هل تشارك إدارة ترامب في الهجوم على إيران؟

بات من المحسوم أن ترامب أعطى الضوء الأخضر لنتنياهو لضرب إيران، وقدم الدعم الكامل لإسرائيل بالمال والسلاح، بما في ذلك الطائرات المخصصة لتزويد الوقود جوًا، والذخائر بمختلف أنواعها، إضافة إلى الدفاع عنها عبر إسقاط الصواريخ والطائرات المسيّرة، والخداع الاستخباري الذي ضلل القيادة الإيرانية.
لكن السؤال المطروح اليوم: هل يُصدر ترامب أوامره المباشرة بشن هجوم أمريكي على إيران، تحديدًا لاستهداف مفاعل "فوردو" النووي المحصّن في أعماق الجبال، والذي لا تملك إسرائيل القدرة التدميرية الكافية لتدميره، نظرًا لافتقارها إلى القنابل الخارقة للتحصينات العميقة؟
يبدو أن ترامب متردد: هل يضرب أو لا يضرب؟ أو ربما ، وهذا الأرجح، يمارس الخداع مرة أخرى، كما فعل سابقًا.
متى يهاجم ترامب؟
هناك سيناريوهان رئيسيان قد يدفعان ترامب للهجوم:
1. إذا تصور أن الحرب حُسمت أو أوشكت على الحسم، وأن ضربة مفاعل "فوردو" ستكون بمثابة "مسك الختام"، تمكّنه من قطف ثمار النصر ونسب الإنجاز لنفسه.
2. إذا أصبح وضع إسرائيل حرجًا ومهددًا بالهزيمة، فلن تسمح واشنطن، "رأس الحية"، أن تُهزم إسرائيل، وستفعل كل ما في وسعها لحمايتها. ويتعزز احتمال التدخل الأمريكي إذا دخلت أطراف أخرى حليفة لإيران من محور المقاومة أو غيره مثل باكستان وكوريا الشمالية على خط المواجهة، وبدأت بتهديد معادلة الحرب بشكل يضر بمصلحة إسرائيل.
مغامرة غير مضمونة
لكن من المهم أن نُدرك أن الهجوم الأمريكي على إيران لن يكون نزهة سهلة، بل مغامرة محفوفة بالمخاطر، وقد تتحول إلى حرب استنزاف طويلة، تُلحق أضرارًا جسيمة بالقواعد والمصالح الأمريكية ومصالح حلفائها في المنطقة، خصوصًا إذا ردت إيران بإغلاق مضيق هرمز و ضرب القواعد الأمريكية المنتشرة في الخليج.
هذا بدوره قد يؤدي إلى أزمة اقتصادية عالمية، تدفع دولًا كالصين وروسيا وباكستان وكوريا الشمالية – خصوصًا أعضاء مجموعة "البريكس" – إلى التدخل وربما الانخراط في الحرب بشكل مباشر أو غير مباشر. حتى الدول العربية والإسلامية ومعظم دول أوروبا، ستتحرك لوقف الحرب التي تهدد مصالحها ونفوذها.
عقبات أمام الضربة الحاسمة
من جهة أخرى، هناك تشكيك جدي لدى الخبراء في قدرة أمريكا على القضاء الكامل على قدرة إيران على خوض حرب طويلة أو على البرنامج النووي الإيراني، أو تدمير منشأة فوردو المحصّنة. وتقدّر بعض التقارير أن إيران تمتلك اليوم ما يكفي من اليورانيوم المخصّب لإنتاج نحو 10 قنابل نووية. وهجوم أمريكي مباشر قد يدفع المرشد الإيراني إلى تغيير موقفه العقائدي، والسماح ببدء إنتاج القنبلة النووية فعليًا، بدلاً من التلويح بها كورقة ردع.
المفاوضات لم تُدفن بعد
رغم العدوان الإسرائيلي-الأمريكي والغربي المستمر، لم تُقطع خيوط التفاوض بالكامل بعد، ولا تزال هناك إمكانية للتوصل إلى اتفاق.
لكن الولايات المتحدة – وتحديدًا إدارة ترامب – لا تزال تسعى إلى استسلام كامل يتمثل في القضاء التام على البرنامج النووي وبرنامج الصواريخ، وإنهاء النفوذ الإيراني الإقليمي، إن لم يكن إسقاط النظام نفسه. في المقابل، القيادة الإيرانية ترفض هذا المسار، لكنها قد تبدي مرونة مشروطة، وهناك أفكار مطروحة، مثل نقل اليورانيوم المخصّب إلى دولة ثالثة كروسيا، كحل وسط يمنع امتلاك إيران لسلاح نووي دون إسقاط النظام أو تفكيك نفوذه الإقليمي.
المعركة أكبر من إيران
ما يجب ألا يُغفل هو أن الهدف الاستراتيجي الأبعد يتمثل في إخضاع المنطقة بأسرها للهيمنة الأمريكية – الإسرائيلية، إذ يأتي الدور بعد إيران على تركيا وباكستان، وربما لاحقًا منع مصر أو السعودية من أداء أدوار قيادية داخل منطقتهم و نطاقهم الحيوي لصالح دولة وظيفية زرعت في المنطقة لخدمة مصالح وأهداف استعمارية من شأن نجاحها ابقاء المنطقة أسيرة التخلف والتبعية والتجزئة.
نهاية مفتوحة
النتائج النهائية مرهونة بحقيقة القدرات والإرادات لدى جميع الأطراف خصوصا ان كل طرف بمقدوره أن يحسب بدقة أكبر بعد بعد اسبوع من الحرب المكلفة جدا ، وبالقدرة على تحمّل كلفة الحرب إذا طالت. ومدى ردة فعل أطراف أخرى خصوصا مثل الصين ولهذا، يبقى احتمال التوصل إلى اتفاق جزئي أو تسوية تحفظ ماء وجه الطرفين قائمًا. اتفاق لا يُطيح بالنظام الإيراني ولا يُنهي البرنامج النووي بالكامل، لكنه يسمح لكل طرف بالادعاء بأنه خرج منتصرًا، كما يبقى خطر استمرار الحرب وتوسعها قائما أيضا فهناك سباق محموم بين السلم والحرب، والسؤال هو من يسبق من؟.