انتباهات على هامش الحرب والعدوان!

انتهت حرب ال12 يومًا ما بين الإسرائيلي وإيران وانتهى معها تهديدات إسرائيلية للبلد استمرت لسنوات طوال. وما كان لنتيجة مفاجأة "نتنياهو" على طهران الا أن أقفلت بابًا مفتوحًا للتوسل الإسرائيلي واستجداء العالم للحفاظ على الكيان الذي يسوّقه بكل دقيقة أنه معرّض للافناء من الآخرين، والحقيقة أنه هو وأفعاله العدوانية (على حدّ السيف) من يعرّضه للإفناء الذاتي قبل أن يكون هذا الإفناء خارجي. حتى لو كان الطغيان الأمريكي-الإسرائيلي وصل حد المهزلة أوالمسرحية المأساوية العبثية مما يحدث في قطاع غزة وفلسطين أو الكارثة العظمى، ومما حصل بحربهم على إيران.
النقطة هنا أننا نظرنا فشاهدنا وتعجبنا كثيرًا وضحكنا على سقوط الانسانية، وبكينا على الانسانية وعلى مشاهد مؤلمة، وبذات الوقت مثيرة وغريبة شكلت هذه الحرب المسرحية كما يراها أصحاب نظرية المؤامرة.
لكننا نختلف ونتعلم ولنحاول أن نحدد عددًا من الانتباهات أوالملاحظات على هامش المهزلة:
1-يبدو أن فكرة الانتصار أصبحت عامة وسائلة الى الدرجة أن كل شخص أو نظام (أو فصيل) يفترض بذاته أنه منتصر! بغض النظر عن حجم الخسائر التي يتكبدها! وبغض النظر عن حجم الدمار، وبغض النظر عن سقوط الردع أو الهيبة، فيصبح الانتصار في قطاع غزة وعلى فلسطين أو في إيران هو انتصار للنظام أوالأدوات الحاكمة لا غير، وعلى ما يبدو أنه مفهوم جديد مختلف عن فكر الانتصار القديم. فيما الواضح أننا الخاسر الأعظم! سواء كفصائل أو قضية أو أنظمة أو أمة حتى الآن!
2- اتساع الخرق على الراتق داخل "محور المقاومة والممانعة" ممّا حدث ويحدث من اغتيالات طالت قيادات فلسطينية ولبنانية ثم إيرانية، فلم يبقَ أي منهم بمنأى عن لبؤة الإسرائيلي المعتدي وأسده الذي لا يضطجع حتى يأكل فريسته ويشرب دم القتلى ثم ينام (عن التوراة). وما يستدعي للنظر في الذات ومراجعة الأساليب والآليات.
3-ظهر ترمب ممثلًا ل"نظرية الرجل القوي" الذي يمتلك ركح المسرح فهو الذي يبدأ الحرب وهو الذي ينهيها. ويجب على الجميع أن يتساوقوا مع الافتتاح وحين إسدال الستار فإن قال أن النووي قد دُمّر فهو قد دمر، وإن قال ليقف وقف النار فيقف! بالطبع وهو يقف عند بوابة دولة فلسطين فتخور قواه أمام عقيدة دعم الكيان الإسرائيلي الأبدية ومنع قيام ما يجب أن يكون شاء من شاء وأبى من أبى أي الدولة الفلسطينية، ولكنهم قوم غافلون!
4-الخطر الإيراني كما يسميه الإسرائيلي والأمريكي (أو رأس الأخطبوط) بحقيقة التحليلات المختلفة قد تعطّل سياسيًا فلم يعد بالامكان التلويح بخطره أو التهديد به (هدّد بذلك نتنياهو ما لايقل عن 5 مرات في محافل دولية مختلفة عبر السنوات)، بذات القوة السابقة بينما مازال لم يتعطل النووي الإيراني ماديًا في حقيقة الأمر.
5-سقطت القوانين الدولية كما سقطت المباديء، وتم تطليق القيم الانسانية (والعلمانية الإسرائيلية) الى الأبد هذا كان قد حصل منذ العدوان الصهيوني على القطاع (النكبة الثانية والكارثة العظمى) ثم مع إطلاق سراح عنف المستوطنين الإرهابيين يفعلون ما يشاؤون بالفلسطينيين بالضفة، وكأنهم حيوانات يجب إما لجمها أو قتلها. فهم البشر والباقي ما دونهم كما أشار "عوفادا يوسف" و"أسرائيل شاحاك" و"أسحق شابيرا" في كتب لهم، والكثير غيرهم بتصريحات الكارثة على غزة.
6-نظرية العظمة لأمريكا وأمريكا أولًا جعلت من الرئيس الأمريكي يفترض بذاته محور الكون (كما الحال مع نتنياهو ومعلمه جابوتنسكي الذي يتلاعب بالإسرائيليين) فيقرر أن القوة أولًا، ويُقدِم ويفعل ما يشاء دون انضباط لقوانين الدولة (الديمقراطية!) وبما يحقق الغرض وكل ما سوى ذلك أدوات، هو ذات نهج رئيس الوزراء الإسرائيلي المتجرد من أي قيمة مادامت أحلامه والأساطير التي تعشعش بدماغه يجب أن يراها العالم حقيقة وصولًا الى أسطورة معركة نهاية العالم!
