مخرجات قمم الخليج صفر

أول زيارة خارجية للرئيس دونالد ترمب منذ توليه مهامه الرئاسية في ولايته الثانية، التي بدأت في 20 كانون ثاني / يناير 2025 كانت لدول الخليج العربي، وبدأت صباح الثلاثاء 13 أيار / مايو الحالي بزيارة العربية السعودية، حيث استقبله الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد استقبالا مميزا، ثم زار الدوحة في اليوم التالي واستقبله الأمير تميم، حاكم قطر بذات الحفاوة، وختمها بزيارة أبو ظبي الخميس الماضي بنفس الطريقة، واستقبله رئيس الامارات العربية المتحدة محمد بن زايد، وفي الدول الشقيقة ال3 تمتع بحفاوة كبيرة، لا بل فيها إفراط ومبالغة، وعقد أكثر من 5 قمم مع زعماء كل دولة على انفراد، ومع قادة دول مجلس التعاون الخليجي، ومع رجال الاعمال، وحصد ثمار الزيارة ما بين 12 و13 تريليون دولار أميركي، وفق ما أعلن الرئيس الأميركي للصحفيين، فقال "إن زيارته الى السعودية وقطر والامارات العربية أسفرت عن اتفاقيات لاستثمار ما بين 12 و13 تريليون دولار في الاقتصاد الأميركي." وأضاف زعيم الإدارة الجمهورية في اجتماع مع ممثلي رجال الاعمال الأميركي والاماراتي، حضره ولي عهد إمارة أبو ظبي، الشيخ خالد بن محمد آل نهيان: "لم يحدث بتاتا في السابق شيء كهذا مع الولايات المتحدة. تريليونات من الاستثمارات." مكررا الأرقام المالية السابقة، وختم بالقول "وقد شهدت الزيارة توقيع صفقات وشراكات استراتيجية إضافة الى لقاءات رفيعة المستوى تناولت قضايا إقليمية ودولية."
ولست هنا بصدد التوقف أمام حجم ما سيدفعه الاشقاء العرب للاستثمار في الاقتصاد الأميركي، بيد أني سأسأل زعماء الدول، أين الخلل في عدم التأثير في مواقف الرئيس الأميركي ال47 تجاه العلاقات التبادلية بين الولايات المتحدة والدول الشقيقة؟ ولماذا لم يستخدموا ورقة الاستثمار بشكل جيد في الضغط عليه للاعتراف بالدولة الفلسطينية، ومطالبته بوقف الإبادة الجماعية فورا، وإدخال المساعدات الإنسانية كافة وفق الالية السابقة وتوزيعها من خلال المؤسسات الأممية، وخاصة وكالة "الاونروا"، والشروع بإعادة الاعمار في القطاع، وتولي منظمة التحرير ودولة فلسطين وحكومتها ولايتها السياسية والقانونية على قطاع غزة؟ ألم يشعر الزعماء العرب، ان ترمب ومبعوثه للشرق الأوسط خذلوهم في أكثر من مسألة، الأولى أثناء صعود الرئيس ورجل العقارات في البيت الأبيض على سلم الطائرة متجها للمنطقة، عندما صرح للصحفيين، بانه لولا الولايات المتحدة لما وجدت تلك الدول! والثانية، عندما أكد مجددا على مشروعه في بناء ريفيرا الشرق في قطاع غزة للاستثمار، وسيطرة واشنطن على قطاع غزة، والثالثة، عندما صرح ستيف ويتكوف، مبعوثه للمنطقة، بأن عملية تبادل الرهائن وأسرى الحرية، ليست مرهونة بوقف الحرب، ولن يفرضوا على نتنياهو أمراً من هذا القبيل؟!
وتعقيبا على النقاط ال3، يمكن التأكيد مجددا، ان الولايات المتحدة لم تقدم الحماية لدول الخليج مجانا، وبلا مقابل، بلا حصدت العديد من المكاسب الاستراتيجية في دول الخليج كافة: أولا سيطرتها عبر شركة أرامكو على النفط، وكانت تفرض على الاشقاء العرب متى ترفع نسبة الصادرات النفطية لتبقى ممسكة بقرون السوق العالمي، ومتى تخفض النسبة؛ ثانيا كل الودائع العربية حولت للبنوك الأميركية والأوروبية الغربية، وبالتالي استثمرت في عائدات النفط والغاز، ومازالت؛ ثالثا أبقت الدول العربية في دائرة التبعية والاستهلاك لسلعها وبضائعها، وحالت دون تطورها لدول منتجة ومصنعة؛ رابعا الاستفادة من وجود قواعدها العسكرية لحماية مصالحها الاستراتيجية، واستفادت من الموقع الحيوي الجيو سياسي للدول العربية في مواجهة اعدائها؛ خامسا دفعت الدول العربية الخليجية فواتير خسائرها في حرب الخليج الثانية، وأيضا في تمزيق وتفتيت بعض الدول الشقيقة، ودفعت بعضها لتطبيع المجاني تحت ما يسمى "السلام الابراهيمي" مع دولة النازية الإسرائيلية، باستثناء العربية السعودية والكويت وسلطنة عُمان، وان كانت هناك علاقات بين الدول الأخيرة والدولة العبرية بطرق ووسائل مختلفة، وغيرها من الأرباح الاستراتيجية التي حققتها الولايات المتحدة من دول الخليج العربي، بالتالي ما قدمته باليمين أخذته بالشمال مضاعفا ومكعبا وأكثر، وعليه لا فضل للولايات المتحدة على عرب الخليج، لا بل أن الولايات المتحدة مدينة لدول الخليج.
