أيها الناخبون: تحسّسوا “مآثر” مرشحيكم جيداً.. سيرتهم حقّ لكم

2021-04-04 18:00:32

يحكى أن فلسطينياً يعيش في بلاد الغربة ذهب ليشتري بطيخة من إحدى الأسواق، وكالعادة، بدأ يطبطب على البطيخة حتى اختار واحدة، فرأته امرأة أجنبية من تلك البلاد، وسألته: لماذا تطبطب على البطيخة؟ فقال لها: حتى أختار واحدة حمراء وحلوة ومحتواها المائي كثير، فنحن من عاداتنا أن نطبطب على البطيخ قبل أن نشتريه.
سألته: هل يمكن تطبطب لي على بطيخة وتختارها لي؟ فرِح بطلبها وأحس أنه خبير في البطيخ، وبدأ يطبطب على أكوام البطيخ واحدة واحدة، حتى اختار لها بطيخة. شكرته السيدة وطلبت منه التعرف على جنسيته. رد مفتخراً: أنا فلسطيني. ابتسمت وقالت: “يا ريت تطبطبوا جيداً على رؤوس مرشحيكم جيداً قبل انتخابهم”.
نعم، إنها نصيحة من ذهب، وهي فرصة لقصّ أثر كل مرشح لعضوية المجلس التشريعي، فالسيرة الذاتية وتاريخ كل مرشح من المسجلين رسمياً على قوائم الترشيح هي ملك للناس الآن، وليست ملكاً شخصياً للمرشح، كل سيرتهم ملك لكم إلا تلك المتعلقة بحياتهم الخاصة، ولا علاقة لها بالشأن العام والوظيفة التي سيقومون به، والباقي لكم الحق في الاطلاع عليه وإشراك الآخرين به.
افي إحدى القصص المشهورة التي تدرس لطلبة الإعلام في الولايات المتحدة، اكتشف أحد الصحفيين أن أحد المرشحين لمنصب عمدة إحدى البلديات كانت قد أدانته المحكمة قبل 15 سنة بتهمة التحرش بطفل، والآن يمارس حياته بشكل طبيعي. سأل الصحفي نفسه: ما هو دوري الآن بعد أن علمت القصة؟ هل أصمت؟ أم من حق الجمهور أن يعلم تاريخ الرجل الذي سينتخبه؟.. في النهاية، قرر الصحفي أن من حق الجمهور أن يعلم تاريخ هذا المرشح ما داموا سيقررون بشأن انتخابه.
نعم صحيح.. ليس مطلوباً -كما يروّج البعض- أن ننتخب فقط بناء على البرنامج الانتخابي، بل علينا أن ننتخب بناء على السيرة الذاتية للشخص المرشح، التي أصبحت منذ إعلان ترشيحه وإلى يوم الاقتراع ملكاً عاماً لنفحص قدرته على تنفيذ البرنامج الانتخابي.. هذه هي الحقيقة. وإن كان ما أقوله ليس صحيحاً أو يخالف أي مبدأ من مبادئ حقوق الإنسان والقانون، فلتخرج إلينا الجمعيات والجهات القانونية ولجنة الانتخابات، وتعلن عكس ذلك.
بل أضيف أن مؤسسات حقوق الإنسان عليها مسؤولية كبيرة، إذ عليها أن تراجع سجل المرشحين واحداً واحداً، وأن تفحص إن كان أي من المرشحين أو المرشحات يملك سجلاً أسود في انتهاك حقوق الإنسان وتلقت حوله شكاوى من ضحايا، كاعتقال تعسفي أو اعتقال على ذمة المحافظ، أو اتهامات بممارسة التعذيب، أو أية ممارسة أخرى. عليها أن تكون على مستوى المسؤولية، وأن تعلن بجرأة مَن سجله الحقوقي أسود، وإن ملكت هذه المعلومات وأخفتها، تكون قد خانت الأمانة التي تعمل بموجبها، ووجبت عليها المساءلة غداً تحت قبة البرلمان.
