لعبة الشطرنج الكبرى: كيف يمكن لحماس أن تفوز بمعركة غزة دون إطلاق رصاصة؟

2025-07-04 15:36:37

المقدمة: كسر الصندوق.. أو تحطيمه!

لطالما بدت الأدوات الدبلوماسية الكلاسيكية في التعامل مع العدوان على غزة كمن يحاول إطفاء حريق بمنشفة ورقية. كلما طال أمد الصراع، اتضح أن وقف إطلاق النار عبر الوسطاء، والضغوطات الخارجية العابرة، لا تفضي إلا إلى تثبيت الوضع القائم، بل تمنحه غطاءً مؤقتًا يعيد إنتاج المعاناة. لكن ماذا لو أعادت المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس، صياغة قواعد اللعبة من الأساس؟ لا باعتبارها فاعلًا عسكريًا فقط، بل كمحرّك وطني قادر على خوض معارك القانون، واحتلال مساحات الإعلام، وكسب الوعي العالمي، دون أن تطلق رصاصة واحدة. هذا التحول لا يمكن أن ينجح دون إدراك أن الحرب الجديدة ليست فقط ضد الاحتلال، بل ضد صورته، خطابه، وشرعيته الزائفة... وأن الردّ على ذلك يحتاج بيتًا فلسطينيًا موحدًا، وإجماعًا وطنيًا يعيد الاعتبار لفكرة الكفاح المشترك.


---

العدالة الدولية تبدأ من الداخل الفلسطيني

الخطوة الأولى في أي معركة دولية ناجحة تبدأ من خطاب داخلي متماسك. فرفع الحصار عن غزة، على سبيل المثال، لا يجب أن يُقدّم كقضية فصائلية أو إنسانية فقط، بل كجريمة منظمة تُمارس ضد شعبٍ بأكمله، بصرف النظر عن انتماءاته السياسية. إعداد ملف قانوني متكامل، توثيقي وتحقيقي، يُرفع إلى المحاكم الدولية باسم "الشعب الفلسطيني"، وليس باسم جهة حزبية واحدة، سيوفّر غطاءً قانونيًا يحاصر الاحتلال سياسيًا وأخلاقيًا، ويُحرج المتواطئين معه. لكن هذا لن يتحقق ما لم تتوحّد الفصائل حول خطاب قانوني وأخلاقي واحد، يتحدث بلغة العدالة لا الثأر، وباسم فلسطين لا التنظيم.


---

من الرصاص إلى الرواية: تحوّل في أدوات الاشتباك

غزة، بما فيها من أطفال ونساء وأصوات مكلومة، ليست مجرد جبهة عسكرية، بل خزان هائل للسردية الإنسانية التي يمكن أن تهزّ ضمير العالم، إن عرفت كيف تُصاغ وتُقدَّم. لا يكفي أن تُصدر جهة ما فيديو عن طفلة تحت الأنقاض، بل يجب أن تُؤسس هيئة إعلامية وطنية مشتركة، لا تتبع فصيلًا، تتحدث باسم كل أطفال غزة، وتُنتج محتوى موجَّهًا بلغة يفهمها الغرب، وبنبض إنساني يتجاوز الانقسام السياسي. هكذا فقط يمكن للمقاومة أن تخلق حالة من التعاطف الشعبي العالمي تُربك ماكينة الإعلام الصهيوني، وتعيد تعريف "الضحية" في الوعي الغربي.


---

دبلوماسية الشتات.. باسم الشعب لا باسم الفصيل

في زمن اختلطت فيه السياسة بالإعلام، لم تعد وزارات الخارجية وحدها من تصنع السياسة الخارجية. الأكاديميون، الفنانون، المؤثرون، من الشتات الفلسطيني يمكن أن يتحوّلوا إلى "سفراء ظل" لفلسطين، بشرط أن يتكلموا باسم شعب واحد، لا باسم حركة واحدة. لا ضير في أن يكون من ضمنهم محامون أوروبيون، فنانون معروفون مثل محمد عساف أو حتى نجوم كرة قدم مثل محمد صلاح، بشرط أن يحملوا رسالة واحدة: فلسطين ليست قضية جغرافيا محاصرة، بل قضية شعبٍ ينتمي إلى وطن موحّد، حتى لو فرّقته الحدود. تشكيل هذا الفريق يجب أن يكون استراتيجيًا لا إعلاميًا فقط، منظمًا لا عاطفيًا، ووطنيًا لا حزبيًا.
---

