أنت والأمة والشعور بالنقص!

2025-07-02 09:36:01

من الطبيعي أن يشعر الانسان أحيانًا بالارهاق والتعب، أو التشكك أو الضعف بذاته وقلة الحيلة والخوار، ومن الطبيعي أن تنتابه النظرات السلبية للذات أو المحيط، والحزن أو التشاؤم، ولكنها فترات ترتبط بمشاعر أومواقف خاصة به أو عامة مرتبطة بمجتمعه أو أمته وتزول. أما أن تتعملق النظرة وتصبح سِمة من سمات الشخصية حيث قلة احترام الذات وعدم تقديرها أو فقدان الإيمان بكفاءتها! والسخرية منها أواهانتها المتكررة (الذات الخاصة للشخص، أو العامة أي الأمة أو المجتمع ككل)، وفقد الثقة والشعور بالدونية أمام الآخرين أوبالمقارنة المستمرة بالآخرين خاصة حين الانبهار بهم، أوبالمقابل ظهور الغرور والتكبر والترفع وتعمد إهانة الغير، فأنت قد تكون وقعت في فخ نفسي شنيع يسمى قلّة تقدير الذات أو عقدة النقص.

 من عقدة النقص المشهورة حاليًا في الوطن العربي الذاتية، أو الجماعية مما أشار لها المفكر الكبير مالك بن نبي حيث أسماها "القابلية للاستعمار" حيث الدونية تقبّل النفس لمن تعتقد أنه أعلى منها! وتتجلى هذه الأيام بمظاهر كثيرة من تقليد الغربي بكل تفاصيل لبسه وتجميله حتى لو جانب الحشمة، وبكل تفاصيل أكله وحركاته حتى لو جانب الذوق العام، وأيضًا بالتشبه بالمغنين والممثلين والمدوّنين (بالكلمة أو الصورة) و(المؤثرين) الذين لا قيمة لهم بحياة البشر الا من جهة ما يجمعونه على ظهورهم من اعجابات ومشاركات لمقاطع سخيفة وتافهة ولا وزن لها بحياة الناس.

كما ترى عقدة النقص متجلية بالتشدق السخيف ببعض الكلمات الانجليزية أو الفرنسية (والعبرية أيضًا للبعض) ضمن مسار الحديث/الكلام العربي!؟ أو بتسمية المنتجات أو المؤسسات أوالمحلات أو المشاريع...الخ أو حتى الأبناء بالاسماء الاجنبية، بل وكتابتها باللغة الاجنبية!؟ والوقوع في وهم وافتراض نفسي أن مجرد إيرادها دلالة على القوة أو الأبهة أو المكانة (برستيج) أو اللحاق بالغرب! أو كتعويض عن الشعور بالتفاهة والسخافة والنقص. كما الحال بإهانة الأصل الديني (الاسلامي أو المسيحي المشرقي وقيمه بحضارتنا) والاعلاء من شأن قيم الحضارة الغربية في لاأخلاقيتها المدمرة! وليس بمنافستها وتحديها بالصناعة والزراعة والتقانة والاقتصاد والعلم وسِراطية (استراتيجية) التحول لدولة أو دول موحدة تضارع الغرب ما هو المطلوب.

إن عقدة النقص أو "القابلية للاستعمار" أو "الاستحمار" بكلمات المفكر الكبير علي شريعتي أو التقليد الأعمى، أو العيش في "فقاعة الأنا أوالفكرة المقدسة" أو الإمعية (من حديث الرسول ص)، هي عقدة قد تفشت هذه الأيام لدى عديد المجتمعات العربية والاسلامية حتى لا تجد بيتًا إلا ولديه مركبات نقص يتم إنشائها مع الأطفال بتعمد (والتفاخر) إدخالهم المدارس الأجنبية التي تغيّب حضارتنا المتميزة وقيمها المختلفة عن قيم الغرب!؟ ناهيك عن الاحتفاء بالمسؤول الأجنبي (والمستشار الأجنبي) وكأنه كائن قادم من الفضاء!؟ كما كان حال السكان الأصليين لأمريكا عندما خُدعوا، إذ استقبلوا الغزاة القتلة! ظانين أنهم آلهة وما كانوا الا غُزاة دمويين ارتكبوا المذابح تلو المذابح وأبادوا شعوبًا وحضارات، وقصروا الحضارة عليهم دون سائر العالم!

أما عن صفّ المثقفين والدارسين والكُتّاب العرب فحدّث ولا حرج –عن بعضهم-حيث الانبهار بالغرب والتقليد الأعمى والدونية ولعق الأحذية للغرب، فلا تتم الإحالة والمرجعية لبحوثهم أو أوراقهم إلا لأجانب! ولا يبذلون أي جهد قط للنظر في الجهود والابحاث والدراسات العربية والاسلامية الأصيلة التي فاقت أو تفوق الغربيين كثيرًا. ولا يملّ هؤلاء (المستغربون) من الاستشهاد بالرحالة أو العلماء أو المستشرقين الأجانب دون نقد أومراجعة أو تفنيد أو الإشارة لمظان الزلل أو مطارح الفشل أو بواطن التدليس اوالكذب فيما كتبوه بتشويه متعمد ضد حضارتنا وأمتنا المتميزة.