على المؤسسات النسوية أن تتوقف قليلاً عن برامجها التقليدية. عليها أن تجري بحثاً ميدانياً دقيقاً في سجل 1000 مرشحة ومرشح لعضوية المجلس التشريعي وتبحث في تاريخهم وموقفهم من حقوق النساء. عليها أن تكشف إن كان بينهم من لوحق يوماً بتهمة ممارسة العنف أو العنف الجنسي ضد النساء، أو لوحق قضائياً لرفضه تطبيق القانون والشرع في الميراث، أو امتنع عن تنفيذ حكم نفقة بحق زوجة أو مطلقة أو طفل، أو أن سلوكه العام لا ينم عن احترامه لأبسط حقوق النساء التي لا يوجد حولها خلاف حقوقي ولا ديني ولا قانوني.
الصحفيات والصحفيون، لسنا بحاجة إلى مقابلاتكم الصحفية وساعات الأثير الطويلة التي تحجزونها لتستضيفوا لنا رؤساء وأعضاء القوائم الانتخابية للحديث عن برامجهم الانتخابية وكيف سيطبقونها. هذه اسمها دعاية انتخابية مدفوعة الثمن، وليست برامج مساءلة إعلامية. عليكم أن تحضروا السيرة الذاتية لكل مرشح من المرشحين، وأن تكشفوا لنا تاريخه بالكامل في الحياة العامة، خبراته، نجاحاته، فشله، النقاط السوداء في تاريخه والنقاط البيضاء، واجهوهم بأسئلتكم بجرأة وشدة، ودعوا الناس ترى بأعينها الحقيقة.
هل تعلمون ماذا يعني “قررت الترشح؟”، إنه يعني أن المرشح أراد أن يعلمكم أنه الآن أصبح جاهزاً للتحول من شخص خاص كان يتمتع بحماية قانونية لحياته الشخصية والعملية باعتبارها ملكاً خاصا له، إلى شخص عام تنازل عن هذا الحق لصالح العامة، ويمنحكم هذا الحق تناول سيرته الذاتية فصلاً فصلاً لتقرروا أنتم إن كان ملائماً ليكون ممثلكم في المجلس التشريعي أم لا، فاحترموا إعلانه ورغبته، واستجيبوا لطلبه، وعاملوه بصفة الشخص العام، فقد استحق الصفة بعد إعلانه بجدارة.
لا شك أن ستسمعون تهديدات قانونية أو عشائرية من بعض المرشحين، سيهددونكم باللجوء إلى المحاكم على خلفية ما ستنشرون، لكنها تهديدات فارغة المضمون، وتعود على مطلقها بالضرر، وإصدارُها من قبل أي مرشح، حتى قبل وصوله إلى قبة البرلمان، يعني أنه أصلاً غير جاهز للمساءلة، فكيف سنفوضه عنا ليسائل حكومة أو مؤسسات دولة عميقة؟ من يريد أن يكون شخصاً عاماً ويتولى صفة نائب في التشريعي، عليه أن يعلم أنه سيعيش على مدار أربع سنوات قادمة في قلب عاصفة المساءلة والملاحقة والمكاشفة، حتى لو تمتع بحصانة عضو البرلمان. لذا، أنصح جمعيات الدفاع عن حرية التعبير بإنشاء سجل أسود يرصد عليه اسم كل مرشح أو مسؤول يطلق تهديدات ضد من يبدون آراءهم أو يتناولون سيرة المرشح المهنية، وأن ينشر هذا السجل على العلن، حتى نميز بين الغث والسمين، فبين ظهرانينا، هناك من ما زال يعتقد أن بمقدوره التصرف بمواردنا ومصائرنا، وإن انتقدنا أداءه المهني، اتهمنا بمس كرامته الشخصية، لا كرامة لشخص عام ما دام النقد الحاد الموجه إليه يتعلق بأداء وظيفته، وليس بأسرته أو حياته الخاصة التي لا علاقة لها بعمله، ومحاكمنا الفلسطينية أصبحت تعج بقرارات محاكم من هذا القبيل.
