اسرائيل .. ما بين العنصريّة وحقوق الانسان

2021-05-04 11:33:07

يشهد العالم تحولاً في المصطلحات والتعريفات القانونية التي تتعلق باسرائيل، لقد نجحت جهود منظمات حقوق الانسان الدولية أن تحول انتباه العالم من فكرة أن اسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في المنطقة الى حقيقة أنها دولة الاضطهاد والفصل العنصري الوحيدة.

على أرض الواقع وبينما يشهد الفلسطيني وطأة النظام الاستعماري الكولونيالي والكثير من أشكال الظلم ومصادرة الاراضي والقهر، تمكنت منظمة هيومن رايتس واتش التي تُعنى بتوثيق انتهاكات حقوق الانسان من إثبات جريمتي الاضطهاد والفصل العنصري في اسرائيل. وأتى ذلك في تقرير دولي خرج بتاريخ ٢٠٢١/٤/٢٧ تناول وضع حقوق الانسان في المنطقة بين نهر الاردن والبحر المتوسط تحت ظل سلطة واحدة متمثلة بالحكومة الاسرائيلية، حيث تسكن مجموعتان متساويتان في الحجم، وأثبت التقرير أن هذه السلطة تمنح امتيازات لليهود الإسرائيليين بينما تقمع الفلسطينيين بشكل ممنهج. التقرير صدر في 187 صفحة، بعنوان "تجاوزوا الحدود: السلطات الاسرائيلية وجريمتا الفصل العنصري والاضطهاد".

أثبت التقرير جريمة الفصل العنصري "أبارتهايد" في القانون الدولي حسب "الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها" لسنة 1973 و"نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية" لسنة 1998 اللذان يُعرِّفان الفصل العنصري باعتباره جريمة ضد الإنسانية تتكون من ثلاثة عناصر أساسية:

نية إبقاء هيمنة جماعة عرقية على أخرى.

سياق من القمع الممنهج من الجماعة المهيمنة ضد الجماعة المهمشة.

الأفعال اللاإنسانية.

أما بالنسبة للجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الاضطهاد، كما يعرّفها نظام روما الأساسي والقانون الدولي العرفي، تتكون من الحرمان الشديد من الحقوق الأساسية لمجموعة عرقية، أو إثنية، أو غيرها بقصد تمييزي.

خلص تقرير هيومن رايتس ووتش أن عناصر الجريمتين تجتمع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كجزء من سياسة حكومية إسرائيلية واحدة، تتمثل في الإبقاء على هيمنة الإسرائيليين اليهود على الفلسطينيين في جميع أنحاء إسرائيل والأراضي المحتلة. تقترن في الأراضي المحتلة بقمع ممنهج وأعمال لاإنسانية ضد الفلسطينيين.

أثبت التقرير أن التمييز من قبل الحكومة الاسرائيلية مؤسساتي والقمع ممنهج، فالسلطات الإسرائيلية ارتكبت/تركب مجموعة من الانتهاكات ضد الفلسطينيين مما يشكل خرقا جسيما للحقوق الأساسية وأعمالا لاإنسانية وهي شروط لتحقُّق الفصل العنصري وتشمل هذه الانتهاكات: فرض السلطات الاسرائيلية حكما عسكريا شديد القسوة على الفلسطينيين، بينما تفرض قانونا مدنيا على الإسرائيليين اليهود الذين يعيشون بشكل منفصل في نفس المنطقة ويتمتعون بحقوقهم الكاملة. اضافة الى القيود المشددة على التنقل المتمثلة في إغلاق غزة ونظام التصاريح؛ ومصادرة أكثر من ثلث أراضي الضفة الغربية؛ والظروف القاسية في أجزاء من الضفة الغربية التي أدت إلى الترحيل القسري لآلاف الفلسطينيين من ديارهم؛ وحرمان مئات آلاف الفلسطينيين وأقاربهم من حق الإقامة؛ وتعليق الحقوق المدنية الأساسية لملايين الفلسطينيين؛ رفض منح الفلسطينيين تصاريح بناء وهدم آلاف المنازل بحجة غياب التصاريح؛ وتجميد سجل السكان الذي تديره في الأراضي المحتلة؛ ومنع لم شمل العائلات الفلسطينية ومنع سكان غزة من العيش في الضفة الغربية؛ زيادة الأراضي المتاحة للبلدات اليهودية وتركيز معظم الفلسطينيين في مراكز سكانية مكتظة للتخفيف من "تهديد" ديموغرافي من الفلسطينيين؛ واستناداً لقانون القومية اليهودي عام 2018 الذي ينص على أن إسرائيل "دولة قومية للشعب اليهودي"، وقوانين تمنح المزيد من الامتيازات للمستوطنين الإسرائيليين والكثير من تصريحات السلطات الإسرائيلية والإجراءات التي تؤكد نيتها في الإبقاء على هيمنة اليهود.

