في رحيله: مريد البرغوثي وقصيدة المقاومة

2021-02-21 15:16:17

في ٣٠ أيلول ٢٠٠٥ نشرت «الدستور» الأردنية حوارا أجراه مدني قصري مع مريد البرغوثي سأله فيه:

- ما سر اختفاء القصيدة المنبرية في شعرك؟

وكان جواب مريد:

- أنا بحثي عن شكل القصيدة لم يتوقف إلى الآن، ولا أظن أنه سيتوقف. لا يوجد شكل نهائي لكتابة الشعر. أنا باستمرار أبحث...أنا لا أكتب القصيدة الثورية لأني أحب لشعري أن يكون مؤثرا في القارئ، بينما القصيدة المنبرية لا تؤثر إلا ظاهريا وسطحيا وبشكل مؤقت، فالشعراء الذين يذهبون إلى هذه القصائد بحجة أنهم يريدون التأثير يفقدون هذا التأثير في النهاية، لأنه تأثير عابر ويقتصر على وقت الأمسية ليس إلا، وبالتالي فإن الأثر الباقي للشعر يأتي على مهل وبطء. كثير من الشعراء الذين كانوا ملء السمع والأبصار لا يشتري كتبهم أحد، الآن، لأن تأثيرهم انتهى فكأنها ملخصات لخطب سياسية فيها وزن وقافية. هذا لا يؤثر».

لم يذكر مريد في إجابته قصيدة المقاومة ولكنه ألمح إليها، فالقصائد المنبرية الشعارية هي ما شكلت شعر المقاومة بعد هزيمة حزيران ١٩٦٧ على الرغم من عدم تعريف مصطلح «أدب المقاومة» إلا من غالي شكري الذي أخرج منه أشعار درويش والقاسم وزياد ولم ير شاعر مقاومة إلا معين بسيسو وفدوى طوقان وكل من دعا إلى حمل السلاح من أجل التحرير، فأشعار الثلاثة الأوائل هي أشعار احتجاج لا شعر مقاومة.

لا يأتي مريد على تعريف المصطلح ويكتفي بالكتابة عن تأثير القصيدة طويل الأمد لا قصيره والشعر المنبري عابر وتأثيره كذلك، ولا أعرف إن كان في مقابلات أخرى أو في مقالات كتبها أبدى رأيا صريحا واضحا في الأمر.

تتطلب الإجابة عن السؤال السابق المزيد من الحفر والوقت.

يتبع السؤال السابق سؤال آخر هو:

- أيهما كان أكثر تأثيرا في القارئ: أشعار مريد الأولى أم التي كتبها بعد تغير مفهومه للشعر في رحلة بحثه عنه؟

للإجابة عن السؤال لا بد من سؤال دور النشر عن طبعات كتبه، ولا بد من متابعة أمسياته الشعرية كافة ومن تلقي أشعاره الأولى والأخيرة، وقد ينجز الأمر باحث متخصص أو طالب دراسات عليا.

رأي مريد لم يكن استثناء في الحركة الأدبية الفلسطينية منذ (أوسلو) بخاصة من الأدباء الذين عادوا بموجب الاتفاق، وهذا أمر لافت.

كان أكثر أدباء المقاومة يكتبون في الموضوعات الوطنية ويدعون إلى تحرير فلسطين، وغالبا ما انضووا تحت لواء فصائل مقاومة، فصار ما يكتبونه ويعبر عن أهداف الشعب الفلسطيني وطموحاته وتطلعاته وما يتماهى مع طروحات هذا الفصيل أو ذاك، صار هو أدب المقاومة، حتى لو لم يكن لهذا الأدب تعريف جامع مانع يعد

 مقياسا يقاس عليه، وحين سئل بعض الأدباء لاحقا، وهنا أخص محمود درويش، عن أدب المقاومة أجاب بأنه كان يكتب عن واقعه وأنه لم يفكر في المصطلح الذي أطلقه غسان كنفاني عليه وعلى شعراء الأرض المحتلة.

في الفترة التي سبقت حوار مريد، قال محمود درويش ومحمود شقير كلاما مشابها، فكيف نظرا إلى أدب المقاومة؟

يعثر الباحث في عددي مجلة «الكرمل» ٨٣ ربيع ٢٠٠٥ و٨٥ خريف ٢٠٠٥ على رأيين لشقير ولدرويش يبديان فيهما رأييهما في كتابتهما السابقة وفي كتابتهما الجديدة.

يكتب شقير:

«لم أعد معنيا بتكريس القصة القصيرة لأداء مهمة سياسية مباشرة، استجابة لذلك الفهم السطحي لوظيفة الأدب، باعتباره عنصرا فاعلا في المعركة! ولم أعد معنيا بسرد معضلات الواقع المباشرة التي يمكن أن ينهض بها تقرير صحافي، أو جولة لكاميرا التلفزيون».

ويكتب درويش:

«ليس صحيحا أنه ليس من حق الشاعر الفلسطيني أن يجلس على تلة ويتأمل الغروب، وأن يصغي إلى نداء الجسد أو الناي البعيد.... وليس الفلسطيني مهنة أو شعارا، إنه في المقام الأول، كائن بشري.. إن استيعاب الشعر لقوة الحياة البديهية هو فعل مقاومة، فلماذا نتهم الشعر بالردة إذا ما تطلع إلى ما فينا من جماليات حسية وحرية خيال وقاوم البشاعة بالجمال؟ إن الجمال حرية والحرية جمال. وهكذا يكون الشعر المدافع عن الحياة شكلا من أشكال المقاومة النوعية».

الكتابة تطول والمساحة محدودة.