هل دعوة ترامب للعفو عن نتنياهو مفتاح لإنهاء الحرب والتطبيع؟

2025-06-30 14:28:11

في تطور لافت أثار جدلاً واسعًا داخل إسرائيل وخارجها، دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى العفو عن نتنياهو في قضايا الفساد التي تجري محاكمته بها، فيما تواصل إسرائيل حربها على غزة. وهذه الدعوة تطرح تساؤلات جوهرية حول أهدافها الحقيقية، وعلاقتها بمساعي إنهاء الحرب، وإمكانية تحققها في ظل الإطار القانوني الإسرائيلي. ولم يكتفِ ترامب بالمطالبة، بل هدد في سلسلة من التغريدات على منصته "سوشال تروث" باتخاذ إجراءات، جاء في واحدة منها: "إذا لم تعفِ إسرائيل عن نتنياهو فقد تقدم الولايات المتحدة على تقليص المساعدات الأمنية التي تقدمها لها". . وأفادت القناة الـ 14 (الناطقة بلسان نتنياهو) أنه "من المحتمل أن ترامب يخطط لفرض عقوبات على شخصيات في الجهاز القضائي الإسرائيلي"!!

لا يمكن فصل دعوة ترامب للعفو عن نتنياهو عن دعواته المتكررة لإنهاء الحرب في غزة. فمن جهة، يسعى ترامب إلى تقديم نفسه كقائد ينهي الحروب المكلفة ويحل الأزمات الدولية المعقدة، لكن من جهة أخرى، تبدو مبادرته هذه وكأنها محاولة لدعم حليفه اليميني نتنياهو في لحظة سياسية حرجة. فالحرب على غزة زادت من الضغوط الداخلية والخارجية على نتنياهو، وعمّقت حالة الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي، وأضعفت موقفه في ملفات الفساد المفتوحة ضده. وفي هذا السياق، قد يكون طرح العفو جزءًا من تصور أوسع لدى ترامب لتسوية سياسية شاملة، تتضمن إنهاء الحرب مقابل خروج نتنياهو من المشهد السياسي بطريقة تحفظ ماء وجهه وتمنع تفكك الائتلاف الحاكم.

وفي هذا الإطار، كتب نحوم برنياع، المعلق البارز في صحيفة يديعوت أحرونوت:
"حتى لو كانت نية ترامب مساعدة صديقه، فإن مثل هذه الدعوة تكشف عن جهل واضح بالنظام القضائي الإسرائيلي، الذي لا يمنح العفو قبل الإدانة".. بينما علّق بن كسبيت في معاريف قائلًا: "ترامب يحاول أن يبيع لإسرائيل بضاعة أمريكية فاسدة لا تصلح لظروفنا السياسية والقانونية، لكنها تعكس محاولته التأثير على مجريات السياسة الداخلية في إسرائيل لصالح نتنياهو".

ومن الناحية القانونية، فإن القانون الإسرائيلي لا ينص على "العفو" بالشكل المتداول في الأنظمة الرئاسية مثل الولايات المتحدة، إذ يمنح القانون الرئيس الإسرائيلي صلاحية العفو أو تخفيف العقوبة فقط بعد صدور حكم قضائي نهائي، وذلك استنادًا إلى المادة 11 من "القانون الأساسي" الإسرائيلي. وبما أن محاكمة نتنياهو لا تزال جارية أمام المحكمة المركزية في القدس في قضايا الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، فلا يمكن إصدار عفو في هذه المرحلة. وقد أوضح موشيه نيجبي، الخبير القانوني، في مقابلة مع قناة كان العبرية: "إذا لم يُدن نتنياهو، فلا يوجد شيء يمكن العفو عنه أصلاً. الرئيس لا يستطيع العفو عن شخص بريء أمام القانون حتى تثبت إدانته بحكم نهائي".

