زيارة الرئيس للبنان أزالت كل تركة الماضي الصعب

لفهم زيارة الرئيس محمود عباس والمواقف التي عبر عنها، لا بد أن نعود لاساس الأشياء وجوهرها، هناك حقيقية غيبتها الاحداث الدموية المتلاحقة منذ اكثر من نصف قرن، وهي ان لبنان دولة مستقلة لها سيادتها على كل أرضها وشعبها، وتمتلك قرارها الوطني المستقل، تمام كما هي اي دولة أخرى في العالم، وان يكون السلاح فيها حصريا بيد الدولة، والا يتدخل احد بشؤونها الداخلية، والحقيقة الثانية ان لبنان الممسك بقراره الوطني والموحد، ويفرض سيادته على كل ارضه، اكثر أهمية ونفعا لفلسطين والقضية الفلسطينية، من لبنان المباحة سيادته والمدمر جنوبه والمحتلة اجزاء منه، والمهدد حتى وجوده كدولة، لبنان االمتماسك مهم لفلسطين والعرب عموما. ونأتي إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، هذه المخيمات مقامة على أرض لبنانية، ويجب أن تخضع حتما للسيادة اللبنانية. ولا يجوز أن تكون جزرا متمردة تستخدمها أطراف متعددة لزعزعة آمن لبنان واستقراره، كما ان السلاح الموجود فيها يلحق افدح الأضرار اولا بالفلسطينيبن في المخيمات قبل ان يلحقها بلبنان ذاته.
وما على الجميع ادراكه، ان سلاح المخيمات لا يحمي ولا يستطيع حماية المخيمات، كما لا فرصة حقيقية للاشتباك مع إسرائيل، كما ان القيادة الفلسطينية لا تريد ولا تقبل ان يكون قرار الحرب مع إسرائيل في لبنان بيد اي احد غير الدولة اللبنانية، ويكفي ان نراجع تجربة الخمسين عاما الماضية، التي كان في اغلبها قرار الاشتباك مع إسرائيل ليس بيد الدولة ولاحظنا ان لبنان قد تدمر مرارا وتكرارا، كما لم يحرر شبرا واحدا من فلسطين، ولا اعاد اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم بل هاجر جزء كبير منهم إلى اصقاع الأرض. والمهم ان نراجع تجاربنا ونقيم ان كانت هذه التجارب مفيدة او ضارة، وهذا ما قامت به القيادة الفلسطينية. واستنتجت ان سلاح المخيمات اصبح وبالا على ساكينيها وليس حلا لأي مشكلة، واستنتجت أهمية ان تكون الدولة اللبنانية مكتملة السيادة ومستقلة، لان لبنان الضعيف المفكك، يسمح لكافة الاطراف التدخل في شؤونه الداخلية، والخطر ان تفرض إسرائيل شروطها عليه وتنتهك ليل نهار سيادته.
وثمة حاجة ان يلاحظ القارئ مسألة مهمة ان الزمن الذي كانت فيه الثورة الفلسطينية في لبنان كان مختلفا تماما عما هو عليه اليوم، وان كل ما حصل، جاء في جانب منه بسبب الحرب الباردة، وفي سباقاتها، كما ان الواقع العربي والاقليمي كان مختلفا بشكل كبير مما هو عليه اليوم، في تلك المرحلة كان هناك المشروع القومي، والأهم كانت هناك حاجة الشعب الفلسطيني في ان يضع نفسه من جديد على خريطة الشرق الاوسط باي ثمن ونجح في ذلك. اليوم بعد اتفاقيات اسلو اصبح للشعب الفلسطيني سلطة وطنية معترف بها فوق الأرض الفلسطينية، صحيح ان تجربة اسلو تعرضت لضغوط شديدة ومحاولات لا تتوقف من أطراف وجهات ودول لإفشالها، كما تعرضت اتفاقيات أسلو لرفض اليمين الإسرائيلي المتطرف القاطع، بل وعمل هذا اليمين من اجل تصفيتها وتصفية كل تداعياتها، لكن ومع كل ذلك هناك حقيقة هي ان السلطة الوطنية الفلسطينية لا تزال موجودة وفاعلة، والدولة الفلسطينية تعترف بها اليوم 149 دولة، وان الزمن الذي كانت به الثورة الفلسطينية في لبنان ليس فيه الشيء الكثير من الزمن الراهن، ولم تعد الحاجة لأن يحمل فلسطيني السلاح في لبنان ولان هذا السلاح اصبح في جانب منه غطاء ومبررا لتهديد آمن لبنان واستقراره وهو ما لا تريده القيادة الفلسطينية، والرئيس محمود عباس شخصيا ابدا.
لقد أدركت القيادة الفلسطينية ان لبنان قد تغير، وانها لا ترغب ابدا ان يكون سلاح المخيمات عقبة اما هذا التغير، كما لا تريد أن تصل الامور بأن يأتي وقت يتم خلالها نزع سلاح المخيمات بالقوة مما سيلحق الدمار ويضاعف البؤس لابناء شعبنا في لبنان وهم، الذين دفعوا اثمانا باهظة من دمهم وحياتهم على امتداد نص قرن من الاحداث الدموية المتلاحقة في لبنان. وبالمقابل تتوقع القيادة الفلسطينية ان يسمح فتح هذه الصفحة الجديدة في العلاقات الثنائية اللبنانية الفلسطينية المجال أمام خطوات تقوم بها الحكومة اللبنانية لتحسين حياة اللاجئين الفلسطينيين، الذين كما قال الرئيس محمود عباس هم ضيوف مؤقتون على لبنان لحين عودتهم إلى وطنهم.
ان اهم ما يمكن ان يستنتج من زيارة الرئيس هو :ان القيادة الفلسطينية، قد اجرت بالفعل مراجعة شاملة لتجربة العلاقات الفلسطينية اللبنانية على امتداد نصف قرن، وبالتحديد أزاحت تركة ثقيلة لكل ما لحق بهذه العلاقة من شوائب واضرار. وان تقول القيادة الفلسطينية بكل وضوح انها تقف بنفس المسافة من كل أطياف الشعب اللبناني، وانها قبل كل شيء مع الدولة اللبنانية، ومع حقها الكامل في فرض سيادتها على كامل التراب الوطني اللبناني، وان تحتكر الدولة السلاح. وما اظهرته الزيارة هو ذلك الارتياح الذي استقبلت به كافة اوساط الشعب اللبناني الرئيس محمود عباس، وما صرح به من مواقف، وانه أزاح وإلى الأبد اي شكل من اشكال الخلاف مع لبنان؛ لأن هم الشعب الفلسطيني هو ان يرى هذا البلد العزيز والشقيق دولة قوية متماسكة ومزدهرة، لان في ذلك خيرا للبنان وفلسطين.