مَدخلُ السقوط المؤكد!

عندما ينخرطُ كل المجتمع في لعبة الكراهية والحقد والقتل والعنف ويعطي لذاته كل المبرّرات للتساوق مع القاتل وأدواته المميتة تحت تبريرأنه يدافع عن ذاته! ويبعد الخطرَ عن كيانه الممجّد، أو عن حياته وطريقة عيشه! فإنه بذلك ينزلقُ لمراحل من ضعف الوعي والانهيار الاخلاقي ليس لها مثيل.
وعندما يفترض القائد والسياسي والمثقف وصُنّاع الرأي... وينجرّ من ورائهم الجمهور في إباحة كل الفظائع والجرائم والإبادة ضد الآخر، فإنهم ينحدرون في مراتب دنيا من الخلق والشعور الانساني، ويسقطون في مستنفع لا خروج منه الا بالتطهر من هذه الذنوب وقلما يفعل ذلك حاكم!
عندما يقرأ المتطرف أو الإرهابي أو القاتل أو المحتل أو المستخرب (المستعمِر) أي من كتبه المقدسة ويفترض أنه الوحيد المتوجب أن يعيش! وعلى الآخرين الموت في سبيله، فإنه يفقد انسانيته ومبرّر وجوده الأصل (الاستخلاف) وتصبح قِيَمُه خادمة لفكرة الربّ العنصري الذي يُؤثِر (جماعة)! على أخرى -وكلهم من خلقه حاشاه-، وعندها يتجلى الإنكار للآخر ويستسهل إفناؤه! وتصبح مباديء القاتل أو المتطرف أو الطاغية أوالنَزِق مستنسخة من ظَلَمة التاريخ الكُثُر الذين افترضوا الخلود ووجدوا كل المبررات للقمع والغزو والقتل سواء لصناعة مجدٍ تليد أو مجد شخصي، وبالتالي عند أقدام هؤلاء الطُغاة سقط ملايين البشر في هذا الطريق الخداع والوعِر.
لن يُجدي نفعًا أحدًا القول أننا ندافع عن قِيَم الديمقراطية أو المدنية أو التقدمية فيما الأدوات المستخدمة هي بنفس فعالية السيوف التي كانت تجزّ رقاب الأبرياء أو البنادق التي حصدت أرواح ملايين الأفارقة والأسيوين والسكان الأصليين في أمريكا من قبل الاستِخراب (الاستعمار) الاوربي.
لن يغني أي كتاب سماوي كما يسمونه أو أرضي أحد شيئًا حين تصبح الرقاب قابلة للقطع لمجرد أن يشعرني ذلك بالمتعة أو العظمة أو الأمان!
لن يفيد أحد تبريرات البرابرة أو الاستعمار (الاستخراب) او الغزاة الشرسين، أو هولاكو أوهتلر أو موسوليني أو جابوتنسكي او شارون أو بن غوريون أو نتنياهو قولهم أن ذلك دفاعًا عن الأمة! كما لم ينفع مثل هذا التبرير سواء المقدّس أو المجدوي (نسبة للمجد) أي غازي معتدي شرير بالتاريخ
عندما وصلت البشرية الى مرحلةٍ تلفظ فيها العنف ولا تقبل القتل والإبادة تحت أي مسمى كان مما أثبتته حديثًا محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية (وهما غربِيّتا النشأة) يخرج عليهما من افترض بالقانون والقيم خادمة طموحاته بغزو واحتلال العالم، والهيمنة عليه حيث يمسك بيمينه سوط الدين، وبيساره الصواريخ الفتاكة والطائرات المدمرة والقنابل الثقيلة ويتلو عليك سورة حقوق الانسان!
الطاغية هو شخص مستبد مضطرب نفسيًا لا يرى إلا نفسه فهو صاحب الفهم الكامل والسمو وهو القمر المكتمل! وهذا هو العامل الأول في شخصيته والثاني أنه لا يجد عائقًا أو مانعًا لنزواته او أهدافه أو نزقِهِ بل على العكس تمامًا إذ لديه من المبرّرات القانونية والفكرانية (الأيديولوجية) والأخلاقية المقدسة والنفسية ما يدعم استبداده والطغيان ولنشير لعامل ثالث هو بطانة الشر.
