فتحت البوابة ؟

مع انتهاء الحرب الاحتلالية على ايران والتوقعات بارتداد ذلك على توسيع الهجمات والاعتداءات على الاراضي الفلسطينية واطلاق يد المستوطنين لاستباحة الارض الفلسطينية وهو ما تم فعلا على ارض الواقع فما جرى في كفر مالك والعديد من القرى في الريف الشرقي لرام الله والبيرة سنجل، ترمسيعا، المغير، ابو فلاح "تصعيد نوعي" حيث تتعرض بشكل دائم ومستمر لاعتداءات مماثلة اشعال النار في الممتلكات محاولات احراق للمنازل، والمنشآت على اطراف البلدات، منع الحركة والتنقل(عربدة) متواصلة تحول حياة الناس الى قلق مستمر من المتوقع بعد الوصول الى اتفاق مع ايران بوقف الحرب، وضمن ما اعلن من خطة ( الوزير بن غفير) ذات النقاط الخمس تمت ترجمة هذه الاعتداءات واقعا فما يجري ليس صدفة وليس لحظة عابرة او حوادث متفرقة بل هي بتعليمات رسمية يقودها وزراء يجري العمل عليها منذ سنوات تتسع الى كافة المناطق وما رأيناه قبل اسابيع في بروقين ومناطق اخرى كان "بروفا" لما هو قادم باشكال وتطبيقات متنوعة احدى اهمها اعتداءات المستوطنين فيما هناك بطبيعة الحال نذر وضع اخر يجري تكريسه رويدا رويدا يتم تناوله دون تدقيق او احاطة بكامل معانيه والمقصود هنا البوابات والاغلاقات الحواجز وتنغيص واقع الحياة اليومية . ولعل السؤال الاوسع انتشارا في الفترة القريبة الماضية هو هل فتحت البوابة؟ بحكم وجودي في العديد من الاطر والمؤسسات وعلى مجموعات التواصل الاجتماعي لمجموعات واسعة ايضا وصفحات اعلامية واذاعات محلية تقوم بنشر وتعميم نشرة تعريفية باحوال الطرق يتم تحديثها كل ساعة او نصف ساعة احيانا تقوم برصد الاغلاقات واوضاع الحواجز، واسفل النشرة يتم وضع ملاحظة هذه المعلومات قابلة للتغير في كل لحظة تماما كما هي اسعار العملات المتداولة فهي قابلة للتغيير مئات الرسائل والمعلومات تتدفق تباعا على نطاق واسع في كل لحظة حول بوابة "س" او حاجز "ص" رسائل تقول تم فتح البوابة، اخرى سالكة واخرى تنفي وتشير بكلمة مغلقة لا تلبث الرسائل ان تنفي او يتم الاشارة الى تواجد قوات الاحتلال الذين اغلقوا البوابة قبل دقائق قليلة هذا جزء يسير من حال الفلسطيني في الاراضي المحتلة، والمعاناة اليومية التي تعيشها مع تعطل حياة الفئات العديدة من موظفين، تجار، طلاب، عمال حتى الحالات المرضية والانسانية من النساء الحوامل او الامراض المزمنة يحتاجون الى " تنسيق" ومنهم من يتم السماح لهم بالعبور بعد اعاقة قد تطول او تقصر او من يتم رفض السماح بمرورهم في معظم الاحيان تبعا لمزاج جندي يقف على الحاجز مشهرا سلاحه تجاه المواطنين في اطار الامعان والتعليمات المباشرة من المستوى السياسي التي تقضي بتحويل حياة الفلسطينين الى معاناة وكأنها طوال السنوات الطويلة الماضية من عمر الاحتلال كانت فردوسا وزهور! من البديهيات ذكر هذه العلامات البسيطة لواقع صعب نحياه يوميا بما يعكس صورة قاتمة لاوجه تلك المعاناة مرورا على بعض التفاصيل حولها فما يقارب من 1000 حاجز، وبوابة حديدية هي فعلا احد اشكال الفصل العنصري واستلاب الفلسطيني حقه الطبيعي في حرية الحركة والتنقل الحق المكفول بموجب اتفاقيات