7-أظهرت الكارثة والحرب والنكبة وتواصل العدوان أن وكلاء الحروب الاقليميين قد فقدوا أدوارهم ووظائفهم لأسباب عديدة أبرزها التفوق الصهيو-أمريكي من جهة ولعدم قدرتها على فهم المتغيرات ومنها التقانية (التكنولوجية) والاستخبارية الانسانية والمعلوماتية ، وأبتداع طرق جديدة للمواجهة، ناهيك عن لغة الخطاب الخشبية التي خارت تحت ضغط الحاجة، وضغط القوة المعتدية المتفوقة، وضغط القوقعة التي تحيط بالدماغ المتحجّر، وتحت ضغط النفور الشعبي، وشلال الدم وأولوية الحزب المتعالي على الناس.
8-ظهرت الصين متمهلة أو منتظرة أو غير مؤثرة وهي التي يتوقع لها سيادة العالم حسب عديد المحللين سواء ضمن نظرية الكونشيرتو (التواطوء والتحالف) التي أشرنا لها كثيرًا أو غيرها حيث نظرية "تجرع المرارة" الصينية بمواجهة "القدر المتجلي" الأمريكية (أنظر مقالنا بالشأن)، فماذا عن روسيا!؟
9-هل الثورة أو المقاومة أو الجهاد بالمعاني القديمة أي بالمواجهة المباشرة والكفاح المسلح (حرب العصابات/الغوار/والمليشيا...) عبء، أم هي تراث أصيل للعبرة والدرس؟ في ظل الفروقات الهائلة بمستويات القوة المادية، وفي ظل سقوطات مقولات كانت أصيلة مثل أن الإسرائيلي لن يقبل قتل واحد من جنوده فسرعان ما يتراجع! أو أنه جبان لا يُقدم على القتال البري، أو أن يخشى دخول التجمعات السكانية، وهكذا مما ثبت فشله، في ظل التقدم التقاني الحامي له على الأقل.
10-هل من الممكن النظر الى "قوة الاعتدال" في العالم العربي نظرة إيجابية؟! أو على الأقل مختلفة؟! أم نظل (كثوريين ومناضلين ومجاهدين) ننظر لهم دومًا نظرة تشكك وخيانة واتهام فيما نتقلّب في نعيمهم، ونطلب منهم النصرة! ما يمثل انفصالًا بين النظرية والتطبيق وبين ما يدور بالجلسات مقابل ما يتم عبر وسائل الإعلام. وذلك في ظل (اعتدال) أو بصيغة انكسار وتخلي وخوار عربي رسمي، وعدم قدرة على تلمس مواضع القوة العظمى الجامعة لدى الأمة لتتخذ مقعدها اللائق بين الأمم! أم أن المشيئة مفقودة كليًا؟
11-لم تربط إيران وقف الحرب عليها بقضية فلسطين أو مليشيات حزب الله أو الحوثي أو غير ذلك! فتبخرت قضية فلسطين بين أزيز الطائرات ودوي القنابل ومصلحة النظام الأعظم، كما لم تربط "حماس" حتى الآن بين غزة وفلسطين، أو المفاوضات والحل ومصلحة الشعب والدولة الفلسطينية قط.
12-بلا جدال فلقد تم أسْر الشعوب عامة والأمة ككل للشعارات! فتاهوا مع القوة المفترضة وانتعشوا، فاختلطت مشاعرهم المتقدة مع صوت الرعد وفكر المؤامرة، مع عدم التخلي عن نعيم اللحظة الاستهلاكية المفتونة بحضارة الغرب. اغتربوا عن قيمهم وحضارتهم وقبلوا لبس الأصفاد الغربية طائعيمن مهطعين (نعم مهطعين) لكنهم عاشوا في سماء العواطف الملتهبة فحققوا نصرهم! فضحكت عليهم الأنظمة وألزمتهم أماكنهم فلم يبارحوها!
13-في ظل الضعف يصبح أمام الضعيف (صاحب الحق والعدل) إما الانتحار، وإما إعادة صياغة فكر المقاومة والجهاد والمواجهة وأساليبه، وإما الثبات والصمود والاستعداد لمرحلة قادمة مع ثبات العقيدة والمبدأ بتحرير فلسطين ونهضة الأمة، فيما حقيقة الواقع أن أصحاب العقليات الجامدة لم يفهموا منطق التغيير، ولم يفهموا منطق النقد الا القلة الواعية، ولم يظنوا أن المراجعة ضرورة، وأن الاعتراف بالخطايا بداية التغيير بل غالوا في الفكرة التي دالت، وتجمدوا وشلت عقولهم