التحرر من الاحتلال يبدأ بتحرير عقولنا ومخيلتنا السياسية

2020-09-14 07:01:00

بقلم: سامر عبد الرزاق السنجلاوي.

فلتوقع اسرائيل كل يوم اتفاقية جديدة ولترفع كل يوم علما في عاصمة جديدة، ولكن السلام لن يتحقق الا مع ١٣ مليون فلسطيني، أما باقي الاتفاقيات مع الآخرين فهي مجرد ملفات ستترك على الرفوف ولن تحقق لاسرائيل السلام على أرض الواقع.

ترامب وفريدمان سعيدان في التقاط صور التوقيع. فالاول يحتاجها لاقناع انصاره وخاصه الانجيليين انه يحقق نبوءتهم ويهيئ الظروف لتحقيق العودة الثانيه حسب معتقداتهم. وبالتالي فإن واجبهم العقائدي يحتم عليهم رصد ملايين الدولارات لحملته الانتخابية والتصويت له يوم الاقتراع.

اما الثاني فهو عمليا ابعد ما يكون سفيرا لأمريكا في إسرائيل، بل هو هو في حقيقة الأمر سفير للاستيطان لدى واشنطن. وهو مستوطن عقائدي ، عائلته الاولى تسكن في غوش عتصيون وهو قبل تعيينه سفيرا كان رئيسا لمنظمة ( امريكان من اجل مستوطنة بيت ايل). بالرغم من هذه الصور وهذه الاحتفالات فإن التاريخ سيذكر ترامب وفريدمان كصانعي اضطرابات وأزمات وعابثين في الاستقرار والقانون الدولي ولا يمكن تذكرهما كصانعي سلام.

فريدمان الذي التقي كل اليمين الاسرائيلي، وخصص ساعات طويلة وزيارات عديدة لقادة الاستيطان لاقناعهم بدعم خطة ترامب لم يكلف نفسه محاولة التشاور مع الفلسطنيين والاستماع لهم. ولو ينظر فريدمان من شباك مكتبه في سفارته، ولو ينظر من كافة شبابيك السفارة في حي الارنونا سيجد نفسه محاطا بملايين الفلسطينيين و سيشاهد واقع احتلال وعنصرية قبيحين . سيشاهد الفصل العنصري الذي مارسته اسرائيل وشرعته في قوانينها، وجرائم حرب ترتكب يوميا من دون أن يحرك المجتمع الدولي ساكنا. وبالمقارنة سنجد ابشع أنظمة الفصل العنصري التي عرفها التاريخ ومنها ابارتهايد جنوب افريقيا حديقه ورود مقارنة مع واقع الاستبداد والاحتلال الاسرائيلي الذي يتحكم وبأسلوب قمعي بحياة ومستقبل ١٣ مليون فلسطيني.

احداث كثيرة في العقد الاخير اثرت على القضية الفلسطينية وهي بمجملها باتت تفرض اعادة صياغة الاستراتيجية والخيارات الفلسطينية. منها قانون القومية العنصري ونقل السفارة الأمريكية الى القدس والاستيطان المستشري في الضفه وحصار غزة الظالم وقطع المخصصات عن وكالة غوث اللاجئين وفشل اوسلو وما يتبعه من موت حتمي لحل الدولتين او (لوهم الدولتين). هذا ما يجعل الفلسطينيين كلهم ... وكلهم يعني كلهم ... الـ ١٣ مليون فلسطيني في القدس وغزة والضفه والداخل والشتات وفي المخيمات تحت مشترك واحد ، وموحدين امام ظلم متساوي وضمن تحديات مشتركة اكثر من اي وقت مضى.

تعلمنا من ١٠٠ عام مضت مثلت عصر انتشار نفوذ الصهيونية ان القانون الدولي لن يخدمنا، هو في خدمة القوى العظمى وحسب مزاجها. وتعلمنا ان العالم يدار بالمصالح وليس بالمبادئ وادركنا ان الاحتلال الاسرائيلي ليس مؤقتا كما تدعي اسرائيل، ادعاء يساعد المجتمع الدولي على عدم التدخل الجدي لانهاء الاحتلال، ويوفر لهم الراحة ويسقط عن ظهورهم مسؤوليه أخلاقية قد تفرض عليهم مواجهة اسرائيل حفاظا على النظام الدولي الذي أسسه الغرب لتنظيم الاستقرار في العالم في منتصف القرن الماضي. فكل ما ترتكبه اسرائيل من جرائم حرب يتم غض النظر عنه تحت غطاء المفاوضات التي باتت توفر للمجتمع الدولي مبررات السكوت عن إسرائيل على اعتبار ان احتلالها للفلسطينيين مؤقت. فالمجتمع الدولي بات يرتاح للترويج لكذبة بسيطة اسمها المفاوضات وخيار حل الدولتين فهذا اسهل عليهم من التعامل مع الحقيقة المعقدة بوجود دولة ابارتهايد عنصرية واحدة ما بين البحر المتوسط والاردن.