يقول أفلاطون أن الطاغية "حين يسيطر على حشد مطيع لا يكف عن سفك الدماء" ويقول: "ما هو الداء نفسه الذي ينشأ في الديمقراطية كما في حكم الأقلية (الأوليغارشية) ويستعبدها؟ إنها طبقة الرجال الكسالى المبذرين، وأكثرهم نشاطًا وحماسًا هم القادة، وأقلهم رجولة هم الأتباع." ومثل هذا يكون الاستبداد الديمقراطي كما الحال الواضح في أيامنا بما يفعله "نتنياهو" في ظل نظامه "الديمقراطي" والعنصري! (الحقيقة أن العنصرية والإبادة والإفناء العرقي والأبارتهايد والتمييز والحرية لمجموعة ومنعها عن أخرى هو نقيض الديمقراطية كليًا كما هو حاصل في فلسطين).
وقال المفكر الكبير خالد الحسن "إن الاستبداد في القيادة هو نتيجة حتمية ولازمة للعجز الفكري والإحساس الداخلي بالعجز والهزيمة أيضًا، إن الواثق من فكره لا يَستبد بالمُفكرين، ولا يحتكر أفكاره ويفرضها، والواثق بعلمه لا يستبد بالعلماء، والواثق بجماهير أمته وحبها له لا يستبد بها."
بداية السقوط ليست في سطوة القوة أو فرط الاستخدام لها، وانما في تحقير الحرية وفي أفقاد الانسان المقابل انسانيته، وفي سقوط المباديء وانكشاف القيم وتعملق افتراضات مقدسة مدنسة بالدم الأزرق المخالف لدم الآخرين الأحمر، حينها تصبح الأمة أو المجتمع أو الجماعة قد سارت بطريق الهاوية، وهي بقمة "عنطزتها" وعظمتها.
إن المنحي المائل "منحى الجرس" المعروف يعبّر بوضوح عن صعود وانهيار الحضارات والأمم كما يعبّر عن سقوطها المؤكد ما ينطبق أيضًا على الدول الصغيرة والكبيرة وعلى الفصائل والتنظيمات طرًا.
لذا فلا جدال تاريخي وعقلي أن الوصول لقمة الأمر ممكن، ولكن الحفاظ عليه صعب الى حد الاستحالة، لأن ما يجرّد الانسان من انسانيته في قمة منحنى الجرس هو ما سيجعله الى الانهيار أقرب، بل والطغيان والغلو والتطرف هذا سيكون المدخل للسقوط المؤكد.
قد تجد مثل هذا فيما يحصل اليوم من الولايات المتحدة الأمريكية وما يحصل مع تعاملها مع العالم، فأفول النجم قادم. كما الحال مع أفول سطوة العنصري الإسرائيلي الذي وصل قمته، وآن أوان انحداره.
وعلى الاتجاه الآخر فلا تظن أننا كأمة أو مجتمعات أو فصائل عرجاء شوهاء ببعيدين عن هذه المعادلة فالتفريط والضياع والانحسار والكسل والجمود والتغييب للعقل والقيم والمباديء له ثمنه أيضا في نهضوية سترفض العجز والاستخذاء وترفض الاستهلاكية اللذوية، والركوع والخنوع، كما سترفض قولبة العقل وتجميد الفكر.
وصل العالم كلّه لحالة من التقارب والتواصل والتفاعل بشكل غير مسبوق لم يحصل بآلاف السنوات السابقة فلن تظل المعادلات السابقة هي الحاكمة حيث اقتران القوة بالقمع، واقتران القوة بالتمدد، واقتران القوة العسكرية بالغزو والعدوان، وما يجلبه من سواد وظلمة وظلم ومجازر مما نراه هذه الأيام شديدة القتامة.
لن ينقذ البشرية لا مسيح منتظر ولا مهدي منتظر! ولن ينقذها إلا الايمان من جهة، والاعتصام بالفكر الانساني الجامع حيث الاختلاف مقبول والاحتضان مأمول والمساحات مفتوحة، والمرجعيات الدينية أو غيرها متاحة دون تقاتل أو محو بمنطق (لتعارفوا) ومنطق (ليتلطف) ومنطق (رحمة للعالمين) وبالنسبة لنا نحن العرب والمسلمون والمسيحيون المشرقيون لن نقفز الى مربع أفكار أوقيم او حضارات الآخرين فلنا ما يخصنا ويميزنا ولا فخرُ.
نعم إن للقوة بكافة أشكالها حدود ومن لا يرى ذلك سيسقطُ فريسة لهذه الفتنة، فتنة القوة وسيسقط فريسه لأوهامه سواء الفكرية أو النفسية أو حتى تلك المستقاة من بطون الكتب المقدسة، والبشرية ستظل تسير الى ما تقرره لا المدافع ولا الطائرات وإنما الى ما هو تعارف وتقبّل وتفهّم وانخراط كلي وحيث التمايز الحضاري مقابل التفاعل الانساني.