الأرض مقابل السلام

أن تجمع إسرائيل بين السلام واحتلال الأراضي التي ليست لها، وتطرح خيار سلام يبقيها دولة محتلة تتمتع بالأمن والاستقرار، ويكون هذا هو الحل لإنهاء نزاع وحروب منذ عام 1948م وإلى اليوم، فهو مشروع لن ينال القبول ممن يطالبون بحقوقهم المشروعة، وأساسها دولة فلسطينية على حدود 1967م وعاصمتها القدس الشرقية، وانسحاب العدو الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية والسورية المحتلة.
* *
حتى ولو استجابت بعض الدول، وتجاوبت مع اتفاقية أبراهام التي ولدت في أمريكا، ويتبناها البيت الأبيض، وهدفها تكريس الاحتلال للأراضي الفلسطينية وغير الفلسطينية، فلا قيمة لهذه الاعترافات، طالما ظل المواطن الفلسطيني في الداخل رغم الشتات متمسكاً بحقوقه، ومصراً على إقامة دولته، ورافضاً لكل الخيارات المطروحة، بما فيها تهجيره، وقيام دولة له خارج أراضيه المحتلة.
* *
ومن المؤسف، أن تتحول دول العالم إلى دول منافقة، وإلى دول تتجنب إغضاب أمريكا وإسرائيل، حتى والحق أبلج مع الجانب الفلسطيني، حتى وقرارات الشرعية الدولية تحدد ما لفلسطين وإسرائيل من حقوق، لا غبار عليها، وإن كانت واشنطن وتل أبيب تريدان أن تثيرا أكثر مما هو مثار من غبار على هذه الحقوق باستخدام القوة العسكرية، والنفوذ السياسي والاقتصادي لجعلها وكأنها صفحة في مجلد التاريخ ليس إلا.
* *
التهرب من المعالجة الحقيقية للمشكلة، والهروب إلى مخارج بعيدة عن الواقع لا يحل الصراع، ولا يعطي ضمانات لأمن واستقرار إسرائيل، والحروب جولات، من ينتصر اليوم ليس هناك ما يضمن هزيمته غداً، والعالم يتغير، وليس بالضرورة أن يكون دائماً لصالح إسرائيل، والدليل أن شعلة الحروب ضد إسرائيل لم تنطفئ، والمقاومة لم تتوقف، مع ما تجده تل أبيب من دعم وتعضيد ومساندة دولية لا مثيل لها في التاريخ.
* *
وآن الأوان لأمريكا قبل إسرائيل، ولترمب قبل نتنياهو، العودة إلى جذور المشكلة، إلى التفكير الجاد بالحلول الممكن تطبيقها، وقبولها، وأن تتم الاستفادة من دروس وتجارب أكثر من سبعين عاماً على منشأ هذا الصراع، حيث بقيت المشكلة تراوح في مكانها بين شعب يقع في ظل الاحتلال، ومحتل يتعامل معه بالحديد والنار، دون أن يهزمه، أو يلقيه خارج أسوار فلسطين المحتلة.
* *
نعم، إسرائيل هي الأقوى، هي المسيطرة على ما تحتله، وهي من تذيق الشعب الفلسطيني كل ألوان وأصناف التعذيب والحرمان، وفتح السجون لمن يرفع صوته، أو يقاوم عدوه، لكنها لم تكسر إرادته، ولم تنه إصراره بالمطالبة بحقوقه بدولة فلسطينية، حتى وهي تزج في سجونها بآلاف من الفلسطينيين، وتبقيهم في الظلام مدى الحياة.
* *
نعم، لم تترك إسرائيل أساليب التعذيب بكل أنواعها وأشكالها، والحرمان من أبسط حقوق المواطنة لشعب تحت الاحتلال، إلا وقامت بها، وتفننت فيها، وابتكرت ما يشيب له الرأس من تعذيب قبل القتل، ومن إهانات قبل السجن، ومن إذلال مع كل ما يتعارض مع الإنسانية، لكن كل ذلك وغيره لم يفت من عضد القوة الفلسطينية، ولم يهزم الفلسطيني أمام هذا الجبروت الظالم.
* *
الإصرار على التطبيع والاعتراف بالدولة اليهودية لا يحل المشكلة، ولا يدفع بالفلسطينيين إلى التسليم، والتنازل عن حقوقهم، وإذا كانت هذه هي آخر أوراق إسرائيل لإثبات حقها كدولة على الأراضي الفلسطينية، فهي أوراق محروقة، ومسار فاشل، وإجراء لا يغير من حقيقة ما سيكون مستقبلاً، حتى وأمريكا ترمي بكل ثقلها وإغراءاتها وتهديداتها لتحقيق هذا الهدف.
* *
نعم، لخيار الدولتين، فهذا هو الحل، وهذا هو الطريق الصحيح للخروج من الأزمة، وإحقاق الحق، ومنع إسرائيل من تفجير المنطقة، ومنع الإرهاب من التفشي بالمنطقة، واستثمار العالم في هذه المنطقة اقتصادياً، دون وجل أو خوف من حروب تقودها إسرائيل بهدف التوسع، واحتلال المزيد من الأراضي.
* *
أسأل: عن أي دولة تريد أمريكا الاعتراف بها لتكون الدولة اليهودية، ما هي حدودها، ما مساحتها، كيف ستكون خارطة جيرانها، أم أنها دولة مفتوحة، ومن يطبع معها لا يسأل عن ذلك، ولا يسترشد بالقوانين الدولية، ويقبل بإملاءات الولايات المتحدة الأمريكية، دون أن يكون له الحق في معرفة التفاصيل والنوايا، وتفسير ما هو غامض عليه.
* *
لماذا يتم تجنيب الأمم المتحدة ومجلس الأمن من المشاركة في أفكار تمس حياة شعب بكامله، عن أرض محتلة، ويترك مصير ذلك لأمريكا التي ليست طرفاً نزيهاً، ولا جهة محايدة، وتُمنع بقية الدول من أي دور أو مشاركة في إيجاد حل مقنع لكل الأطراف؟.
* *
مشكلة الاحتلال الإسرائيلي معقدة بامتياز، وحين نبحث عن السبب نجده في الموقف الأمريكي والأوروبي الداعم لإسرائيل، المساند لها في ظلمها وتسلطها، وإصرارها على التمسك باحتلالها لفلسطين، وتوجهها لضمها، دون النظر إلى وجود الملايين الذين يقيمون في أرضهم، وهم الأصل، واليهود هم من هاجروا إليها، وأقاموا فيها، في مؤامرة دولية للتخلص منهم بعد أن كانوا منبوذين في المجتمع الأوروبي