الترشح لعضوية المجلس التشريعي ليست نزهة ولا مكانةً اجتماعية، وليست هيبة شخصية، إنها تحدٍّ شخصي ومهني وتاريخي، لا يوجد تحدٍّ يماثله في أي وظيفة أخرى، ليست مهمة فقط شهادته وخبرته التي تؤهله لأهم وظيفة في التاريخ، بل استخدامه اليومي لهذه الخبرة والتاريخ.
لا تنسوا أن الفساد هو أهم القضايا الحساسة في المزاج الفلسطيني، والمرشح يجب أن يكون جاهزاً لإثبات حسن سيرته، خاصة من قدِموا من القطاع العام إلى حلبة التنافس على عضوية المجلس التشريعي، فللجمهور حق معرفة أوضاعهم الاقتصادية، ومقدار رواتبهم ليس ملكاً شخصيّاً لهم أو معلومة خاصة بهم فقط، ومعرفة مشاريعهم التجارية التي نمت أثناء تقلدهم وظائف عامة حق للعامة. إنهم مطالبون أمام وسائل الإعلام بأن يكشفوا لنا من أين لهم هذا؟ كيف ملكوا هذه الفلل والقصور والشركات والأسهم؟ وبالتالي، سيمكّننا ذلك من انتخاب نماذج بيضاء في مكافحة الفساد.
جزء من المرشحين عملوا جيداً في الحياة العامة، وجزء لا يعلمون معنى كلمة الحياة العامة، هذا ليس مهماً، والجمهور هو من يقرر لمن يصوت بعد أن يعرف حقيقة كل مرشح.
فقط أريد أن أوصيكم خيراً بمن كانوا جزءاً من الحياة العامة، هؤلاء يجب أن يخضع كل تاريخهم للتدقيق والمساءلة، لقد خاضوا التجربة من قبل، وأتيحت لهم فرصة خدمتكم من قبل. ابحثوا كيف كان سجلهم في الحياة العامة عندما كانوا رؤساء وزراء أو ووزراء أو أعضاء لجنة مركزية أو مكاتب سياسية أو محافظين أو نواباً سابقين أو أية وظيفة عامة؟ ماذا قدموا لنا من قبل؟ وماذا يمكنهم أن يقدموا لنا لاحقاً؟ كيف تصرفوا في المال العام حين كانوا في موقع صنع القرار؟ هل حول أي منهم شبهة فساد؟ هل أساءوا استخدام السلطة؟ هل حصلوا على منافع بحكم وظائفهم؟ هل كانوا سبباً في إغراقنا في سياسات دمرت اقتصادنا وجيوبنا، أم رسموا سياسات عادلة. ابحثوا جيداً في تاريخهم منذ توليهم مناصبهم السابقة إلى صبيحة يوم الانتخابات، وأعلِمونا بكل ما توصلتم إليه، فهذا حق لمليونين ونصف المليون ناخب.
أجزم أن لكل فئات المجتمع حق البحث في سجل وتاريخ المرشحين أفراداً وقوائم، إلا جهة واحدة عليها أن تتوقف فوراً إن كانت تفعل ذلك. إنها الأجهزة الأمنية، التي لا حق لها في أن تبحث في السيرة الذاتية لأي شخص، بل إن نشر أية معلومة حول أي مرشح تم الحصول عليها بحكم الوظيفة يعتبر جريمة، جريمة مس بالخصوصية وجريمة إفشاء معلومات سرية. إن مهمتهم أن يبقوا على الحياد، وأن يقفوا على مسافة واحدة من كل المرشحين. واعلموا أن من يتجاوز القانون بحجة ملك السلطة والنفوذ، لا تسقط جريمته بالتقادم.
