تهويد القدس ... برعاية الصمت الدولي

2023-03-16 17:34:43

تعيش مدينة القدس وأقصاها وقيامتها أسوأ حقبة منذ احتلالها عام 1967، بفعل تولّي اليمين المتطرف مقاليد الحكم في دولة الكيان الإسرائيلي، وما تلا ذلك من إجراءات تصعيدية على أرض الواقع تهدف إلى ترسيخ السيطرة اليهودية في القدس الشرقية، في سياق سياسة التهجير القسري وإخلاء المدينة من سكانها الأصليين.

تخضع مدينة القدس منذ احتلالها عام 1967، إلى سياسة تهويدية ممنهجة وشاملة، من خلال بناء جدار الفصل العنصري، وهدم البيوت والمنشآت، وقتل السكّان، وأسرهم، وإبعادهم، وسحب إقاماتهم، وتنفيذ المشاريع الاستيطانية المختلفة، وتدنيس أماكن العبادة الإسلامية والمسيحية، والقيام بحفريات تحت المسجد الأقصى المبارك، وفرض قوانين عنصرية ، وغيرها من الإجراءات التعسفية بحق القدس ومقدساتها وأهلها.

وكانت قد جرت العادة أن يتوقّف الاحتلال عن هدم المنازل بمدينة القدس في شهر رمضان المبارك، بدعوى احترامه للشهر الفضيل، في محاولة لتجميل صورته أمام العالم. وفي السادس من آذار/مارس 2023، أوعز ما يسمّى "وزير الأمن القومي" الإسرائيلي إيتمار بن غفير، بمواصلة هدم المنازل خلال شهر رمضان، في تصعيد غير مسبوق، ينمّ عن عقلية وحشية متطرفة، لا تكترث بأي منظومة قيمية على هذا الكوكب.

وتأتي تعليمات بن غفير بعد ثمانية أيام على اللقاء الخماسي في مدينة العقبة الأردنية، والذي جمع مسؤولين كبار من كل من فلسطين ومصر والأردن وإسرائيل والولايات المتحدة، أكّد فيه المشاركون على ضرورة الالتزام بخفض التصعيد على الأرض ومنع المزيد من العنف، وعلى أهمية الحفاظ على الوضع التاريخي القائم في الأماكن المقدسة في القدس قولاً وعملاً دون تغيير، وشددوا في هذا الصدد على الوصاية الهاشمية/ الدور الأردني الخاص.

وفي ضوء ما سبق، يمكن القول أن خطوة بن غفير، وما سبقها من منع السفير الأردني لدى "إسرائيل" من دخول الأقصى في كانون ثاني/ يناير الماضي، وتصاعد عمليات اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى وتدنيسه، إضافة إلى الحفريات المتسارعة والغامضة في محيط الأقصى، تشكّل انقلاباً جديداً على كافة التفاهمات والاتفاقيات الموقّعة وعلى الشرعية الدولية بشكل أساسي. وهذا يتطلّب من الأردن قرارات جريئة، ودور أكبر على الصعيد الدبلوماسي والقانوني في الأروقة الأممية، بما يضمن فتح جبهة موازية مساندة للنضال الدبلوماسي الفلسطيني، وضاغطة على الاحتلال الإسرائيلي.

ولا تشكّل هذه الممارسات استفزازاً للأردن وحده بصفته صاحب الوصاية على المقدسات المقدسية، وإنما لكافة المسلمين والمسيحيين في العالم، حيث أن المواقع الإسلامية والمسيحية على حدٍ سواء هي تحت دائرة الاستهداف الإسرائيلي، وقد شهدت المدينة المقدسة في الآونة الأخيرة تصاعداً لافتاً في اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين على المسيحيين ومقدساتهم، كشاهد إضافي على مسعى الاحتلال لتهجير الفلسطينيين وتغيير طابع المدينة.

ولا يفوتنا هنا الحديث عن تصاعد عمليات الهدم الذاتي لمنازل المواطنين في القدس، والتي بحاجة إلى موقف عربي وإسلامي وفلسطيني جاد لمواجهة البروباغندا الصهيونية، وقطع الطريق على سلطات الاحتلال، ومنعها من توظيف هذه المشاهد المؤلمة للمقدسيين الذين يهدمون منازلهم بأيديهم، وتصوير الأمر وكأن الأمر قانوني بحت، له علاقة بمخالفة بناء أو عدم وجود ترخيص. حيث أن الهدم الذاتي سببه عدم قدرة المقدسيين على تحمل نفقات الهدم التي تحمّلها إيّاهم سلطات الاحتلال، وهذا يستوجب مزيداً من الدعم لتعزيز صمود أولئك المرابطين، الذين يدافعون بصدورهم العارية عن شرف الأمة العربية والإسلامية جمعاء.

يواصل الكيان الإسرائيلي قتل الإنسان وتدمير الحجر والشجر، في ظل استمرار الصمت الدولي وعدم تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وستشهد الأيام القادمة حتماً مزيداً من التصعيد، طالما العالم المتحضّر والمجتمع الدولي يكتفيان "بالإعراب عن القلق".

إن هذا التصعيد غير المسبوق هو بمثابة تحذير لكل العالم، لكي يعي جيّداً بأن إجراءات هذه الحكومة المتطرّفة من شأنها جرّ المنطقة إلى حرب دينية، ستصل ألسنة لهبها إلى مسافات بعيدة. ما يتطلّب حراكاً بالمستوى المطلوب من الشارع العربي والإسلامي وحتى الدولي، باعتبار قضية القدس مسؤولية مشتركة بين كافة المسيحيين والمسلمين في هذا العالم.