الفوضى لا تصنع أوطانًا... ومحاربة الفساد ليست مجرد شعار

في السنوات الأخيرة، كثر الحديث عن "الفوضى الخلّاقة" و"محاربة الفساد" في العالم العربي، وكأننا أمام أدوات جاهزة لبناء مستقبل أفضل. لكن الواقع يُظهر أن هذه المفاهيم غالبًا ما تُستخدم لتدمير المجتمعات لا إصلاحها.
الفوضى لا تبني… بل تدمّر
مصطلح "الفوضى الخلّاقة" لم يكن في يوم من الأيام مشروعًا إصلاحيًا حقيقيًا. بل كان جزءًا من استراتيجية أمريكية لتفكيك دول المنطقة، وإعادة تشكيلها بما يخدم مصالح القوى الكبرى، وعلى رأسها الاحتلال الإسرائيلي. والنتيجة كانت واضحة: انهيار مؤسسات، تمزيق نسيج اجتماعي، وفقدان الأمل لدى الشعوب.
المشكلة أن الفوضى لا يمكن التحكم بها. فحتى لو بدأت بنية التغيير، فإنها سرعان ما تتحول إلى فوضى عارمة تلتهم كل شيء، بما في ذلك من أطلقها. تمامًا كما لو أشعل أحدهم النار في كومة قمامة، ظنًا منه أنه ينظف المكان، لكن الرياح حملت النار إلى بيوت الناس.
محاربة الفساد لا تكون عبر الصخب
شعار "محاربة الفساد" أصبح عملة شائعة يتداولها الجميع، من الناشطين إلى السياسيين. لكنه فقد معناه الحقيقي في ظل الاستخدام العشوائي، والمزايدات، وتحويله إلى مجرد سباق للحصول على إعجابات في مواقع التواصل الاجتماعي.
مواجهة الفساد ليست مهمة فردية، ولا تتحقق بالصراخ أو التعميم. بل تحتاج إلى أدوات فعالة: تحالفات من القانونيين، ومبادرات يقودها المثقفون، وحراك مجتمعي منظم يضغط على أصحاب القرار بطريقة قانونية ومدروسة.
نحتاج إلى تنظيم لا إلى فوضى
التغيير لا يأتي بالفوضى ولا بالشعارات، بل بالتخطيط والعمل الجماعي والضغط المنظم. أما الفوضى، مهما حاول البعض تبريرها، فهي تخدم فقط من يريد إضعاف المجتمعات، وطمس الهويات الوطنية، وتصفية القضية الفلسطينية.
إن الوطن لا يُبنى عبر الغضب وحده، بل يحتاج إلى وعي، قيادة، وتنظيم. ومعاركنا الحقيقية يجب أن تكون واضحة الأهداف، تستند إلى القانون، وتصب في مصلحة الناس، لا أن تتحول إلى فوضى تُفقدنا ما تبقى من ثوابتنا