الوحدة الوطنية كحجة ضد الاحتلال.. لا لصالحه

من مفارقات الصراع أن الاحتلال طالما استخدم الانقسام الفلسطيني كذريعة لتقويض أي جهود سياسية أو قانونية ضدّه. كلما تشكّلت مبادرة في غزة، سارع بالقول: "هذه لا تمثل الكل الفلسطيني"، ليُفلت من المحاسبة. لكن ماذا لو عكست غزة الصورة؟ ماذا لو قدّمت نفسها كمجتمع متماسك تحت القصف، يحمي مسلميه مسيحييه، ويقف فيه الفلاح بجانب المقاتل، والمرأة بجانب المقاوم، والعامل بجانب السياسي؟ هذه اللحمة الاجتماعية، إن وُثِّقت بشكل ذكي ورُوِّج لها في الإعلام الدولي، يمكن أن تُصبح ضربة ناعمة في خاصرة الرواية الإسرائيلية التي تزعم أن غزة ساحة فوضى. إنها رسالة: "رغم القصف.. نحن شعب موحد"، وهذه أقوى من أي بيان سياسي.


---

في المعركة الرقمية... من يوحّد الرواية ينتصر

اليوم، تُخاض المعارك الكبرى على الشاشات قبل الميادين. الرواية التي تتكرّر أكثر، والتي تتكلم بلغة العاطفة والمنطق، هي التي تنتصر في النهاية. ولعل إحدى أبرز نقاط ضعف الفلسطينيين تاريخيًا كانت تشتت خطابهم الرقمي: روايات متضاربة، لغات إعلامية مختلفة، وتنافس على "التمثيل". لكن إذا ما جرى توحيد الجهود الإعلامية بين غزة والضفة والشتات ضمن منصة رقمية موحدة، تعمل بمستوى غرفة عمليات إعلامية، وتنتج محتوى مخصصًا للغرب، مترجمًا ومدروسًا، فإن الاحتلال سيجد نفسه لأول مرة أمام جبهة سردية لا يمكن اختراقها بسهولة.


---

مؤتمر من قلب غزة... للعالم أجمع

فلسطين لا تحتاج فقط إلى دعم سياسي، بل إلى كسر الحصار المعنوي. تنظيم مؤتمر دولي في غزة – حتى لو كان رمزيًا أو رقميًا – يجمع شخصيات يهودية مناهضة للاحتلال، فنانين عالميين متضامنين، وحقوقيين كبار، سيشكل لحظة تحول رمزية. يكفي أن يدخل ناشط معروف من أمريكا اللاتينية إلى غزة، أو أن يخاطب العالم من بين أنقاض برج سكني مدمّر، لتتغير الصورة تمامًا. الهدف هنا ليس فقط نقل الحقيقة، بل فرض الحضور الفلسطيني الموحد على العالم كقوة معنوية، لا كضحية فقط.


---

الخاتمة: الوحدة ليست حلمًا.. بل شرطًا للنصر

قد تمتلك حماس أدوات القوة، وقد تُبدع في استخدام القانون كسلاح، أو الإعلام كمنصة نضال، لكنها – كغيرها من القوى الوطنية – ستبقى محدودة التأثير ما لم تكن جزءًا من رؤية فلسطينية جامعة. لا يمكن الانتصار في معركة معقّدة مثل هذه من داخل الخندق الحزبي. الانتصار يبدأ عندما ندرك أن كل جهد – سياسي أو إعلامي أو قانوني – بلا غطاء وطني جامع، يبقى ناقصًا، هشًا، وقابلًا للتشكيك.

الوحدة الوطنية لم تعد ترفًا سياسيًا، بل هي صمام الأمان الأخير لمشروع التحرر الفلسطيني. ففي زمن الحروب الرمزية، لا تُهزم الجيوش بالمدافع فقط، بل تُهزم السرديات بالتناقضات. ووحدة الفلسطينيين، إذا ما تحققت، ستكون السلاح الأقوى الذي لا يراه الاحتلال قادمًا.

"في زمن الحروب غير التقليدية، الوحدة الوطنية هي أقوى من ألف صاروخ.. وأشد فتكًا من ألف تغريدة".