دعنا نعرض نموذجًا تاريخيًا هنا متعلق بعقدة النقص الشخصية حيث تقول الباحثة الايرانية "تورج سهرابي" عن الشاعر الشهير بشار بن برد أن ميله نحو الهجاء وتعداد النقائص"أنّه أراد أن يکون مشتهراً مثل ما اشتهر به جرير والفرزدق (كبار الشعراء)، ففي البصرة تعرّض لجرير بالهجاء ولکن جريراً استصغرَهُ ( ) فأعرض عنه!" وأمثلة أخرى لتستنتج حتمية وجود صراعات داخلية عنيفة وجروح نفسية تترك أثرها في نفس الإنسان (فكيف حين نسهم نحن كأهل ومجتمع... بالتربية والثقافة والاعلام، ووسائط التواصل الاجتماعي بعملقتها...).    

ويمكن القول علميًا أن الغرور أو التکبّر هو واحد من الرذائل الأخلاقية نتيجة الشعور بالنقص. وحيث إنّ شعور الإنسان بالحقارة والدونية قد يجرّه إلى تقليد الأرفع والأعلى منه كما يظن (كحالة تقليد الأمة اليوم للغرب الرغائبي الاستهلاكي الامبريالي) أو الحقد والانتقاص من الذات سواء الشخصية، أوالعامة الممثلة للأمة (يرى العلماء أن هجاء الذات الخاصة أو العامة تمثل أيضًا هروبًا من مشكلات المجتمع، والواقع المرير والشعور الدائم بالنّقص والظّلم، كما الشعور بتعظيم المستبد المُهيمِن القادم من الفضاء!). والى ما سبق کان بشار كمثال بسيط متکبّراً، (وكردة فعل على تقليل الآخرين من شأنه أيضًا) کثير الاعتداد بنفسه، ولا يری فوقه شاعراً ولا عالماً، وتکبّره ردة فعل للاحساس بالنقص جعلته شديد الافتخار بنسبه ومن شعره هنا القول: (ألا أيّها السائلي جاهداً/ ليَعرِفني، أنا أنف الکرم. نَمَت في الکِرامِ بني عامرٍ/فروعي، وأصلي قريشُ العَجَم).

ولنا نموذج آخر كان يشعر بالنقص هو الشاعر الحطيئة الذي كان هجّاءً فحّاشًا، يخوض في أعراض الناسِ، لم يَكَدْ ينجو من لسانه أحد، فقد هجا قبيلته وأمّه وأباه وزوجته ونفسه، ويروى أنّه نظر في حوضِ ماء فرأى صورته فيه، فقال يهجو نفسه: أَبَتْ شَفَتايَ اليومَ إلاّ تَكَلُّمًا/بشرٍّ فما أدري لِمَنْ أنا قائلُهْ. أَرى ليَ وجهًا  شوّه اللهُ خَلْقَهُ/فَقُبِّحَ مِنْ وَجْهٍ وقُبِّحَ حامِلُهْ. وما ينطبق على الشخص مع ذاته، ينطبق على الأفراد والمجتمع وفق نظرية (الغراب الذي قلّد مشية النعامة) مما هو حاصل!

عمومًا دعونا بالختام نذكر بعضًا من طرق المواجهة العلمية للشعور بالضعف أوقلة الحيلة، أو بالنقص الخاص (للشخص)، والعام (المجتمع أوالأمة مقابل الآخر المتسلط  المهيمن):  

1.     عليك تعلم فضيلة مراجعة ونقد أفكارك ومشاعرك السلبية، وتغييرها أو التراجع عنها تدريجيًا   والبحث فيك عن عوامل قوتك الذاتية، أو من حضارتك المتميزة بالفكر النهضوي المستقبلي، وليس الماضوي، والعمل والابداع بما تُحسنه وتجيده .

2.     ابحث عن الخير في الناس: إذ بدلًا من الاستخفاف بهم أو الشعور بالغيرة منهم أو حسدهم، أوتقليدهم، يمكنك التركيز على الجوانب الجيدة وتكوين صداقات معهم بناءً على صفاتهم.

3.     فكّر بالمحيطين بك فإن كان منهم سلبيين شتامين لطامين بكائين، مفتونين بالغير، ومعوقّين فاعرض عنهم (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)، الأعراف (199). 

4.     احترم ذاتك وقيمك وأخلاقك ودينك وفضاء أمتك المتميزة عن الغرب، وعبّر عن ذلك بكل الوسائل الفيزيائية، والالكترونية وبلسانك العربي الجميل، ولا تفحش حين نقدها، وابتهج حين النقد أوالفخر بها دون الدخول في مأزق الماضوية حيث القعود والتغني بالماضي التليد فقط.

5.     بالحالات القصوى يمكن اللجوء للعلاج النفسي (أنظرعالم النفس ابن العباس المجوسي، وأنظر العالم "ألفرد أدلر") حيث استخدام أسلوب توضيح تصور الشخص عن طفولته وإعادة صياغته ليعكس منظورًا أكثر دقة لقدراته الكامنة.

6.     ويذكر الكثيرون للأفراد طرقًا مثل البدء بكتابة اليوميات والمذكرات، أو التأمل والتنفس العميق، ومثل التركيز وجعل يومك حافلًا بالأهداف والنشاط.

7.     التمسك بأهداب الفضائل دومًا، والالتجاء للمولى عزّ وجلّ فهو الحصن الحصين وضمن منهج الرسالية والنضالية والمثابرة (الديمومة).