واما بالنسبة للنقطة الثانية، لا اعرف سببا لعدم استثمار التريليونات الهائلة في السوق الأميركي، فضلا عن الأسلحة الأخرى، وهي أوراق قوية للضغط، صحيح لم يكن ملف القضية الفلسطينية ذات أولوية في برامج الزعماء العرب مع ترمب، ولكنها كانت أحد الملفات، وبغض النظر عن موقعها في جداول أعمالهم واولياتهم، فانهم طرحوا القضية، ولكن الرئيس المتغول على العالم عموما والعرب خصوصا، مسكون بأجندته اللاهوتية والسياسية والاقتصادية المالية العقارية وصفقات الربح والخسارة، فهو وادارته والدولة الأميركية العميقة، كانت ومازالت إسرائيل اللقيطة ايقونتهم، واداتهم ودعمتها وحماتها ودفعت بتسيدها على المنطقة، باعتبار ذلك فوق كل حساب، وصولا الى حرب هار مجدو، وكان بالأمس الجمعة 16 أيار / مايو كشف ترمب عن موقفه مما يجري في قطاع غزة من إبادة جماعية، مبشرا إن "أمورا جيدة كثيرة ستحدث بشأن غزة خلال الشهر المقبل." دون ان يفصح عن أي تفاصيل إضافية حول ما تحمله الأيام القادمة. لكن من تابع تصريحاته أول أمس الخميس يستطيع ان يستنتج خيار زعيم البيت الأبيض، عندما قال "اجعلوا غزة منطقة حرية، ودعوا الولايات المتحدة تتدخل." وتابع "على انه سيكون فخورا بأن تتولى بلاده الأمور في غزة، لافتا الى أن الولايات المتحدة يمكن ان تجعل منها "منطقة حرية" وتسمح بتحقيق "أمور جيدة". وعلى هامش خيار الصفقة العقارية قال "نحن ننظر في أمر غزة، وسنعمل على حل مشكلة "التجويع"، الكثير من الناس يتضورون جوعا." وفقا لما نقلته وكالة "فرانس برس" الفرنسية. وبالتالي لم يأت ترمب بجديد مبشر، بل بالرغبة في استعمار قطاع غزة، وتحويله لصفقة عقارية، وهذا لن يقبل به الشعب الفلسطيني ولا قيادته، وهو ما أعلن عنه الرئيس محمود عباس في أكثر من مناسبة بالقول، لن نسمح بوجود أي إدارة في غزة غير الإدارة الفلسطينية أدارة منظمة التحرير والدولة والحكومة.
كما ان مبعوثه ويتكوف، الذي يدير ملف المفاوضات، صرح ان الإدارة الأميركية لن تفرض على إسرائيل وقف الإبادة الجماعية، ويناور بإلقاء بلالين اختبار، حيث يطرح كل يوم بالون ومقترح جديد، حتى يبقى الجميع يدور في حلقة مفرغة، لإعطاء ائتلاف نتنياهو النازي المزيد من الوقت لمواصلة الإبادة الجماعية على الشعب العربي الفلسطيني.
وبالمحصلة نتائج زيارة الرئيس الأميركي لدول الخليج كانت صفرا مكعبا، ولا مجال للرهان على الإدارة. لا سيما وان الفرصة الذهبية التي توفرت للدول الخليجية العربية الثلاث لم تستثمر بشكل جيد وفق المواقف السياسية الإيجابية المعلنة من الدول الثلاث، وآمل ان يكون استنتاجي غير دقيق. بيد ان مواقف الرئيس الأميركي ومبعوثه واضحة وضوح الشمس، ولم يتعود ترمب ان يخفي خططه، الا انه يمكن ان يتراجع عنها، كما في العديد من المواقف في حال شعر برفض الموقف العربي الرسمي لبرنامجه ومخططه.