وجود مفاوضات ورفع شعار الدولتين هما كذبة ولكنها كذبة سهلة تريح العالم من عناء البحث عن حل واقعي. لكن لا بأس فنحن شعب عنيد تعلمنا ان الصبر هو مفتاح الفرج. وان الصبر ليس فقط القدرة على الانتظار بل هو القدرة على التصرف السليم اثناء الانتظار. نحن ندرك ان اسرائيل احتلت اضافة الى ارضنا مخيلتنا السياسية واستكملت قيادتنا الفلسطينية حصر تفكيرنا في خيار واحد وعقيم متمثل باوسلو الذي لم يحقق لنا الا استمتاع بعض القيادات بمظاهر خداعة لسلطة لا تمتلك سوى تقديم خدمات محدودة على ١٨% من الضفة الغربية.

ولأن مواجهة النفس هي اصعب المواجهات علينا ان نعترف وبألم ان ‏السلطة الوطنية فشلت في تحقيق الديمقراطية وفي بناء مؤسسات الدولة، وفي ضمان حياة كريمة للفلسطينيين ، وفشلت في إدارة اقتصاد قابل للحياة.

اوسلو ماتت وقد يكون مات معها خيار الدولتين. ولكن عدالة الحقوق الفلسطينيه الفردية والجماعية لم ولن تموت. فلو كان القرن العشرين هو عصر نفوذ الصهيونية يمكن للشعب الفلسطيني ان يجعل من القرن الواحد والعشرين عصرا لدعم عالمي للقضية الفلسطينيه بأبعادها الاخلاقية والحقوقية والسياسية، عصرا تمتلك فيه القضية الفلسطينية قوة اخلاقية ناتجة عن التفاف كامل الفلسطينيين حول شعارات موحدة مطالبه بالعدل والمساواة والحقوق الفردية والجماعية وعن تفاعل شعبي كبير حول العالم على غرار ما حدث في بداية الانتفاضة الفلسطينية الاولى او ما يحدث الان تضامنا مع حركة ( حياة السود تهمنا).

لا طريق امامنا سوى إعادة اصلاح منظمة التحرير وجعلها اكثر تمثيلا واكثر شفافية وذلك بانتخاب قيادة تمثل كل الفلسطينيين. وكلهم يعني كلهم، يعني الـ ١٣ مليون فلسطيني. انتخابات لكل الفلسطينيين تستند على النظام الاساسي للمنظمة الذي نص في المادة "٤"على "الفلسطينيون جميعا اعضاء طبيعيون في منظمة التحرير الفلسطينية". وفي المادة "٥" نص على انتخاب اعضاء المجلس الوطني عن طريق الاقتراع المباشر من قبل الشعب الفلسطيني.

قد يعتبر البعض ممن لا تروق لهم الديمقراطية، ان تنظيم هذه الانتخابات هو ضرب من الخيال بسبب تشتت الشعب الفلسطيني في كافة انحاء الارض. الا ان الحل بسيط وواقعي وقد جربته دول اوروبية مثل استونيا وحتى تم تجربته في الولايات المتحدة وهو ببساطة اللجوء الى الانتخابات الالكترونية. هذه التكنولوجيا التي تضمن الشفافية والنزاهة وتتجاوز معيقات تشتت الشعب الفلسطين وتوفر حلا لمشاركة القدس، وفي نفس الوقت تحقق عدالة المشاركة والتمثيل لكل الفلسطينيين.

هذه الانتخابات ستفرز حتما قيادة جديدة وعلى الاغلب شابة وقادرة على اعادة احياء القضيه الفلسطينيه من جديد. احيائها بعيدا عن اوسلو وبعيدا عن المراهنة على ان الدول والحكومات الصديقة ان كانت اوروبية او عربية ستشكل الضغط اللازم على اسرائيل لانهاء احتلال القدس والضفه وغزة واعادة اللاجئين او انهاء العنصرية الممنهجة ضد فلسطينيي الداخل.

قضيتنا ستنتصر ليس بالقانون الدولي بل بتوحدنا حول برنامج واحد وشعارات واحدة وآليات عمل سلمية تمتلك قوة أخلاقية تمكنها من خلق حركة تعاطف وتأييد عالمية تصنع لنا توازنا جديدا يحقق لنا الانتصار. هكذا انتصرت القوة الاخلاقية للسود في امريكا في الستينيات وما زالت الى يومنا هذا تتقدم بقوة نحو اتمام المساواة داخل المجتمع الامريكي. وستنتصر قضيتنا كما انتصر السود في جنوب افريقيا الذين واجهوا ظروفا قد تكون مشابهة الى حد ما لظروفنا. لم يخدم القانون الدولي السود في امريكا او جنوب افريقيا بل انتصروا بالقوة الاخلاقية لعدالة مطالبهم بكافة ابعادها الانسانية والسياسية.

‏‎ حان الوقت للانتخابات وهو حق حرم منه الفلسطينيون من قياداتهم لوقت طويل. هذه الانتخابات ستكون الخطوة الأولى نحو اعادة احياء قضيتنا . الانتخابات الشامله للكل الفلسطيني ستوحد شعبنا وتفرض احترام قيادته على كل العالم وستعالج الاخطاء وتحسن الاداء وغير ذلك ما هو إلا انتحار جماعي.