جبهة يهودية معادية للصهيونية

2025-07-13 08:36:46

حركة التاريخ لا تتوقف في صعودها اللوبي، وتحمل تحولات نوعية هامة في إعادة الاعتبار لقضية الشعب العربي الفلسطيني وكفاحه التحرري، حيث شكلت الإبادة الجماعية الإسرائيلية الأميركية والغربية عموما بعد السابع من تشرين اول / أكتوبر 2023 حافزا هاما في ولادة أول مؤتمر يهودي ضد الصهيونية، للتأكيد على أن "اليهودية ليست صهيونية" الذي عقد ما بين 13 و15 حزيران / يونيو 2025، بعد ان تم التمهيد له في النصف الثاني من نيسان / ابريل الماضي. وقالت الناشطة النمساوية اليهودية داليا ساريغ فيلنر، أحد أبرز المنظمين للمؤتمر، أن المؤتمر يهدف الى توحيد القوى بمختلف البلدان لزيادة الضغط على الحكومات ودفعها إنهاء تعاونها مع إسرائيل وانهاء الإبادة، وبينت ان المؤتمر له هدفان اساسيان، أولا إظهار أن انتقاد الصهيونية ليس معاداة السامية، وثانيا ضمان إيصال أصوات اليهود المناهضين للصهيونية الى جميع انحاء العالم بشأن القضية الفلسطينية. وأضافت "هذه (الإبادة الجماعية) هي بوضوح الذي يحفزنا، ويظهر لنا مدى الحاح التحرك، ويجب وضع حدٍ لها فورا، واردفت أن "الإبادة الجماعية بغزة هي السبب الرئيسي لتكثيف نشاطنا."
وأشارت فيلنر أن "المبادرة اليهودية ضد الصهيونية " ليست الحركة اليهودية الوحيدة المناهضة للصهيونية في العالم، مشيرة الى قيام حركات يهودية أخرى ضد الحركة الصهيونية منذ ظهورها وبعد قيام إسرائيل في 1948." وقالت إنها وزملائها أعضاء في منصة جامعة تحمل اسم "يهود من أجل العدالة للفلسطينيين" تضم عشرات الالاف من اليهود والعديد من الجمعيات في أوروبا. وعن سبب انعقاد المؤتمر في فيينا، اشارت داليا إن الاختيار وقع عليها لأنها مسقط رأس ثيودور هرتزل مؤسس الصهيونية ومهد انطلاقها، وقال أحد المنظمين للمؤتمر "هنا تأسست الصهيونية، وفي القاعة المقابلة ماتت فكرته".
ورغم محاولات السلطات النمساوية الحؤول دون عقد المؤتمر، ورفض أصحاب القاعات بالسماح بعقده فيها، الا ان إصرار القائمين على المؤتمر مكنهم من عقده في صالة افراح، ولم يستسلموا لإجراءات وتضيقات السلطات الرسمية التي شددت اسوة بالعديد من الدول الأوروبية الحصار على الأصوات المعارضة للإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني بعد السابع من أكتوبر 2023. وقد شارك في المؤتمر نحو 500 من الكفاءات والعلماء والنخب السياسية والأكاديمية والثقافية والفنية البارزة من يهود العالم، ومنهم إيلان بابيه، والممثلة الكوميدية الأميركية كاثي هالبر، والأكاديمي الكندي جاكوب رادكين، وعدد محدود من الشخصيات الفلسطينية، منهم غادة الكرمي، والدكتور رمزي بارود وسليمان أبو ستة.  
وشدد المؤتمر في بيانه الختامي على ضرورة بناء جبهة سياسية عالمية مناهضة للصهيونية، وتحرير الفلسطينيين واليهود من المشروع الصهيوني، وتحدي الرواية الرسمية المعتمدة في دول الغرب الامبريالي، كما دعا الى تشجيع المترددين من اليهود وغير اليهود، من الذين ترهبهم حملات الإرهاب والإجراءات البوليسية والرقابة الخانقة في دول الغرب، للانخراط في هذا الكفاح الإنساني.