وبينما قد يُظن للوهلة الأولى أن هذه الدعوة تندرج في سياق علاقة شخصية بين الرجلين، إلا أن القراءة المتأنية تكشف عن أهداف تتجاوز حماية نتنياهو إلى محاولة إعادة هندسة المشهد السياسي في إسرائيل والمنطقة بما يخدم مشروع ترامب الأكبر: إنهاء الحرب في غزة وتوسيع دائرة التطبيع الإسرائيلي مع العالم العربي. فمنذ انطلاق اتفاقيات "إبراهيم" في عام 2020، حرص ترامب على تقديم نفسه كمهندس لسلام جديد بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، وعلى رأسها الإمارات والبحرين والمغرب. واليوم، يسعى ترامب — عبر مبادراته وتحركاته — إلى إعادة إحياء هذا المسار وتوسيعه، واضعًا نصب عينيه دولاً وازنة مثل السعودية.

لكن ترامب يدرك أن استمرار الحرب في غزة يمثل عائقًا حقيقيًا أمام هذا الهدف. فلا يمكن لأي دولة عربية جديدة، مهما بلغت درجة التنسيق الأمني أو المصالح المشتركة، أن تقدم على خطوة تطبيع علنية في ظل مشاهد القتل والقصف والدمار في قطاع غزة، التي تتصدر وسائل الإعلام العالمية وصفحات منصات التواصل. ومن هنا تأتي دعوته للعفو عن نتنياهو، فهي محاولة لإزاحة ملف الفساد الذي يهدد استقرار حكومة اليمين في إسرائيل، وضمان بقاء نتنياهو في الحكم كواجهة يمكن البناء عليها لتسويق حلول سياسية أو إنسانية شكلية تفتح الطريق أمام اتفاقات تطبيع جديدة. ولعل هذا ما أشار إليه محللون في الصحافة الإسرائيلية مثل بن كسبيت في صحيفة معاريف حين قال: "كلما استقرت القيادة في القدس، كلما زادت فرص التقدم في مسار التطبيع، شرط أن يتوقف القتال في غزة أو يُدار بشكل لا يُحرج الحلفاء الجدد".

وهناك عدة سيناريوهات لمآلات دعوة ترامب للعفو عن نتنياهو ولمحاكمته بشكل عام:

الأول، استمرار المحاكمة حتى صدور حكم، وهو المسار الطبيعي في حال لم تحدث تطورات سياسية أو قانونية كبرى، وهو السيناريو الأكثر احتمالاً.

والثاني، التوصل إلى صفقة إقرار بالذنب، وذلك إذا شعر نتنياهو أن موقفه القانوني يزداد ضعفًا، فقد يقبل بها مقابل تخفيف العقوبة وربما اعتزال الحياة السياسية، وهو ما ألمح إليه عاموس هرئيل في هآرتس بقوله: "المحافل القضائية والسياسية تدرس صفقات محتملة مع نتنياهو كجزء من تسوية وطنية شاملة قد تشمل إنهاء الحرب في غزة مقابل ترتيبات داخلية في إسرائيل".

أما الثالث، إجراء تعديل قانوني، إلا أن هذا مرتبط بقدرة نتنياهو على تمرير قوانين في الكنيست تمنحه الحصانة أو تؤثر على مسار المحاكمة، لكن هذا الخيار محفوف بالمخاطر، وقد يشعل أزمة دستورية خطيرة، كما حذرت المستشارة القضائية للحكومة غالي بهراف-ميارة من ذلك.

في المحصلة النهائية، تبدو دعوة ترامب للعفو خطوة رمزية أو سياسية أكثر من كونها اقتراحًا عمليًا، وتصطدم بواقع قانوني إسرائيلي معقد لا يتيح العفو قبل الإدانة. وربما تعكس هذه الدعوة إدراك ترامب لحجم المأزق الذي يواجهه نتنياهو، وحاجته إلى مخرج سياسي وقضائي يحفظ له ما تبقى من رصيد. وفي جميع الأحوال، فإن دعوة ترامب هذه ليست مجرد بادرة شخصية تجاه صديق قديم، بل حلقة في سلسلة مشروعه السياسي.