جنيف للعام 1949 والمواثيق والقوانين الدولية التي تمنع على قوة الاحتلال "اذلال" او اهانة او منع الحركة للمدنيين بل تجبر الاحتلال على حمايتهم، اما ما يتم ادراج على قائمة العقوبات الطويلة للفلسطينين فوق جميع الاغلاقات السابقة والحالية فهو ما حاولت حكومة الاحتلال الدفع به خلال ما يعرف بحرب12 يوم مع ايران من خلال اعلان اوقات اغلاق واعادة فتح البوابات التي تفصل القرى والبلدات وتربطها بباقي المناطق وهو ليس بالامر الجديد تماما كسلوك واجراء احتلالي متبع انما الجديد هو تكريسه واقعا معاشا فمثلا يتم الاعلان عن اغلاق حاجز عطارة الى الشمال من بيرزيت ما بين الساعة كذا وفتحه حتى الساعة كذا هذا ينطبق على العديد من المناطق الاخرى في محيط نابلس مثلا تم تشديد الاجراءات على حواجز الاحتلال حولها والمناطق الاخرى عانت من نفس هذه الاجراءات . هذه الاجراءات المتتالية هي تنفيذ لخطة كاملة متكاملة تجري على الارض ضمن تضيق مناحي الحياة ابسطها الحركة والوصول الى العمل او المشفى بات اليوم في عداد الامنيات او ما يقرره جندي او مستوطن في معظم مناطق الضفة الغربية اما القدس فهي معزولة تماما عن محيطها ولا مجال لاحد ان يصلها – ما اود قوله هنا هو انه بذريعة الحرب الاخيرة او بدونها اسرائيل تسعى الى(كي وعينا الجمعي) وتحويل الفلسطيني الى "فاقد لانسانيته" الى درجة اقل هي نظرة دونية وفق منطق الاستعلاء الصهيوني التربية على عدم رؤية الاخر في مدارس الحقد والكراهية للنظر مثلا لتأثير ما يجري من اغلاق على الوضع الاقتصادي ومرور المنتجات بمختلف انواعها، وضع التجار، تكديس البضائع، وسلوك الناس امام محطات المحروقات او ازمة الغاز كل هذا يجري من اجل هدف واحد تحويل الحياة لتصبح "لا تطاق" انعدام المقومات الاساسية، اشعال للنزعة الفردية، والوصول الى المزيد من الازمات الداخلية مع ازمة الرواتب والمقاصة، وعمال الداخل ومحاولة تفجير المزيد من الازمات وارتفاع حدتها في ظل غلاء الاسعار، وتراجع القوة الشرائية للمواطن الذي اصبح مكشوفا تماما بانتظار ما تسوقه الاقدار اي ان ما يجري تصميم لنظام فصل عنصري يحدد ساعات المغادرة ان تمت وساعات الرجوع مواعيد فتح واغلاق البوابات في الغالب يشتكي المواطن انه حتى في المواعيد التي يعلنها الاحتلال لا يجري الالتزام بها فعند وصله الحاجز قبل الموعد يجده قد اغلق وهذا ينطبق على العديد من القضايا التي يريد الاحتلال منها ان يشغلنا بسؤال فتحت البوابة؟ بينما يواصل الضم والتوسع ونهب الارض وهدم المزبد من بيوت واحلام الفلسطينين بمعنى اخر تحويل السؤال المركزي من كيف ننهي الاحتلال؟ الى مطالبات لتحسين شروط الحياة اليومية "تحت الاحتلال" توفير بعض السلع وهنا لا بد من التذكير بواقع قطاع غزة سياسة التجويع والابادة الحاصلة لخلق واقع منفصل هناك معاناة نتيجة ما جرى في اكتوبر 2023 هذا هو ما يحاولوا دمغة في عقولنا وهنا واقع مختلف الاولوية توفير السلع والمواد الغذائية سيناريو مجتر معاد يحاولوا زرعه في عمق التفكير بالنسبة لنا مع ان النتيجة واحدة وهي تطبيق مخطط التهجير القسري والتطهير العرقي في الضفة الغربية