ثنائية خلفيات رودريغيز

شكلت الإبادة الجماعية الأميركية الإسرائيلية ضد الشعب العربي الفلسطيني تحولا نوعيا في الرأي العام الغربي عموما والأميركي خصوصا، ورغم إجراءات الادارتان الاميركيتان السابقة والحالية ضد الحراك الطلابي والجامعات وانصار السلام من الشعب الأميركي، وعمليات الاعتقال والتهجير من الولايات المتحدة، وتشديدها الضوابط في منح تأشيرات الدخول للطلاب الأجانب، الا انها لم تتمكن من التأثير في الانزياح الإيجابي لصالح الشعب الفلسطيني وسرديته الوطنية، ورفض جرائم الإبادة والإرهاب الإسرائيلية وتواطؤ الإدارات الأميركية معها، وحسب استطلاعات الرأي في الأوساط الأميركية فإن هناك ما يزيد عن 60% بات يدعم النضال الوطني الفلسطيني ضد إسرائيل النازية، ويرفض بقوة الإبادة وقتل الأطفال والنساء والشيوخ والابرياء من الفلسطينيين في الوطن الفلسطيني عموما وقطاع غزة خصوصا.
هذا التحول الإيجابي انعكس في أساليب وطرق شتى من التضامن مع الشعب الفلسطيني، وان اتسم عموما بطابع النضال والحراك الشعبي السلمي، المعبر عنه بالمظاهرات والاعتصامات في الولايات الأميركية المختلفة، الا ان بعض أساليب رد الفعل اتخذت طابعا عنيفا مثل حرق الجندي الأميركي ارون بوشنل نفسه امام السفارة الإسرائيلية في واشنطن في شباط / فبراير 2024، وقيام المواطن الأميركي الياس رودريغز يوم الخميس 22 أيار / مايو الحالي بإطلاق الرصاص على موظفين من السفارة الإسرائيلية أمام المتحف اليهودي في واشنطن العاصمة، وهو يهتف "الحرية لفلسطين"، وأكد اثناء التحقيق معه أنه معجب بالجندي بوشنل. مما ترك ردود فعل متباينة في أوساط الرأي العام عموما.
من بين ردود الفعل المعادية للشعب الفلسطيني، صرح النائب عن ولاية فلوريدا رندي فاين، خلال مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" الأميركية، وفي منشور على حسابه على منصة "إكس"، بعدما عَّرف عن نفسه بأنه "يهودي صهيوني ويفتخر" وقال وكتب "لم نتفاوض على استسلام مع اليابانيين (في الحرب العالمية الثانية) قصفناهم بالسلاح النووي مرتين للحصول على استسلام غير مشروط، يجب أن نفعل الشيء نفسه هنا، فأميركا وإسرائيل لن تختلفا يوما على إبادة الفلسطينيين." وبناءً عليه، طالب الإدارة الأميركية بقصف الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بقنبلة نووية، ردا على مقتل موظفي السفارة الإسرائيلية في واشنطن، وفق ما ذكرت قناة "كان" الإسرائيلية يوم الجمعة 23 مايو الحالي.
مع ان أي من أبناء الشعب الفلسطيني ليس له علاقة بعملية القتل للموظفين الإسرائيليين، ورغم ان القيادة والشعب الفلسطيني عموما يؤمن بالنضال الشعبي السلمي، وهو الذي ترتكب بحقه عملية إبادة وحشية للشهر ال20، وسقط من أبنائه ما يقارب نحو ربع مليون فلسطيني بين شهيد وجريح ومفقود ومعتقل، والحبل على الجرار، وتدعو قيادة منظمة التحرير الفلسطينية الى الوقف الفوري للإبادة الجماعية، ووقف التهجير القسري، وإدخال المساعدات الإنسانية بكثافة للمواطنين الأبرياء، الذين يتعرضون لحرب التجويع والامراض والاوبئة وقصف مستشفياتهم ومراكزهم الصحية، ولكن حكومة الائتلاف النازي الحاكم في إسرائيل المدعومة من الإدارة الأميركية ترفض خيار وقف الحرب بذرائع واهية ومفضوحة. لأن نتنياهو يحرص على البقاء في كرسي الحكم، ويحمي ائتلافه من التفكك.
وفي قراءة عدد من المنابر والشخصيات الإعلامية والأكاديمية العربية لعملية قتل الموظفين، رأى البعض أن إسرائيل ذاتها تقف خلف عملية رودريغز، وذلك لحرف بوصلة الرأي العام الأميركي، والرأي العام العالمي الذي ضج من الإبادة الجماعية، وردا على بيان الدول ال23 يوم الاثنين مايو الحالي، أي قبل 3 ايام من الحادث، ومن بينها بريطانيا وفرنسا وألمانيا وكندا وأستراليا وهولندا واليابان، ولوحت باتخاذ إجراءات ضد الدولة الإسرائيلية، ومنها فرنسا وبريطانيا وكندا أعلنت أنها ستعترف بالدولة الفلسطينية، فضلا عن ان الجيش الإسرائيلي اطلق الرصاص الحي على 30 سفيرا وقنصلا غربيا وعربيا اثناء زيارتهم لمخيم ومدينة جنين يوم الخميس الماضي، مما ترك ردود فعل دولية غاضبة على الجريمة الإسرائيلية.
وهذا السيناريو يراه أصحاب هذا الرأي ممكنا، كون إسرائيل ومن قبلها الولايات المتحدة الأميركية لهما اسبقيات على هذا الصعيد. بيد أن ما نشر عن شخصية الياس رودريغز، ورسالته التي كتبها يوم الثلاثاء 20 مايو الحالي، المكونة من 900 كلمة، الموجهة للرأي العام الأميركي والإسرائيلي، وتجربته الشخصية السابقة، تدحض السيناريو المذكور، ومع ذلك الشعب الفلسطيني وقيادته السياسية ترفض قتل المدنيين بغض النظر عن انتمائهم، وهي لا تربطها علاقة بالشاب الأميركي منفذ العملية، ودافعه الأساس تمثل في التضامن مع الشعب الفلسطيني وفق قناعاته الشخصية.
هذه الثنائية في قراءة خلفيات رودريغز، وضعته بين رؤيتين، الا ان هذه الثنائية لا تختزل التحول الإيجابي في الرأي العام الأميركي، ولم تؤثر في دعم الشعب الفلسطيني، ورفض الإبادة الجماعية الأميركية الإسرائيلية، أي كانت خلفيات القراءات للحادث.