أين الفلسطينيون من حفلة توزيع الأوسمة؟

يواصل الرئيس ترمب الذي استولى عبر طائرات B2 العملاقة على نتائج الحرب، إعلاناته بأن الإيرانيين والإسرائيليين، وافقا على وقف إطلاق النار الذي سيدوم إلى الأبد، مع أن لا دوام إلا لوجه الله.
لقد دخلنا مرحلة وقف إطلاق النار ومعها تقاسم الحصص، وتوزيع الأوسمة، بعد المناورة المحسوبة التي وفّرت لأطراف الحرب خلاصاتٍ يستطيع كل طرفٍ منها تصديره لجمهوره وللعالم على أنه حقق انتصاراً يستحق الاحتفال به والبناء عليه.
الطرف الأول والأعلى والأقوى والأكثر فاعلية هو ذلك الرجل الذي أمر طائرته العملاقة بقصف المفاعلات النووية الإيرانية ما وفر له ادعاء بأنه أزالها من الوجود، وهذا إنجازٌ يتباهى به على خصومه الداخليين وأولهم الحزب الديموقراطي الذي لم يستطع فعل ما فعل.
الطرف الثاني إيران، التي تقيدت بقواعد اللعب مع أمريكا، إذ قامت بردٍ رمزيٍ متفق عليه، تقدّر أنه يحفظ ماء الوجه ويصلح لإرضاء الجمهور الإيراني، إذ بوسع الزعيم الإيراني الأوحد والأعلى، أن يخرج من مخبأه ويعلن الانتصار.
الطرف الثالث إسرائيل.. التي نفذت معظم مهام الحرب، ورفعت من وتيرة التباهي بأنها هزمت إيران وشكّلت شرق أوسط جديد أو عالم جديد، وأن الدور الأمريكي لم يكن أكثر من عاملٍ مساعدٍ لما فعله بنيامين نتنياهو.
الطرف الرابع هو الشقيقة قطر، التي حظيت بحصة معقولة من عملية التقاسم الجارية الآن، فقد ردّت على الهجوم الإيراني الرمزي بالتصدي له وإسقاط بعض مسيراته، لم يجرح قطري واحد، ولم تصب ناطحة سحاب واحدة من ناطحات الدوحة، وبذلك تعزز دورها الدائم كوسيط، إذ أصبحت بعد عملية العيديد الرمزية، طرفاً شريكاً في الربح وليس في الخسارة.
هذه هي الصورة كما أراها بعد أيامٍ من ثبات وقف إطلاق النار، ولما وصلت إليه الأمور في اليوم التالي لحرب الأيام الإثني عشر.
السؤال البديهي والكبير الذي انطلق حين نشبت الحرب بين إيران وإسرائيل وحين تواصلت وحين توقفت، كان وما يزال... ما هو انعكاس وقف النار بعد حرب الأيام الإثني عشر على حرب غزة التي تدخل يومها الثامن والعشرين بعد الستمائة.
من المفترض منطقياً أن تكون حرب غزة قد اقتربت كثيراً من وقفٍ تامٍ لإطلاق النار واتمام عمليات التبادل، إما على دفعةٍ واحدةٍ أو عدة دفعات، ليدخل الفلسطينيون اليوم التالي الذي كان مثيراً للجدل اسرائيلياً وإقليمياً ودولياً.
بالنسبة لحماس ينبغي أن تقرأ جيداً نتائج لعبة القوى الثلاثية " إسرائيل وإيران وأمريكا" وما أسفرت عنه فعلاً وليس ادعاءً، وأن تتمثلها في قراراتها ليس فقط في أمر التبادل والهدن، وإنما فيما هو أبعد أي حول مصيرها بعد الذي حدث مع إيران وكل أذرعتها في المنطقة، بينما حماس وحدها من يقاتل حتى الآن.
في إسرائيل يتنامى اتجاه حول تقويم خلاصات حرب إيران وتواصل حرب غزة، فالرأي العام الإسرائيلي تقبل على مضض حكاية الانتصار في إيران، تمشياً مع مواقف ترمب ونتنياهو غير أنه يسير في اتجاهٍ آخر بشأن الحرب على غزة، بحيث الأغلبية تتجه نحو حتمية التوقف عنها، ويغذي هذا الاتجاه، جنرالات سابقون وساسة مهمون ذوو صدقية في الرأي مثل غابي أشكنازي الذي يعتبر الحرب على غزة كارثة، وفشلاً يتعين التوقف عن الاستمرار فيه.
على مائدة توزيع الحصص بين المتقاتلين في حرب إيران، وفي حفلة تقاسم الأوسمة يتساءل الفلسطينيون الذين ما تزال الحرب عليهم في غزة والضفة على أشدها.. كيف ستكون التطورات القادمة. هل يصدق ترمب في قوله بأن الحرب على غزة ستتوقف؟ وأن العمل على إنهاء الحروب كمؤهل للحصول على جائزة نوبل سيبدأ؟ والسؤال الآخر والأهم.. هل يبدأ العمل من صفقة القرن البائسة ظنّا من صاحبها بأن الظروف سنحت لإعادة إحياءها أم أن إنهاء الحرب دون تزويرٍ وادعاء يتطلب حلاً يرضى عنه الفلسطينيون؟
لن ننتظر طويلاً حتى تظهر الحقيقة.