عظائم زلزال سوريا وتركيا كشفت صغرهم وصفرهم الأخلاقي!!

2023-02-09 08:17:21

 سيشهد الناجون (الصغار والكبار) من الزلزال التاريخي ليس على التغيير في الطبيعة والجغرافيا والدمار والموت في مئات المدن والقرى التي خلفها زلزال سوريا وتركيا وحسب، بل على فظاعة سياسة المخادعة التي مارستها دول تسمي نفسها كبرى وحامية لحقوق الإنسان حيا أو جريحا أو ميتا، سيكونون أحياءً شهداء على جسور جوية حملت آلة الحرب والدمار والقتل بسرعة البرق وزجتها في مواقع صراعات دموية بغية حصاد النتائج والمكاسب، وانكسار هذه الجسور عندما تطلبت اللحظة إثر زلزال تاريخي مدمر وسيلة إنقاذ، وخيمة للإيواء، وجرعة دواء، وإغاثة إنسانية سريعة على مستوى فرق ذات تجربة وخبراء.

سيكون الشهداء على إعجاز (الرحمن الرحيم) الذي حماهم من حمأة الموت الكارثي، وشهداء في كتب ومنصات الإنسانية على سادة وقادة ودول كبرى وحكومات لم تبخل عليهم بشيء لإلقاء ذويهم في رحى الحروب الدموية المميتة، وعلى تنصل هؤلاء (الصغار) أمام ضخامة الكارثة وحجمها من مسؤوليتهم ! وكيف راحوا يكيلون بمعيار المواقف السياسية، وكيف أمعنوا بضرب الإنسانية بمقتل أكثر من أي فعل سابق في سجلاتهم السوداء، وكيف أسقطوا بأيديهم أقنعتهم، وقطعوا ألسنتهم الكاذبة الناطقة بالحقوق الإنسانية والحريات، ومقولات العدالة والمساواة.

تقضي مبادئ المؤمنين بالإنسانية حقا إزاحة كل الخطوط الحمراء السياسية، والمواقف السالفة عندما يتعلق الأمر بحياة ومصائر الملايين من أمة الإنسان، وتقضي بالترفع عن الخلافات والصراعات وفتح الممرات وتوسعة سبل الاتصال والتواصل من أجل إنقاذ ما أمكن من الأرواح، أما المعيار فهو قول الشاعر أبو الطيب المتنبي "عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ * وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ..." وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها * وَتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظائِمُ".

لقد كان لقرار رئيس الشعب الفلسطيني محمود عباس أبو مازن رئيس دولة فلسطين المحتلة بإرسال بعثة طبية (87) طبيبا إلى الشقيقة سوريا بمثابة البلسم على نفوسنا المجروحة ألما على عشرات آلاف الضحايا والمصابين والملايين المهجرين بفعل كارثة الزلزال من أشقائنا العرب السوريين والفلسطينيين وأصدقائنا من الشعب التركي، أطباء وطواقم إسعاف وإنقاذ فلسطينيين إلى سوريا وتركيا رغم الخطر الدائم والقائم كل لحظة من منظومة العدوان الصهيوني الاحتلالي الاستعماري العنصري، وخطر الكارثة الطبيعية المتوقع حدوثها أيضا في فلسطين.. فالأصل أن الإنسانية ثقافة وليست موقفا أو رأيا، تنتصر للحياة بدون تمييز بين إنسان وآخر في الحق بالحياة، ونيل يد المساعدة في اللحظة الفارقة ما بين الحياة والموت، وهذا مبدأ ساري المفعول حتى في الحروب التي نعلم أنها من صناعة المتضخمين بالقوة المادية والمسلحة والاقتصادية، الفارغين من قيم الأخلاق الإنسانية.

ستشهد الطفلة شام ومعها مئات الأطفال السوريين والأتراك والفلسطينيين الذين ولدوا مرة ثانية من (رحم) العمارات والبيوت التي تحولت بلحظات إلى أنقاض وركام، سيشهدون لمحكمة التاريخ الإنساني وعلى رأسهم الجنين التي قاومت الموت وتعلقت بالحياة وخرجت من رحم والدتها التي وهبتها دمها قبل ارتقاء روحها إلى بارئها مع جميع أفراد أسرتها، سيبقون جميعا منارات لذاكرتنا الإنسانية، أما أهاليهم وذووهم فلن يبقى من ذكراهم إلا أسماؤهم على شواهد قبورهم.. التي إذا نطق حجرها فلعله يقول: لا تصدقوا من زودونا بأسلحة القتل بلا حدود لتحقيق أهداف حروبهم الدموية الطائفية والمذهبية والدينية، وعند الحرب التي شنتها الطبيعة علينا وقفوا كالصم والبكم والعميان، وذريعتهم – المرفوضة أصلا – أن الحدود والطرق الواصلة إلينا مغلقة... ياعار أدعياء العظمة الذين كشفت العظائم صغرهم، وصفرهم الأخلاقي!!.