فصائل المرحلة واعادة الاصطفافات ...

2020-10-15 05:09:49

من جديد نكون أو لا نكون.. من جديد تفرض التحديات ذاتها على كينونة الحركة الوطنية الفلسطينية وعلى مسارها وحقائقها، فإما أن تكون حركة وطنية فاعلة متفاعلة والمتطلبات الجماهيرية الشعبية وتعمل على تحقيق اهداف الشعب بالحرية والسيادة والاستقلال وان تحمي مكتسباته الوطنية أو أن لا تكون.

مما لا شك فيه أن الحركة الوطنية بكافة تشكيلاتها وأطرها وفصائلها وقواها وتعدد مشاربها ومنابع ايديولوجياتها، تعيش اليوم واحدة من أخطر أزماتها التي تهدد اركانها ووجودها، وبالتالي هويتها النضالية الكفاحية، التي من المفروض أنها قائمة من خلالها في سبيل تحقيق الأجندة الجماهيرية الشعبية، وأن تكون معبرة فعلية عنها وعن توجهاتها، وأن تكون الحامية لتطلعاتها ولآمالها وان تساند فعلها، لا أن تكون عبئا عليها وعلى فعلها.

وهذا ما تتمظهر فيه الحركة الوطنية الفلسطينية بالمرحلة الراهنة، حيث انها قد أصبحت مُستنفذة ومُستنزفة للحراك الجماهيري الشعبي وقدراته وطاقاته وتوظفها في الصراعات الداخلية ما بين أقطابها لتحقيق بعض المكاسب الفئوية الضيقة على حساب الأهداف الوطنية الإستراتيجية، الأمر الذي يعني أن ثمة خللا بنيويا في مسار العمل الوطني برمته، مما يستدعي صياغة برامجية جديدة على الأسس العلمية العملية لمتطلبات وتداعيات المرحلة بشكل براغماتي، يخدم أولا وأساسا المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني.

وقد نكون بحاجة لإعادة عنونة أطرنا الوطنية من جديد.. بمعنى قد نكون بحاجة لإعادة اصطفاف جديدة تأخذ بعين الاعتبار طبيعة المتغيرات الجوهرية على خارطة القوى الوطنية بالمجمل... أي أن الواقع الفلسطيني ربما يفرض عناوين جديدة تكون نتيجة طبيعة لحالة المخاض التي تعيشها القضية الفلسطينية وعدم قدرة زعاماتها وقادتها، وبالتالي أطرها وقواها بأحزابها وفصائلها على انجاز المشروع الوطني الفلسطيني الذي لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار حسابات الوقائع الإقليمية والدولية وقوانين العملية التحررية ذاتها.

من هنا تأتي الأهمية الإستراتيجية لحماية الذات (والمقصود هنا بالذات الجمعية الجماعية...) وهو ما يبدو واضحا وجليا، على اعتبار ان اركان الحركة الوطنية ككل مهددة اليوم من فعل اللفظ، ولا بد ان تكون مهددة بهكذا فعل، طالما أنها أخفقت في استيعاب شروط المرحلة وشروط الإستيعاب للآخر وإنجاز المشروع التوافقي بعيدا عن الحسابات السلطوية. فالقوانين السياسية الفلسطينية مختلفة تمام الاختلاف عن كافة الساحات ولا يمكن استيراد القوانين وتطويعها على الحالة الفلسطينية قصرا. فالمسألة غير خاضعة بالمطلق لمنطق الصراع الحزبي (الذي قد يكون ديمقراطي الشكل أو عنيف المظهر) على رأس الهرم السلطوي، على اعتبار ان القانون الفلسطيني يفرض الحالة التوافقية أولا على أساس المشروع الوطني التحرري، بصرف النظر عن التأثر والتأثير للحجوم التنظيمية... ولا يمكن ممارسة العمل السلطوي بقوانين الفعل السياسي الإحترافي كما هي الحالة الطبيعية في باقي الدول المستقلة والتي تتمتع بالإستقلال وبالسيادة على كامل ترابها وعلى بشرها وحجرها، وهذا الفهم هو حجر الزاوية الرئيسي في بناء الاستراتيجية الفلسطينية التي تعتمد بالأساس على مفهوم الوحدة الوطنية استنادا الى استقلالية القرار الوطني أولا وأخيرا.

اعتقد أن مدركات الحالة الفلسطينية الراهنة وتداعياتها التي بلا شك تهدد المصير الوطني ككل، تفرض على الزعامات التنظيمية الفصائيلية انجاز حالة التوافق والاتفاق للخروج من حالة الشرذمة والانقسام الخطير بجغرافيا الوطن المحتل وهذا يتطلب إدراك فعلي لقوانين مرحلة التحرر الوطني ضمن فهم الحالة الفلسطينية وتشابكاتها. ولابد من تواصل الفعل الإبداعي للإنتاجية الفلسطينية السياسية والكفاحية التي تضمن إعادة الاعتبار للهوية الفلسطينية وابقاءها حية في معادلة الصراع المحلية والإقليمية على اعتبار أن هذه الهوية معرضة وباستمرار للطمس والمحو والشطب جراء السياسات المضادة التي تستهدف بالأساس المعادلة الوجودية للهوية الفلسطينية على كافة المستويات والصعد، وهي أساس وجوهر الصراع، بل إننا نستطيع القول إن تراكمات العملية النضالية الكفاحية للشعب الفلسطيني قد حاولت فقط حماية الهوية الوطنية من الاندثار وتثبيت الرقم الفلسطيني كرقم صعب لا يمكن تجاهله أو تجاوزه في معادلة الصراعات الإقليمية وحتى الدولية وكل ذلك تم من خلال الفهم العميق لوقائع المراحل المختلفة التي عبرتها القضية الفلسطينية ومتطلباتها مع الكثير من الملاحظات على الأداء والكثير من السلبيات.