وقطاع غزة على حد سواء مع اختلاف الادوات او نسبة استخدامها احيانا . ابان الانتفاضة الثانية العام 2000 مارست دولة الاحتلال الاغلاق ونشرت الحواجز في ارجاء الارض الفلسطينية ما زالت الذاكرة تعج بالكثير من القصص حول ذلك والمعاناة اليومية اليوم ايضا ما يجري هو ذات النهج ولكن الهدف والطريقة مختلفة المشهد مروع لدرجة البكاء مسافة بين قرية واخرى قريبة قد تحتاج لساعات وانتظار طويل واعاقة كبيرة في حين كانت تستغرق اقل من 10 دقائق في الوضع الطبيعي هذا ليس صدفة بل هو ضمن استراتيجية تخلق تحولات عميقة طويلة الامد في وعي الفلسطيني والبنى الاقتصادية والاجتماعية لتزرع في الاجيال حقيقة الامر الواقع القرى والمدن اليوم سجون حقيقية ارض مقطعة الاوصال ينخرها الاستيطان والتوسع ونقاط التفتيش خلق حالة انفصال بين الشعب والقيادة وافتعال المزيد من الازمات الداخلية ضمن ثقافة الشخصنة، والنفوذ وبعض المظاهر السلبية التي يجري تعزيزها وصولا لفقدان السلطة، القوى السياسية والمكونات بمعظمها لدورها وثقة الناس فيها . لا يستسلم الفلسطيني بالتجربة للامر الواقع واطالة الازمات والاجراءات لا يجعل منه كائنا ضعيفا منكسرا بل هو قادر دوما على ابتكار ادوات جديدة للتغلب على الواقع على قاعدة رفضه وعدم الخضوع له بل يستمر في تمسكه بالامل وان طال الطريق واغلق امامه لكن علينا التنبه لقادم الايام سواء على صعيد الاعتداءات اليومية للمستوطنين او وجهها الاخر ممارسات جيش الاحتلال ضمن لعبة مكشوفة لتقاسم الادوار تجلت ليس فقط في توفير الحماية لهم في كفر مالك وانما المشاركة في الهجمة على الابرياء العزل وسقوط الشهداء والجرحى في مجزرة كان يجري تنفيذها والعالم صامت يغرق في نومه العميق البوابة فاتحة ليس سؤال عابر في مرحلة يريدون منها ان يكون سؤال دائم في واقع معاش تتجلى فيه صور المعاناة مع ان هناك معاناة ومآساة تجري لكنها ستكوي وعينا للمزيد من الثبات والبقاء واعتقد بالمزيد من الاصرار على الصمود وحقنا في الحياة على هذه الارض التي ليس لنا سواها هو حقنا الازلي وايماننا الراسخ مهما جربوا من اساليب ستتذكرها الاجيال في المجالس والاحاديث كصنوف للمعاناة التي مررنا ستكون ذكريات قاسية بعد ان يرحل الاحتلال بكل اساليبه وقوته وجبروته بكل ما يحاول عبثا ان يغرس في وعينا الاصيل ان نغادر يكون الجواب دائما بالمزيد من البقاء ليستخلصوا الدرس من ابسط الامور ان كانوا فعلا قادرين على التقييم فالفلسطيني الذي يقيم حفل عرسه على حاجز "زفة العريس" هي رسالة تحدي وفرح رغم السواد الذي يمثله هذا الحاجز، والطالبة او الطالب حين يقطعوا مسافات طويلة للوصول الى مقاعد الدراسة هي رسائل بالتشبث بالامل والغد، والمرأة التي تضع مولودها في سيارة او في مركبة اسعاف على الحاجز هي نماذج للبقاء والصمود بارقى المعاني الانسانية علينا جميعا حكومة وسلطة وصناع قرار كل الهرم السياسي ان نضع كل الامكانيات المتاحة لحماية الوجود الفلسطيني ومواجهة مخطط التهجير هذه ذخيرتنا المتبقية الناس هم من يصنع اللوحة الاجمل هم شعبنا الجدير بكل الاهتمام دون اي ابطاء او تأخير او تردد .