زيارة ترامب ... ومقياس الفلسطينيين للنجاح والفشل

انتهت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لدول الخليج وأسدل الستار عن مسرح التوقعات الفلسطينية أو التكهنات التي عجت بها وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية فيما يتعلق بما سيعلنه الرئيس الأمريكي خلال زيارته بخصوص الحرب على قطاع غزة. يبدو أنّنا الفلسطينيون موهومون بمكانة القضية الفلسطينية نبني توقعاتنا لتحركات الدول والآخرين بناء على المسألة الفلسطينية؛ كأن "المسألة الفلسطينية" مركز الكون يدور حوله العالم، دون الأخذ بعين الاعتبار أولويات وتحديات وضرورات الآخرين والمخاطر التي تواجه الدول الأشقاء العرب وغيرهم، بالإضافة مكامن القوة والضعف الفلسطيني ذاته.
بالرغم من الإدراك الواسع لحجم الألم والمعاناة الناجمة عن حرب الإبادة التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في كل من قطاع غزة والضفة الغربية، إلا أنّ هذا الادراك يمكن ترجمته بعدد من الاهتمامات أو الإجراءات والقرارات التي تعبر عن اهتمام الأشقاء في الخليج العربي بالقضية الفلسطينية، لكنها أيضا تأخذ بعين الاعتبار أولويات دول الخليج فيما يتعلق بالمخاطر المحدقة من وجهة نظرهم التي ترى أن إيران هي الخطر الداهم أكثر مما تشكله إسرائيل، وهي مسألة لا يدركها رهط الفلسطينيين. الأمر يتطلب من الفلسطينيين فهم مصالح الدول القريبة "دول الطوق" والدول العربية البعيدة عن دول الطوق وأولوياتها في إطار فهم السياسية وضروراتها والمخاطر وطبيعة حجمها في إطار فهم إدارة المخاطر للأمن القومي لكل دولة على حدة.
في ظني أنّ المسائل الثلاث المتحققة في زيارة ترامب للخليج العربي تأتي في إطار مصالح دول الخليج الآنية وبعيدة المدى؛ كأولوية تجنب الخطر الإيراني لدول الخليج من جهة، والريادية الاقتصادية عبر الاستثمار في المستقبل وتنويع مصادر الاقتصاد لهذه الدول من جهة ثانية؛ فعقد اتفاقيات الدفاع وتطوير القدرات العسكرية للمملكة العربية السعودية ومن ثم رفع الحصار عن سوريا من قبل الولايات المتحدة لفصل علاقتها مع إيران والعودة إلى التحالف السني ومنع تفجر الإرهاب من جديد تأتيان بشكل أساس لإزالة خطر الإيراني. فيما الاتفاقيات المتعلقة بزيادة الاستثمار في الذكاء الصناعي وتبعاته في الإمارات العربية المتحدة بالإضافة إلى التزود بعدد كبير من الطائرات تأتيان في الاستثمار بالمستقبل، بينما الاتفاقيات بالاستثمار بأكثر من 2 تريليون دولار داخل الولايات الأمريكية يأتي لزيادة تنوع مصادر الدخل والإيرادات لهذه الدول في أكثر الدول أمانا للاستثمار "الولايات المتحدة الأمريكية".
إن محاكمة نجاح أو فشل زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لدول الخليج لا تقاس على المعايير الفلسطينية أو الأوهام النخبوية للوجوبيات بل على فهم أوسع للمصالح المختلفة للدول الشقيقة والصديقة وأولوياتها، وإلى حجم قوة الفلسطينيين المتهالكة بسبب الانقسام الداخلي وعدم القدرة على لم شملهم بالرغم من الكارثة التي حلت بهم على مدار أكثر من عام ونصف وأنهم ما زالوا يراهنون على عدالة قضيتهم أو أنهم مركز الكون، وليس مدى تصليب جبهتهم الداخلية على المستويين السياسي والمستوى الشعبي بالقرارات السياسية وتضامن الفلسطينيين مع أنفسهم في المواقع الجغرافية المختلفة أو قيادة الفعل الشعبي وفقا لطبيعة أو قدرات الفعل لدهم فيها.