حول خطة تعزيز الرواية الفلسطينية

2021-08-01 07:43:21

صادق مجلس الوزراء الفلسطيني في جلسته الأسبوعية التي إنعقدت بمقر رئاسة الوزراء في مدينة رام الله يوم الإثنين الموافق 26/7/2021، على خطة تعزيز الرواية الفلسطينية، وكان مجلس الوزراء قد قرر في جلسته رقم (95) التي إنعقدت بتاريخ 15/2/2021 تكليف لجنة وزارية وفنية لإعداد وتنفيذ خطة في هذا الشأن.

في الواقع تعتبر الحكومة الفلسطينية الحالية هي الجهة الفلسطينية الرسمية الأولى التي تضع الرواية الفلسطينية على جدول أعمالها وتبادر الى إعداد وتطوير خطة لتعزيزها، لا سيما وأن الرواية تشكل حجر الزاوية التي يدور حولها الصراع بين الفلسطينيين والحركة الصهيونية وشركائها من القوى الإستعمارية الكبرى حول فلسطين، الأمر الذي فيما يُحسب لهذه الحكومة، إلا أنه يجعل من المشروع التساؤل، هل بدأت الرسمية الفلسطينية عملياً مرحلة الخروج بأقل التكاليف على مسيرة تصفية القضية الفلسطينية بعد أن بات واضحاً أن إسرائيل إنما توظف مسيرة التسوية السياسية للصراع لهذه الغاية؟

وفي هذا الشأن يرى البعض من الفلسطينيين وهم محقين في رؤيتهم هذه، أن فكرة الخروج على الوضع القائم لا تستوي مع بعض من تسللوا لصفوف الأولى من الجهة الرسمية والذين تتطلب مصالحهم الإبقاء على الوضع القائم، مما يعني أن خطة تعزيز الرواية قد تكون ليست أكثر من مسار جديد للترزق والترقي، وأن فكرة الخروج على ما هو قائم ليست أكثر من شهوة وتلاعب بالألفاظ والمشاعر.

بالمقابل تجادل هذه المقالة أنه حتى وإن غاب قصد الخروج على الوضع القائم عن مقاصد التفكير الرسمي، فإن المبادرة لتطوير ثم البدء بتنفيذ خطة تعزيز الرواية تؤسس لإستراتيجية خروج على الوضع القائم، وعكس للإتجاه وقطع للطريق أمام إسرائيل وغاياتها الإستعمارية، لا سيما وأن الرواية تتعلق بوطن إسمه فلسطين ولا تتعلق بجزء من الوطن مهما كان هذا الجزء عزيزاً وغالياً، وتتعلق بشعب هو الشعب الفلسطيني لا بجزء من الشعب الذي لا زال يعيش في الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة، علاوة على أنها أي الرواية تمثل الدافع والمحرك لزحف الفلسطينيين نحو المستقبل المنشود دون إحتلال وإستعمار وإضطهاد وعنصرية.

وكان الشاعر الفلسطيني العظيم محمود درويش قد عبر عن هذه المعنى وهذه الوظيفة للرواية ابلغ تعبير في رثائه للمفكر الفلسطيني البارز إدوارد سعيد خاصة وأن لإثنيهما مع غيرهم من الفلسطينيين البصمة ربما الأوسع في صيانة الرواية الفلسطينية ومنعها من الإندثار والتلاشي، والأهم في دحض وإماطة اللثام عن كذب الرواية الصهيونية حين قال: "حين إلتقيت إدوارد في نيويورك قبل ثلاين عاماً قال كلانا: إذا كان ماضينا تجربة، فاجعل الغد معنى ورؤية، لنذهب إلى غدنا واثقين بصدق الخيال ومعجزة الشعب"، الأمر الذي يعني أن خطة تعزيز الرواية الفلسطينية إن لم تكن جزء من إستراتيجية وطنية فلسطينية جامعة ستظل محدودة الأثر في هذا الصراع الطويل والمعقد مع الحركة الصهيونية وشركائها من الغرب والشرق.

تجدر الإشارة هنا إلى أن الحرب بين الحركة الوطنية الفلسطينية والفلسطينيين عموماً وبين الحركة الصهيونية وشركائها تدور في أكثر من جبهة، ولعل أهمها على الإطلاق وأكثرها ضراوة وشراسة هي جبهة المواجهة بين الروايات.