كل هذه الانتهاكات تأتي بذريعة الأمن، وتكرار الانتهاكات جعلها ترتقي لمرتبة الجرائم. السلطات الاسرائيلية ماضية في حرمان ملايين الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية فقط لكونهم فلسطينيين وليس يهود.

طالب التقرير السلطات الإسرائيلية إنهاء جميع أشكال القمع والتمييز التي تمنح امتيازا لليهود الإسرائيليين على حساب الفلسطينيين، بما في ذلك حرية التنقل، وتخصيص الأراضي والموارد، والحصول على المياه والكهرباء وتصاريح البناء وغيرها من الخدمات...

طالب التقرير مكتب الادعاء في "المحكمة الجنائية الدولية" التحقيق مع الضالعين بشكل موثوق في الجريمتَين ضد الإنسانية المتمثلتين في الفصل العنصري والاضطهاد ومقاضاتهم.

طالب التقرير الدول الأخرى أن تحقق بذلك وفقا لقوانينها المحلية بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية، وأن تفرض عقوبات فردية على المسؤولين عن هاتين الجريمتين مثل حظر السفر وتجميد الأصول.

طالب التقرير بتشكيل لجنة تحقيق تابعة لـ "الأمم المتحدة" للتحقيق في التمييز والقمع الممنهجين في إسرائيل وفلسطين، واستحداث منصب مبعوث عالمي تابع للأمم المتحدة لجريمتَي الاضطهاد والفصل العنصري، مع تفويض لحشد الإجراءات الدولية لإنهاء هاتين الجريمتين في جميع أنحاء العالم.

طالب التقرير أن تفرض دول العالم شروطا تربط بيع الأسلحة والمساعدات العسكرية والأمنية لإسرائيل باتخاذ السلطات الإسرائيلية خطوات ملموسة باتجاه إنهاء ارتكابها هاتين الجريمتين. حيث أثبت التقرير أن هذه الأنشطة والتمويل تسهّل هذه الجرائم الخطيرة.

طالب التقرير المجتمع الدولي لإعادة تقييم طبيعة عمله في إسرائيل وفلسطين واعتماد نهج يركز على حقوق الإنسان والمساءلة بدل أن يقتصر الحديث على"عملية السلام" المتوقفة.

بالرغم من جدلية السياسة والقانون، وبالرغم من حقيقة أن النظام العالمي ما زال أسيراً لقوة السياسة على حساب القانون والاخلاق، وبالرغم من الإحباط الفلسطيني حول قوة القانون في إحقاق الحقوق الفلسطينية، على الفلسطينيين استغلال هذا التقرير القانوني الهام من خلال البناء على الرواية الفلسطينية وعدم الاكتفاء بالحديث فقط عن انهاء الاحتلال وعن حل الدولتين وعملية السلام، يجب تبني مصطلحات قانونية جديدة مرتبطة بالحقوق (فصل عنصري، اضطهاد، جرائم، حقوق الانسان) في وصف العلاقة مع الاسرائيليين، يتوجب على الفلسطينين تبني خطاب حقوق الانسان بغض النظر عن شكل الحل السياسي.

- د. دلال عريقات: استاذة الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الامريكية.