في يوم الشهيد الفلسطيني

2021-01-09 08:46:04

 

حلق الشهداء في يوم الشهيد الفلسطيني في سماء الوطن وكان رجع صوتهم يردد (ولا تفرقوا) وهم يتابعون مشهد الوحدة الفلسطينية إحياء ليومهم، فصائل وشخصيات وجمعيات غير حكومية ونقابات مهنية وعمالية واتحادات المرأة وجمعية حماية المستهلك وإعلاميون ومهندسون واطباء، جميعهم اجتمعوا تحت شعار (احياء يرزقون) بمبادرة من المجلس الاعلى للشباب والرياضة ليغرس كل فلسطيني حضر شجرةَ زيتون باسم شهيد قد يكون ابناً او زوجاً او أخاً او خالاً او عماً او ملهماً او رفيق برش او قدوةً او جاراً، انتشر الناس في مواقع احياء الذكرى وغرسوا اشجار الزيتون ووضعوا اسماء الشهداء عليها ووقفوا وأوصوا عمال البلدية ان يعطوا عينهم


حتماً ما نسينا ولن ننسى. صحيح أن لنا شهداء في مقابر الارقام، صحيح اننا بتنا احياناً نحصي الشهداء، ولكن هناك مظاهر نبيلة سجلها الشعب الفلسطيني، لجنة استرداد جثامين الشهداء لننهي ملف مقابر الارقام، ومبادرة من خلال توثيق سيرة الشهداء لننفي عنهم انهم ارقام بل هم قصة كانوا يعملون، كانوا يحلمون بزوجة أو مشروع ناجح أو اقتناء مركبة، ولكن هاجسهم الذي ميزهم عن الآخرين انهم حلموا بوطن حر فالتحموا مع الفكرة.


ما زلنا رغم ذلك نتعامل مع الشهداء دون عناية ودقة (اطلاق النار على شاب على الحاجز الاحتلالي الفلاني ومنع اسعاف الهلال من الوصول اليه) وتنتهي الحكايا وكأن هذا الشاب ليس ككل الناس ذاهباً لعمله عائداً من عمله، ويتكرر المشهد وتتكرر الرواية ذاتها ونضيف شهيداً آخر.


لكل شهيد حكاية حكاها كل من غرس شجرة باسم شهيد، منهم من غرس لشهيده، ومنهم من غرس لشهداء آخرين، ومنهم من وقف الى جانب اسرة شهيد تغرس شجرتهم ليسمع تفاصيل الحكاية، هناك من مازال يصر أن ابنه قد يكون من بين الاحياء لأن اخباره انقطعت بعد نزوله دورية عام 1971 الى أن اعلن تنظيمه عام 1978 عن استشهاده، ومنهم من يحكي عن استشهاده في انتفاضة النفق اسفل المسجد الاقصى عام 1996، ومن استشهد وهو يصر على غرس شجرة زيتون على ارض مهددة بالمصادرة الاستيطانية.


وبعضهم له حكاية، فمنهم من كان يحضر لزفافه، ومنهم من كان على مقاعد دراسة الماجستير، ومنهم من هو مهني مميز في السباكة واعمال الكهرباء، وآخر كان مهندساً مبدعاً، لم يكونوا بلا حلم وعمل وفكرة ووعي والتزام بحق شعبهم في الحرية والاستقلال وتقرير المصير واقامة الدولة، كانوا متيقنين أن الوحدة الوطنية صمام الأمان، لم يكونوا عاديين بل كانوا استثنائيين، والإثبات استمعوا لأسرهم عن تفاصيل حياتهم اليومية، كانوا يحنون على امهاتهم وآبائهم، يحرصون على تلبية احتياجات اخوتهم الأصغر سناً، اسمعوا للاخ الاصغر في عائلة الشهيد كيف يحكي حكايته بحب من زاويته، من زاوية تعامله الخاص معه بما يناسب عمره.


ودعونا نقف أمام تجربة فلسطينية فريدة تمثلت بتوثيق سيرة الشهداء «مائة شهيد ـ مائة حياة»، وكيف تم تجميع مقتنيات لأوائل الشهداء في الانتفاضة الثانية وعرضها في ارجاء العالم لإثبات أنهم كانوا اشخاصا استثنائيين يعملون وينتجون ويحبون الوطن، وليسوا عابرين أو غرباء عن ناسهم، وكان ذلك في بدايات تأسيس مركز خليل السكاكيني الثقافي في رام الله ، وجاءت هذه المبادرة كي تدفعنا أن نكف عن التعاطي مع الشهداء على انهم أرقام بل اشخاص لهم حكاية وحلم وطموح.


في إحياء يوم الشهيد كانت هناك ميزة يجب ان نجذرها ونبني عليها وتتمثل بحضور مؤسسات المجتمع الاهلي بكامل أطيافه ليثبتوا انهم هم روافع أي نشاط، وهم من يجسدونه على الارض، سواء الكشافة أو الشباب أو المرأة أو العمال، غاب هناك مشهد الحضور لإثبات الحضور بل برز مشهد الحضور لكشاف يحفر حفراً اضافية لغرس المزيد من الشجر، وآخر يرشد الناس، وآخر يوزع أسماء الشهداء، كل من جاء مؤمناً بالرسالة وهو عنصر فاعل في المشهد، نعلم أن هناك مؤسسات غير حكومية بقيت في مكاتبها لمتابعة مشروع توعوي هناك ممول لهم، أو اخرى تحشد تأييداً لها وتلتقط الصور، والبعض رأى أن هناك شيئاً اهم على الاجندة من يوم الشهيد، نحن نتحدث عن مؤسسات قاعدية ومؤسسات حاضرة بالفعل على الارض وليست نخبوية أو باحثة فقط عن التمويل، بل نتحدث عن مؤسسات من الناس والى الناس.


ويبقى الشهيد حاضراً بقوة ليست في الخطاب الحماسي، وليس في المفردات التطمينية بخصوصهم، بل يبقى حاضراً في الوعي الشعبي والفعل الشعبي الذي يشكل حاضنةً لاستمرار رعاية اسر الشهداء وتحصينها، خصوصاً ان مؤسسة رعاية اسر الشهداء هي الإطار الاول الذي تم إطلاقه في منظمة التحرير الفلسطينية منذ الستينات، ولا يعقل ان نفكر بالأمر في العام 2021.