إن الظرف الراهن الذي يشهد حالة الانقسام والصراع الدموي على الساحة الفلسطينية انما يهدد اركان الوجود الفلسطيني كهوية حضارية نضالية استطاعت فرض ذاتها على مختلف الساحات كما اسلفنا الذكر لذلك لابد من انجاز الإتفاق والتوافق على اساسيات البرنامج الوحدوي للكل الفلسطيني والذي لابد أن يأخذ بعين الاعتبار برمجة التعايش ما بين كل المذاهب والطوائف السياسية وزعامات القبائل الفصائلية في إطار الأهداف الإستراتيجية للشعب وجماهيره وتطلعاته نحو الحرية والسيادة والاستقلال وحقه بتقرير مصيره وشكل وطبيعة دولته العتيدة، وأن لا تكون هذه الفصائل الوصية أو أن تلعب دور أولياء الأمر عليه، فهو القادر دوما على فرض حقائقه ومعادلته، وبالتالي قادر على إعادة إنتاج ذاته وإنتاج قواه الحية.

إذن مطلوب منهم انجاز الحالة التوافقية، والاتفاق بات اليوم هو المطلوب والأشد الحالحا، وهو ما يمكن أن يحفظ كرامة المواطن والوطن في آن معا، بعد ان استبيحت كرامته وأصبحت في مهب الريح، وهو التوافق على الحد الأدني من الإجماع حول مختلف قضايانا الوطنية والمصيرية، وهو رسم الخطوط والحدود الحمراء لوقف المجزرة التي استهدفت الحق بالحياة من قبل من يدعون أنهم ممثلينا وقادتنا، وهو ما تطالب به هذه الجماهير الصابرة المناضلة والرابضة صمودا في ظل أعتى آليات القرن وحشية وقمعا، وهو صياغة الصمود بالتعبير السياسي الذي يعكس وحدة الموقف والإداء لما يصبو إليه هذا الشعب دون اجتهاد وحذلقات بالتفسير والتأويل، وهي المطالبة بحفظ دماء الشهداء وأنات الجرحى ودموع الثكالى التي شكلت على الدوام نبراس التوجه نحو الغد، وهو الاتفاق الذي يضمن الحريات وحفظ الحقوق للأفرد وللجماعات على حد سواء، وهو اتفاق سيادة القانون في ظل غابة البنادق، وهو اتفاق الإبداع والإبتداع لمعادلة بندقية المقاتل المحتصنة جماهيريا وتلك التي شكلت قاطعة للطرق، وهو اتفاق صياغة فعل المقاومة من جديد على الأساس التراثي الشعبي المتراكم.

اعتقد أن فعل الحوار الوطني المتواصله جلساته بهذه المرحلة بمختلف عواصم القرار الاقليمي اذا ما جاز التعبير يشكل محطة أخيرة للطبقة السياسية الحاكمة في الأراضي المحتلة، والتي لابد لها أن تتفق وأن تنجز مشروعها والذي اضحى اليوم مشروعا جماهيريا ومطلبا شعبيا عريضا، وبالتالي لابد لكل هذه الزعامات أن تلبي رغبات جماهيرها إن كانت بالفعل صادقة وتنطلق من مفهوم متطلبات وتطلعات الحركة الجماهيرية.

لا يوجد أي مفر آخر أمام هذه الطبقة الزعاماتية سوى الإنجاز وإعادة ترتيب الأوراق من جديد... وأجدني هنا اردد من وراء هذه الجماهير القول الفصل في هذا الفصل التاريخي والمفصلي حيث القول الأهم الآن والمتمثل بـ"إن لم تتفقوا فلا تعودوا الى وقائعنا، وابقوا حيث أنتم ممالك على فصائلكم وتنظيماتكم وحتما سيلفظكم الشعب وسينتج أدواته وزعاماته من جديد".

ولا بد من المباشرة باتخاذ الخطوات الملموسة على ارض الواقع ليكون الإستشعار بجدية المرحلة وخطوط الاتفاق والتوافق ولابد لهذه القيادة ان تكف عن التسويف والمماطله واصدار القرار الوطني من خلال المرسوم الرئاسي بتنظيم الانتخابات لتكون المباشرة باعادة الاصطفافات القيادية من جديد ومن حق الشعب كل الشعب المباشرة باجتياز مرحلة لفظ الشخوص التي لطالما شكلت عبئا على الشعب والحركة الوطنية وحتى على الأطر القيادية ذاتها.

وتبقى الجماهير هي التي من حقها بلورة قيادة جديدة وان كان من خلال المرسوم الذي طال انتظاره.