حيث تتميز هذه الجبهة عن غيرها من الجبهات في ديمومتها  وعدم خضوعها لشروط المواجهة على صعيد الجبهات الأخرى، إذ لا تعرف الهدنة فهي متواصلة منذ بداية الغزو الصهيوني لفلسطين، كما أن ساحاتها متعددة داخلية وخارجية ولا تجري على ساحة بعينها فقط، علاوة على أن أسلحتها مختلفة وجنودها مختلفين، والأهم من ذلك كله أن مكنوناتها هي الناظم والباعث للمواجهة وجنودها على صعيد الجبهات الأخرى، لا سيما في هذه اللحظة من الزمن التي يشهد فيها الرأي العام العالمي خاصة الرأي العام الأمريكي الداعم الأكبر والأهم للرواية الإسرائيلية، تراجعا ملحوظاً وملموساً، إذ تنهار يوما بعد يوم الأسس التي تقوم عليها الرواية الصهيونية في وعيه وإدراكه، ويشهد بالمقابل قبولاً وصعوداً وقيامة للرواية الفلسطينية.

وعلى ضوء ذلك فلا مبالغة بالقول أننا نشهد الآن مرحلة تتصدر فيها المواجهة بين الروايات، او (حرب الأفكار) كما وصفها عالمي السياسة والعلاقات الدولية الأمريكيين (ستيفن والت وجون ميرشايمر) في دراستهم المشهورة التي وُسمت بعنوان (اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية) والمنشورة العام 2006، كل المواجهات بما في ذلك المواجهة على صعيد الجبهة العسكرية.

وفي سجاله المؤيد لما تضمنته هذه الدراسة وخلال محاضرة له في ذكرى هشام شرابي في مركز فلسطين-واشنطن بتاريخ 29 نيسان/أبريل 2012 بعنوان مستقبل فلسطين: يهود صالحون مقابل أفريكانيين جدد، نشرت ترجمة لها مجلة المستقبل العربي قال أحد مؤلفي الدراسة جون ميرشايمر أن الفلسطينيين والإسرائيليين الآن منخرطون في حرب أفكار أو بعبارة أدق في حرب تدور حول روايتين ورؤيتين، تتمثل إحداهما في إسرائيل كبرى عنصرية، وتتمثل الأخرى في فلسطين كبرى ديمقراطية، وأضاف ميرشايمر أن لا جدال في أن النصر للفلسطينيين حيث من المستحيل الترويج للتمييز العنصري في العالم الحديث.

وفي ذات الشأن قدم ميرشايمر جملة من النصائح للفلسطينيين لعل أهمها دعوته للفلسطينيين صياغة وتنظيم روايتهم بالإستناد إلى حقائق مقنعة ضد الرواية الصهيونية القائمة على التمييز العنصري وفي نفس الوقت إعداد مجموعات رصينة من المتحدثين الفصحاء المؤهلين للإتصال بجماهير غربية، وتضيف هذه المقالة جماهير عربية خاصة بعد إنزياح بعض الأنظمة العربية لصالح الرواية الصهيونية مؤخراً،  ومن المؤكد أن كثيرين من أفضل حلفائهم سيكونون من اليهود الصالحين، لا سيما الشباب منهم ذوي الدور الأساسي في الكفاح ضد التمييز العنصري الإسرائيلي.

وأرى في هذه المقالة أن الإستنتاج الرئيس الذي خلص اليه والت وميرشايمر في دراستهم المشار اليها سابقا قد أصبح واقعاً ملموساً بعد عقد من نشرهم لهذه الدراسة، فإسرائيل الآن قد أصبحت عبئاً على المجتمع الدولي لا سيما على المصالح الوطنية للولايات المتحدة الأمريكية، وفوق ذلك فقد إنكشف كذب وزيف الأسس التي تقوم عليها الرواية الإسرائيلية، وأنها أي إسرائيل هي دولة ابارتايد وتمييز عنصري وأبعد ما تكون عن الديمقراطية وقيمها، الأمر الذي تظهره التقارير الصادرة عن المؤسسات الدولية والإسرائيلية المتخصصة كمؤسسة هيومن رايتس وتش الدولية، ومؤسسة بيتسيلم الإسرائيلية، وتؤكده نتائج المسوح وإستطلاعات الرأي التي تنفذ من قبل مؤسسات أمريكية وكندية وبريطانية كل أسبوع تقريباً، لا سيما في أوساط الجاليات اليهودية في هذه الدول، كما أرى ان هنا تكمن أهمية خطة تعزيز الرواية الفلسطينية وتنفيذها.

وفي الختام فهذه المقالة هي مجرد تحليل لما أعلنته الحكومة حول خطة تعزيز الرواية الفلسطينية، آمل أن يكون نصيبها من الصواب أكبر من نصيبها من الخطأ.