ومما لا شك فيه، ان المؤتمر الأول المناهض للصهيونية يمثل الخطوة الأولى في مسيرة الالف ميل للقوى اليهودية المعادية للصهيونية، والرافضة لاغتصابها الديانة اليهودية، وردا على انتحالها صفة تمثيل يهود العالم، حيث لاحظنا قبل وبعد الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني انزياحا ملحوظا في أوساط الشباب من اتباع الديانة اليهودية في اميركا وأوروبا الرافضين لإسرائيل وابادتها الجماعية، ورفضا للصهيونية باعتبارها حركة رجعية واداة للغرب الامبريالي لتنفيذ مآربه في الوطن العربي انطلاقا من قاعدتها المادية إسرائيل النازية، فجاء صوت المؤتمر مدويا للرد على تلك الادعاءات والاكاذيب، وليشكل رافعة لأصوات المعارضة اليهودية الإسرائيلية الرافضة جرائم الإبادة والمحارق ضد الشعب الفلسطيني، التي خفت صوتها، حتى لم يعد مسموعا خشية من سوط النازيين الصهاينة وأجهزة الامن الإسرائيلية.
ومن المواقف اليهودية الهامة، قال ستيفن كابوس، الناجي من الهولوكست، "من عاش جحيم النازية لا يمكن أن يصمت عما تفعله اسرائي اليوم في غزة." وأكد المؤرخ الإسرائيلي ايلان بابييه "ما تقوم به إسرائيل ليس مجرد احتلال بل استعمار إحلالي وابرتايد وجرائم تطهير عرقي لا جدال فيها." وفي إطار الحوار داخل المؤتمر، قال أحد الحاخامات المتضامنين مع الشعب الفلسطيني بلغة عربية واضحة: أنتم يا أهل غزة أشجع من بني إسرائيل أيام فرعون. واكد المؤتمر في بيانه الختامي، ان إسرائيل نظام فصل عنصري استعماري إحلالي يشبه نظام الابرتايد في جنوب افريقيا، ودعا المشاركون لتشكيل ائتلاف يهودي فلسطيني أممي لإسقاط هذا النظام للفصل العنصري وبناء دولة ديمقراطية واحدة لجميع سكانها.
وكان اللافت للنظر، ان باحات المؤتمر مليئة بأغصان الزيتون، دون وجود أية اعلام لأي دولة، فتساءل أحد الضيوف من أوروبا الشرقية، هل نحن في مؤتمر سياسي أم في معرض زيتون فلسطيني؟ فرد عليه أحد الصحفيين "هذا الزيتون أصدق من كل أعلام الأمم المتحدة."
واثناء احدى الاستراحات بادرت سيدة يهودية نمساوية عمرها 91 عاما، نجت من المحرقة النازية، وصدحت بأغنية "موطني" باللغة العربية، وبعدما انهت الاغنية قالت، كنت أغنيها أيام النكسة، ولم أكن اعلم أنني سأغنيها ضد تل ابيب يوما."
بالنتيجة شكل المؤتمر الأول المعادي للصهيونية، صفعة قوية لإسرائيل وللحركة الصهيونية ولدول الغرب الداعمة والمساندة لها، وهاجمها بدءً من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وغيرها من الدول التي شكلت حصانة تاريخية للدولة الإسرائيلية اللقيطة والخارجة على القانون، ومثل بارقة أمل كبيرة في الدعم السياسي والقانوني والأخلاقي لكفاح الشعب العربي الفلسطيني، ودعما لحريته واستقلاله وسيادته على ترابه الوطني فلسطين، وشكل نقطة ضوء في نفق المرحلة الأكثر وحشية وظلما في تاريخ الصراع الطويل، وفتح الأفق أمام مزيد من التحولات الإيجابية التدريجية في دعم النضال التحرري الوطني الفلسطيني، واختراقا هاما في جدار الحركة الصهيونية الرجعية العنصرية.