هذه فقط بعض النصائح وليست كلها، نصائح أعرف أنها قاسية، لكنها قانونية وأخلاقية، تضمن لنا إرساء أسس المساءلة المنظمة وتضعف فرص التشهير والتلاعب بآراء الجمهور من جهات مخفية، ولا تتعارض إطلاقاً مع فكرة الالتزام بوثيقة الشرف بين المرشحين والقوائم، بل تكملها، فوثيقة الشرف أولى أن تضمن عدم لجوء أي شخص من المرشحين إلى العشيرة أو الحزب أو أخذ القانون باليد تجاه أي شخص يتناول سيرة المرشح. وعلى المرشحين والقوائم أن يقدموا للناس المعلومات المطلوبة بيسر وسهولية، فالشفافية والنزاهة هي أحد أهم شروط اختيار عضو البرلمان.
أعلم أن عدد القوائم أكثر من ثلاثين، وأدرك أن عدد المرشحات والمرشحين أكثر من ألف، لكني أدرك أن محل المساءلة هو كل عضو من أعضاء القائمة وليس رئيسها فقط، وليس غريباً أن يودي الرقم 132 في القائمة بصلاحية قائمة بأكملها كونه عضواً فيها.
دعوني أقول إننا جميعاً أمام مهمة كبيرة، وهي ضمان ألا يرتكب أي شخص جريمة انتخابية مما نص عليها عليها قانون الانتخابات. بلغوا النيابة أو لجنة الانتخابات عن كل جريمة انتخابية ترتكب، مثل شخص استعمل حقه في الاقتراع أكثر من مرة واحدة، أو حمل سلاحاً ناريّاً أو أي أداة أخرى وشكل بحمله خطراً على الأمن والسلامة العامة في أي مركز من مراكز الاقتراع، أو أي تأثير على حرية الناخبين في ممارسة حقهم، أو إعاقة العمليات الانتخابية بأي صورة من الصور، أو حمل أي ناخب بأي صورة من الصور على الإفصاح عن اسم أو أسماء المرشحين الذي أو الذين اقترع لصالحهم، أو الكشف عن محتويات ورقة الاقتراع التي اقترع بموجبها، أو في حال أعطى شخص أو قائمة ناخباً مباشرة أو بصورة غير مباشرة نقوداً أو أقرضه أو عرض عليه أو تعهد بأن يعطيه نقوداً أو منفعة أو أي مقابل آخر من أجل حمله على الاقتراع على وجه خاص أو الامتناع عن الاقتراع، أو قبل أو طلب مباشرة أو بصورة غير مباشرة نقوداً أو قرضاً أو منفعة أو أي مقابل آخر سواء لنفسه أو لغيره بقصد أن يقترع على وجه خاص أو يمتنع عن الاقتراع أو ليؤثر في غيره للاقتراع أو الامتناع عن الاقتراع.
المطلوب هو الحقيقة المثبتة وبالوثائق، ملككم للحقيقة يحميكم من الملاحقة القانونية، كل المرشحات والمرشحين اكتسبوا الآن صفة الشخص العام وسقطت عنهم حماية صفة الخاص، فهم وسيرتهم الذاتية وتاريخهم أصبحوا تحت تصرفكم، وقانون العقوبات -لمن لا يعلم- يعفي الذام والقادح تجاه الشخص العام من عقوبة الذم والقدح إن تمكن الذام من إثبات صحة المعلومات للمحكمة.
إنني على ثقة أن من رضي السير في قواعد العمل، فعليه القبول بنتائجها، وقواعد اللعبة هذه المرة مختلفة، والجمهور يعرف حقه، حاجز الخوف سقط، وفي كل الأحوال، نحن متعطشون للمساءلة، وهو حق حُرمنا منه منذ ستة عشر عاماً، وحظ المرشحات والمرشحين في القوائم المختلفة ساقهم إلى أن يكونوا وجبات المساءلة الأولى، والمساءلة ليست للأفراد وحسب، وبل وللقوائم والأحزاب التي أفرزت هذه القوائم. ومن يريد أن يبقى إرثه الشخصي محمياً عن عيون العاصفة، فعليه أن يسارع فوراً للانسحاب من قائمته، أو ليعلن تخليه عن التنافس الانتخابي على العلن، حينها، ليس لنا حق في سجله وماضيه.