

وأوضح تقرير أمن الدولة أن سلطات المرفأ احتجزت السفينة "روسوس" في كانون الأول/ديسمبر 2013، بالأمر القضائي 1031/2013 بسبب ديون عليها لحساب شركتين قدمتا طلبا للقضاء في بيروت لحجزها.

وفي أيار/مايو 2014، اعتبرت السلطات السفينة غير صالحة للإبحار، وتم تفريغ شحنتها في تشرين الأول/أكتوبر 2014، وتخزينها في ما عرف بالعنبر 12. وأظهر التقرير الأمني أن السفينة غرقت بالقرب من كاسر الأمواج في المرفأ، في 18 شباط/فبراير 2018.

وتقول مولدوفا إن شركة "بريروود كورب"، التي تتخذ من بنما مقرا لها، هي صاحبة السفينة. ولم يتسن الاتصال بشركة "بريروود" للتعليق.

وفي شباط/فبراير 2015، عين قاضي الأمور المستعجلة، نديم زوين، خبيرا لتفقد الشحنة وفقا لما ورد في التقرير الأمني. وقال التقرير إن الخبير خلص إلى أن المواد المخزنة خطيرة وطلب، عبر سلطات، المرفأ نقلها إلى الجيش. ولم تستطع رويترز التحقق على الفور من رواية الخبير.

وذكر التقرير أن قيادة الجيش اللبناني رفضت الطلب وأوصت بنقل المواد الكيماوية أو بيعها إلى الشركة اللبنانية للمتفجرات، وهي شركة خاصة. ولم يذكر التقرير سبب رفض الجيش قبول الشحنة. وقال مسؤول أمني لرويترز إن ذلك يرجع إلى عدم احتياج الجيش لها. وامتنع الجيش عن التعليق.

وقالت إدارة الشركة اللبنانية للمتفجرات إنها لم تكن مهتمة بشراء المواد المصادرة،، وإن الشركة لديها إمداداتها الخاصة وتراخيص الاستيراد الحكومية الخاصة بها.

وتبين الطلبات التي اطلعت عليها رويترز أن مسؤولي الجمارك والأمن استمروا بعد ذلك في مراسلة القضاة كل ستة أشهر تقريبا لطلب نقل المواد الكيماوية. وامتنع القضاة ومسؤولو الجمارك عن التعقيب عندما اتصلت بهم رويترز. وتم احتجاز عدد من مسؤولي الجمارك والمرفأ في إطار التحقيق في الانفجار.

"سوء تخزين وسوء تقدير"

في كانون الثاني/يناير 2020، أمر قاض بإجراء تحقيق رسمي بعد اكتشاف أن العنبر 12 لا يخضع للحراسة وبه فجوة في حائطه الجنوبي، كما أن أحد أبوابه كان مخلوعا، الأمر الذي كان يعني أن المواد الخطرة عرضة للسرقة.

وقال مسؤول أمني رفيع ثان طلب عدم نشر اسمه،، إن النائب العام التمييزي عويدات أصدر في التقرير النهائي، في أعقاب التحقيق، أوامر فورية لتأمين أبواب العنبر ومعالجة الفتحة وتوفير الأمن.

وفي الرابع من حزيران/يونيو الفائت، وبناء على تلك الأوامر، أصدر أمن الدولة تعليمات لسلطات المرفأ لتوفير حراسة للعنبر 12 وتعيين مدير له، وتأمين جميع الأبواب وسد الفتحة في الحائط الجنوبي، وذلك وفقا لما ورد في تقرير أمن الدولة وما قاله المسؤولون الأمنيون. ولم ترد سلطات المرفأ على الفور على طلبات للتعليق.

وقال المسؤول الأمني إن "الصيانة بدأت وأرسلت (سلطات المرفأ) فريقا من العمال السوريين، (لكن) لم يكن هناك من يشرف عليهم عندما دخلوا لإصلاح الفجوات". وأضاف أن شررا تطاير من أعمال اللحام خلال الإصلاح وأشعل حريقا وبدأت النيران في الانتشار.

وقال المسؤول الأمني الرفيع الثاني إنه "نظرا لتخزين مفرقعات في العنبر نفسه، بدأ بعد ساعة حريق كبير بفعل المفرقعات وامتد ذلك إلى المادة التي انفجرت عندما تجاوزت درجة الحرارة 210 درجات".

وحمّل المسؤول سلطات الميناء مسؤولية عدم الإشراف على فريق الإصلاح وتخزين المفرقعات بجانب كمية كبيرة من المواد شديدة الانفجار. ولم تستطع رويترز التحقق من مصير العمال الذين كانوا يؤدون أعمال الإصلاح في العنبر. وقال المسؤول إن "أثر الانفجار كان مخففا فقط لأن العنبر يواجه البحر. ولولا ذلك لدمرت بيروت كلها. المسألة كلها إهمال وعدم إحساس بالمسؤولية وسوء تخزين وسوء تقدير".