رسالة إلى حماس: إمّا وطن يجمعنا أو انقسام يقتلنا

2025-06-08 21:04:02

منذ أكثر من 600 يوم، يشهد قطاع غزة حرب إبادة ممنهجة، حصدت أرواح الآلاف من الفلسطينيين، ودمّرت البنية التحتية، وأغرقت الفلسطينيين في نكبة متجددة تحت مرأى ومسمع العالم. وفي ظل هذا المشهد الدموي المستمر، تتفاقم أزمات الداخل الفلسطيني، وعلى رأسها الانقسام السياسي الذي يبدو اليوم أكثر فداحة من أي وقت مضى، حيث تقف القضية الفلسطينية في مفترق طرق حاسم: بين مشروع وطني يتآكل، وسلطة سياسية ممزقة بين الضفة وغزة، وفصائل تتنازع المرجعية والشرعية.

من اللافت أن حركة حماس، التي تسيطر على قطاع غزة منذ عام 2007، هي في الأصل من أبرز المستفيدين من نتائج اتفاق أوسلو، الذي وقّعته منظمة التحرير الفلسطينية. فرغم معارضتها العلنية للاتفاق، فقد استفادت من البيئة السياسية التي أتاحها، حيث تمكنت من تأسيس حضورها السياسي والتنظيمي داخل الأراضي الفلسطينية، ووصلت إلى حد المشاركة في الانتخابات التشريعية عام 2006، بل وتحقيق فوز ساحق!.

لكن هذا لا يخفي التناقض الصارخ في موقفها؛ فهي ترفض الاعتراف بشرعية المرجعيات السياسية التي أنتجت السلطة الفلسطينية ومؤسساتها، بينما تتمسّك بثمارها حينما يخدم ذلك مصالحها.  ويمكن القول أن هذه الازدواجية لا تُقوّي الموقف الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، بل تمنحه الذرائع لمواصلة عدوانه، بدعوى غياب الشريك الفلسطيني الموحد.

إن قبول حماس بفكرة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، كما صرّح قادتها مراراً، من بينهم إسماعيل هنية عام 2008، يحمل ضمنياً – كما في أي دولة في العالم – الإقرار بأن قرار الحرب والسلم، واحتكار السلاح، يجب أن يكون بيد جهة سيادية واحدة، وهي في الحالة الفلسطينية: منظمة التحرير، بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. لكن رفض حماس لهذا المنطق – عبر تمسّكها بسلاحها ورفضها الانضواء تحت مظلة قيادة وطنية موحدة – يكشف أنها لم تخرج بعد من عباءة الجماعة، وأن وثيقتها المعدّلة عام 2017 التي حاولت فيها تقديم نفسها كحركة وطنية فلسطينية خالصة، لا تزال قاصرة عن إحداث قطيعة فعلية مع مشروعها الإخواني الأم.  هذا ليس اتهاماً بل تحليل سياسي لواقع واضح، ترجم نفسه في الميدان: إدارة منفردة لغزة، وقرارات استراتيجية تتخذها الحركة بمعزل عن التوافق الوطني.

اليوم، ومع اشتداد آلة القتل والدمار الإسرائيلية على غزة، يتضح أكثر من أي وقت مضى أن غياب وحدة القرار الوطني قد ساهم في إطالة أمد المعاناة وتعقيد سبل المواجهة الفعالة. ومع أن الشعب الفلسطيني أظهر من جديد صلابته الأسطورية، لكن هذه الصلابة لا يمكن أن تُترجم إلى إنجاز سياسي إلا من خلال مرجعية وطنية موحدة، ذات شرعية، ومشروع واضح يلتف حوله الجميع.

ومن هنا، فإن المطلوب من حركة حماس في هذه اللحظة التاريخية الدقيقة، ليس فقط إعادة تقييم استراتيجيتها، بل التحلي بشجاعة وطنية تضع مصلحة فلسطين فوق كل اعتبار فصائلي أو أيديولوجي.

الرسالة إلى حماس واضحة:

إن القبول بمشروع الدولة الفلسطينية على حدود 1967، كما عبّر عنه قادة الحركة مراراً، لا يكون ذا مصداقية إلا بترجمته عملياً عبر الانضواء تحت مظلة قيادة وطنية موحدة، واحتكام القرار السياسي والعسكري لمرجعية واحدة، هي منظمة التحرير الفلسطينية بعد إصلاحها وتفعيل مؤسساتها.

تمسّك الحركة بسلاحها خارج إطار الشرعية الوطنية الجامعة، لم يعد ممكناً تبريره في ظل الحاجة الماسّة لوحدة القرار والسيادة. فالمقاومة الحقيقية لا تعني الانفراد بالقرار، بل تعني التزاماً جماعياً بخطة وطنية شاملة، تقرر فيها كل الفصائل – ومن ضمنها حماس – شكل المواجهة وأدواتها.

لا يمكن مواجهة حرب الإبادة بجبهات منقسمة، ولا بخطابات متضادة، بل بجبهة سياسية موحدة، تستند إلى قاعدة شعبية عريضة، وتعيد الاعتبار لمشروع التحرر الوطني في صيغة جامعة، تعيد بناء الثقة بين مكونات الشعب الفلسطيني داخل الوطن والشتات.

لقد آن الأوان لحماس أن تختار: إما أن تكون جزءاً من مشروع وطني جامع، تسهم في صياغته وتحمّل مسؤوليته، وإمّا أن تبقى في موقع الانقسام، تتحمّل وحدها تبعات تمزيق الجبهة الداخلية، وتمنح الاحتلال فرصة ذهبية لاستمرار جرائمه تحت غطاء الانقسام الفلسطيني.

لا مجال بعد اليوم للمواقف الرمادية، ولا لادعاءات الشراكة من طرف واحد. فإمّا أن تكون حماس شريكاً حقيقياً في معركة التحرير، خاضعة لقواعد العمل الوطني الموحد، أو أن تعزل نفسها عن إرادة شعب ينزف، وتتحول – شاءت أم أبت – إلى عبء على المشروع الوطني لا رافعة له.

في زمن الإبادة، لا مكان لمراكز قوى متناحرة، بل لقرار واحد، وسلاح واحد، وشعب واحد. ومن يرفض ذلك، يضع نفسه خارج الإجماع الوطني، ويتحمّل مسؤولية تاريخية أمام شعبه وأمته والتاريخ.