السعودية ملتزمة بتعهداتها القومية

الأشخاص والأحزاب والدول ككيانات مستقلة وفي شروط اجتماعية واقتصادية وسياسية، عندما يتلبس الغرور أي منهم، ويشعر انه فوق القانون والنظام والمحاسبة، يصبح خطرا على نفسه وعلى أنصاره وعلى المجتمع، وفيما يخص الدول يكون خطرها أشمل وأعم، لآن غطرستها واستعلائها يتجاوز حدود النطاق القومي ليتمدد لدول الجوار والاقليم، وقد يكون تداعيات خطرها عالميا. ولهذا وجدت هيئة الأمم المتحدة ومنظماتها الأممية المتفرعة عنها، والمحاكم الدولية لضبط إيقاع وسياسات الدول، وحماية الدول والشعوب من آثام وجنون الدول النازية والفاشية والديكتاتورية، وصون السلم والامن العالميين، وإخضاع الدول المارقة والخارجة على القانون الى الملاحقة السياسية والديبلوماسية والعسكرية، إذا استدعت الضرورة استنادا للفصل السابع الذي هو من صلاحيات مجلس الامن الدولي، وفرض العقوبات الاقتصادية والتجارية والعسكرية.
من الدول النازية، المهددة للسلم والامن الإقليمي والدولي، والتي تقود إبادة جماعية على الشعب العربي الفلسطيني غير مسبوقة في العصر الحديث، راح ضحيتها حتى اليوم، على مدار 22 شهرا ما يزيد عن ربع مليون شهيد وجريح ومفقود ومعتقل فلسطيني جلهم من الأطفال والنساء والشيوخ من أبناء قطاع غزة، الدولة الإسرائيلية اللقيطة، التي فبركها وانتجها واقامها الغرب الامبريالي في الوطن العربي وتحديدا على أنقاض نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948، ومنذ قيامها، لا بل وقبل قيامها، عندما كانت مجموعة عصابات إرهابية: الهاجاناة والارغون، وليحي واتسل وغيرها شكلت خطرا داهما على الشعب الفلسطيني، وعلى شعوب الامة العربية، واشعلت نيران الحروب والموت والاغتيال والتدمير المنهجي للتنمية
ومن نماذج البلطجة والتحريض على العربية السعودية، صرحت نائبة وزير الخارجية الاسرائيلية، شارين هاكسل في مقابلة صحفية مع صحيفة "جيروزاليم بوست" أول أمس الجمعة 18 تموز / يوليو الحالي، بأن على السعودية أن تقرر ما إذا كانت تريد الانضمام الى دائرة الدول العربية المطبعة، أو البقاء في صف القضية الفلسطينية. في فصل تعسفي بين التطبيع وبين القضية الفلسطينية، مع ان شرط التطبيع مقرون بحل المسألة الفلسطينية، واستقلال دولة فلسطين، وفي تعقيب فج ووقح على اقتراب عقد المؤتمر الفرنسي السعودي الدولي حول حل الدولتين، اشارت الى ان "الرياض لن تنفذ عرض الدولة الفلسطينية الذي عرض عليها مرارا." وكأن لسان حالها الطعن في مصداقية قيادة المملكة العربية السعودية، وأردفت تلقي الكلام على عواهنه، دون مسؤولية وتجاه الدولة السعودية ذات الوزن الإقليمي الاستراتيجي، وهي صاحبة مبادرة السلام العربية التي طرحت في قمة بيروت العربية 2002، وتم مصادقة العرب عليها، ومع ذلك لجأت للتحريض الرخيص على مواقفها، عندما قالت، أن "هاجس السعودية ليس السيادة الفلسطينية، بل تدمير إسرائيل." في قلب للحقائق، وتناست ان دولتها المارقة والخارجة على القانون، هي ذاتها التي تعمل بشكل منهجي على تدمير كل بارقة سلام وتعايش بين شعوب المنطقة، وبإصرار إسرائيل على رفض استقلال وسيادة الدولة الفلسطينية على اراضيها المحتلة في الخامس من حزيران / يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، فأنها تبدد كل بارقة أمل يفتح أفق للسلام.
لكن هاكسل اسوة بقيادتها السياسية ترفض مبدأ السلام، وتسعى لفرض الاستسلام على العرب، وخاصة العربية السعودية، التي دعتها الى السير على خطى مصر والأردن والامارات والبحرين، التي اتخذت هذا الخيار، وعندما سُئلت عن إمكانية التطبيع دون الاعتراف بالدولة الفلسطينية، أكدت على ذلك. كما ادانت القمم الديبلوماسية، مثل تلك المخطط لها بين فرنسا والسعودية، ووصفتها بانها مجرد "دعاية فارغة قد تشجع حماس بدلا من حل الصراع." لأن عقد أي مؤتمر يشكل توترا للقيادة الإسرائيلية، كونه يميط اللثام أكثر فأكثر عن وجهها المعادي للسلام، ويكشف عوراتها امام العالم كدولة تمارس الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني دون رحمة، باستخدام أبشع أساليب النازية المعاصرة.
وعود على بدء، القيادة السعودية، المؤمنة بخيار السلام، سعت وتسعى لبناء جسور لمنطقة خالية من الحروب، ولهذا تبنت مبادرة السلام العربية، وتعمل على عقد مؤتمر نيويورك في نهاية الشهر الحالي لتعزيز وتكريس خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967، وبالتالي اتهام السعودية بما ليس من سياساتها وبرامجها، يعكس بلطجة ووقاحة إسرائيلية، وشكل رخيص من الابتزاز، والقاء التهم على القيادة السعودية لحرصها على الالتزام بتعهداتها القومية تجاه المسالة الفلسطينية، ورفضها التطبيع المجاني، واصرارها على ضرورة الربط بين التطبيع وبين التقدم في عملية السلام، وفقا لمحددات مبادرة السلام العربية، ولن تثنيها السياسة الصبيانية المشروخة الإسرائيلية عن التمسك بمواقفها كما اعلن عنها مرات عديدة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي.