مقترح لقاء جنيف... وبداية المسار السياسي

2025-06-21 11:30:16

بدأت العمليات العسكرية بمبادرة إسرائيلية يوم الجمعة الماضي، وحرصت أمريكا على تبرئة نفسها منها، ورغم عدم صدقية مزاعم إسرائيل بأنها قامت بالعملية دون انتظار ضوء أمريكي، إلا أن حرباً على هذا المستوى لابد وأن تتطلب تدخلاً أمريكياً مباشراً، إن لم يكن من بداياتها المبكرة ففي مرحلةٍ متأخرة.

مجريات الأسبوع الأول الذي انقضى، أظهرت العمليات العسكرية المتبادلة فيه مساراً يشبه على نحو ما مسار الحرب على غزة، منذ قررت إسرائيل دخولها بكامل طاقاتها العسكرية، واتخذت الإدارة الأمريكية حينها موقفاً مزدوجاً، إذ وافقت على أهداف الحرب وقدمت كل ما يلزم لتحقيقها، وبالمقابل دعمت بل وشاركت في جهود الوساطة إلى جانب مصر وقطر.

غير أن الموقف الأساسي كان التفاوض مع حماس تحت النار، وقد جرى تمويه هذا الموقف باقتراحات ومبادرات وتصريحاتٍ لوقف النار إلا أنها فشلت جميعاً.

سقطت الإدارة الأمريكية فورثت الإدارة الجمهورية موقفها الأساسي مع تعديلاتٍ خاليةٍ من التمويه، إذ واصلت علاقتها بالوساطة، ولكنها تبنت قولاً وفعلاًَ منطق التفاوض تحت النار، وما تزال ماضيةً فيه حتى يومنا هذا.

الجمعة الثانية.. دخل الاتحاد الأوروبي على خط الحرب ليقترح أقطابه لقاءً في جنيف مع الإيرانيين، ورغم تفاوت النبرة في التعبير عن المواقف تجاه إسرائيل، إلا أن ما يتعين على الإيرانيين الانتباه له، هو الإجماع الأوروبي المتبلور حول الموقف من المشروع النووي الإيراني، ومفاده عدم السماح لإيران بإنتاج قنبلة نووية، مع ظهور موقف ألماني مباشر يتبنى الحرب الإسرائيلية من خلال تصريحات مستشارها ميرتس، الذي قال صراحةً إن إسرائيل تؤدي الدور القذر بالنيابة عنا، مع رفع القيود عن توريد أسلحة لإسرائيل، وهذا ما حدث بين يدي مقترح لقاء الجمعة الثانية في جنيف.

قاعدة المثلث الأوروبي الإسرائيلي الأمريكي جسّده التصريح الأخير للرئيس ترمب بأن الموقف من التدخل المباشر أو عدمه سوف يتخذ خلال الأسبوعين القادمين، وهذا يُفهم منه بأن الرئيس الأمريكي الذي طلب قبل أيامٍ قليلة إخلاء طهران من سكانها تحت إيحاءٍ مباشرٍ بضربها، يمنح للجهد الأوروبي مساحةً ووقتاً لتحقيق الأهداف المشتركة، وأساسها تفكيك المشروع النووي الإيراني، دون إزالة التدخل العسكري المباشر عن الطاولة بما هو عامل ضغطٍ أكثر منه حتمي التنفيذ حتى الآن.

إسرائيل ليست سعيدة بالدخول الأوربي على الخط، حتى لو كان متفقاً مع أهداف الحرب المحددة أوروبياً بتفكيك المشروع النووي والباليستي، بينما إسرائيل تعمل على توريط الجميع وعلى رأسهم أمريكا نحو ما هو أبعد من ذلك بكثير، بما يصل حد الإطاحة بالنظام الإيراني وتدمير مرتكزات القوة الإيرانية على النحو الذي لن يقوم لها قائمة إلى ما لا نهاية.

الجمعة الثانية حيث لقاء جنيف المقترح يفترض أن يجسد بداية الجهد السياسي المترافق مع الحرب التي تدخل فيها إيران الجريحة اختباراً مصيرياً وهي داخل شبكة قوىً أمريكية أطلسية إسرائيلية... الإسرائيلية تضرب بكل طاقتها القصوى، وأمريكا تهدد بقدراتها العملاقة من خلف الباب، وأوروبا الناعمة صاحبة اللغة المغلفة بالتوازن، تؤدي دور الشريك في الهدف والوسيط في الوسائل.

إيران مدعوة للتفاوض من داخل هذه الشبكة، وحين نشبت الحرب كما هي الآن، فحدود المناورة الإيرانية فيها ضيقة للغاية، إن لم تكن معدومة وقدرات توسيع مساحات وأدوات القتال كتهديدها بضرب القواعد والمصالح الأمريكية في المنطقة، هي وفق الحسابات الواقعية ربما تكون خسائرها الإيرانية أفدح من مزاياها، ما يحتم على القيادة أن تكون أكثر واقعية في قراراتها وخياراتها، بأن تحسب جيداً ما لديها من قدراتٍ دفاعية وهجومية، ليس مع ما تملكه إسرائيل وحدها بل مع أمريكا معها إضافةً إلى ما يمكن أن يتطور إليه موقف دول الناتو سياسياً وعسكرياً.

اقتراح لقاء الجمعة في جنيف، يحمل في ثناياه احتمال فرصةً لإيران، ليس لمواصلة مشروعها النووي وإنما لمواصلة بقائها في معادلة القوى الإقليمية والدولية ككيانٍ مهم وفعّال ولكن داخل حدوده، والعالم سواءٌ من منه يحاربها أو يتربص بها أو ينتظر نتائج الحرب عليها، لا يجمع فقط على تفكيك مشروعها النووي بما في ذلك أقرب أصدقاءها بل يجمع بالمقابل وهذا لصالحها على أهميتها كدولةٍ وشعبٍ وموقع وإمكانيات، ولكن خارج نطاق الحكايات القديمة كالقوة النووية والأذرع واتساع النفوذ الإمبراطوري الذي ثبت علمياً أنه أكبر بكثير من قدراتها وتطلعاتها.

إيران القوية والمعافاة داخل حدودها أقوى ألف مرة من التمدد خارج الحدود بل وخارج المنطقة، فهل يجد أولوا الأمر فيها معادلةً توفر ذلك؟

هذا ما ستظهر مقدماته في الجمعة الثانية جمعة جنيف وما سيليها من تطورات.

هذا إذا تحقق اللقاء وإذا قبل الطرف الأوروبي والأمريكي مبدأ التخلي عن التفاوض تحت النار كما تطالب إيران، وهذا ما تحيط به الشكوك ليس فقط على إجراء اللقاء وإنما على توفير شروط نجاحه.