إعلان الدولة الفلسطينية تحت الأحتلال ، من الرمزية السياسية إلى خارطة للخلاص الوطني .

2025-07-26 11:11:56

في ظل تصاعد المحرقة الإسرائيلية وجراىم الإبادة والتجويع في غزة بشكل يومي ، وتكرّس واقع الأستيطان والضم الزاحف والمتزايد في الضفة من خلال توصية الكنيست الإسرائيلي لحكومة الأحتلال ، وتآكل ما تبقى من اتفاق أوسلو المثير للجدل وطنيا . تعود إلى الواجهة فكرة "إعلان الدولة الفلسطينية تحت الاحتلال" كضرورة استراتيجية لا كرمزية عاطفية ، كنت قد كتبت حولها في مقالي السابق بعنوان "إعلان الدولة تحت الأحتلال وتشكيل حكومة إنقاذ وطني ، ضرورة كفاحية في مواجهة مشاريع اليوم التالي والتصفية " ،
 وهي دعوة لإعادة تعريف مشروعنا الوطني التحرري ، وتحويل أدوات السلطة الوطنية إلى مشروع تحرري مقاوم ، لا مجرد إدارة ذاتية او حتى اقل منها تحت السيطرة .

فرغم أن القرار الأممي رقم ١٨١ لعام ١٩٤٧ قد أقر مبدأ قيام الدولة ، وأن إعلان وثيقة استقلال الدولة الصادر في ١٩٨٨ في الجزائر بدورة المجلس الوطني الفلسطيني ، ومن ثم تحديد مكانتها كدولة غير عضو مراقب بالأمم المتحدة عام ٢٠١٢ قد تجسد من خلالهما مفهوم الدولة ، إلا أن أيّاً من هذين الحدثين رغم أهميتهما لم يُفض إلى تغيير جوهري في واقع الأحتلال الإستعماري ، ولا في شكل العلاقة معه ، التي ما زالت قائمة على التفوق الأستعماري الإسرائيلي والوظيفة الإدارية للسلطة الفلسطينية . أما اليوم ، فإن إعلان الدولة مجددا ، وتحديدًا "كواقع تحت الاحتلال"، هو جمع لكل مضامين تلك القرارات وتحسيدها وإعادة تعريف للصراع باعتباره تحرراً من أستعمار إحلالي ، لا جزء من مفاوضات سلام غير قائمة بالأصل  .

الجوهر في هذه الخطوة لا يتعلق بمكانة قانونية جديدة بقدر ما هو إعلان وظيفي ، يُحمّل إسرائيل بصفتها قوة أحتلال المسؤولية الكاملة عن الشعب الفلسطيني ، ويحوّل مؤسسات السلطة الوطنية القائمة إلى مؤسسات دولة مقاومة ، تبني مشروعها الوطني تحت الأحتلال ، لا من خلال التكيّف معه ، وفي هذا الخصوص لا بد من الإشارة الى المعطيات التالية : 
أولاً : مرتكز قانوني وسياسي قائم .
هذا الإعلان لا يتعارض مع القانون الدولي والقرارات الأممية السابقة ، بل ينسجم مع مبادئهم ، إذ لا يُفقد الأحتلال الدولة صفتها القانونية . لدينا اعتراف أممي متراكم بدولتنا ، لكنه ظل حبيس الدبلوماسية دون توظيف سياسي مقاوم . آن الأوان لتحويل هذا الاعتراف إلى فعل تحرري .

ثانياً : تحويل السلطة إلى أداة مقاومة .
لا يمكن إدارة مؤسسات الدولة تحت الأحتلال بعقلية التنسيق كأمر واقع لا يتغير والتبعية المالية . يجب القطيعة مع وهم الحكم الذاتي والتأسيس لمشروع مقاوم يستند إلى الصمود الشعبي ، ويكسر التبعية للمانحين وفق اشتراطاتهم كما ومع الضغوطات الأمريكية ووعودها الزائفة السرابية ، وينفصل عن الوظيفة التي فرضها اتفاق أوسلو المثير للجدل الوطني .

ثالثاً : إعادة بناء الشرعية الوطنية .
الإعلان عن "الدولة تحت الأحتلال"  لا يكتمل دون إعادة بناء الشرعية الوطنية على أسس ديمقراطية ومشاركة تمثيلية شاملة للفلسطينيين في الوطن والشتات بعد ان انتهاء مرحلة الشرعية الثورية ، وتفعيل واستنهاض منظمة التحرير كمظلة كفاحية وكجبهة وطنية عريضة ، لا مجرد هيكل سياسي رمزي . كما وعقد انتخابات كل الهيئات التمثيلية بتزامن وتشكيل مجلس دستوري تأسيسي للدولة والذي تم تناول الحديث بخصوصه سابقا .

رابعاً : الرد على مشروع الضم والتطهير العرقي .
تصويت الكنيست الإسرائيلي في ٢٣ تموز على ضم الضفة هو ذروة مسار  استعماري يتجاوز الرمزية . في المقابل ، فإن إعلان الدولة تحت الاحتلال يشكّل الرد السياسي الشرعي الوحيد القادر على إعادة توجيه الصراع إلى جوهره التحرري ، وليس إلى نزاع  حول مناطق واراضي .

خامساً : نحو صياغة عقد وطني جامع .
الإعلان عن "الدولة تحت الأحتلال" لن يكون فاعلاً دون توافق وطني واسع يدمج كل القوى السياسية والاجتماعية، خاصة فئات الشباب والمرأة ، ضمن برنامج تحرري جديد يجمع بين أدوات النضال المختلفة ويوحد الطاقات في مواجهة مشروع الإلغاء الاستئصالي الإسرائيلي .

سادساً : تحرر المفهوم من الجغرافيا .
الدولة ليست فقط حدودا على الأرض، بل مشروع سياسي وقيمي يمكن أن يُمارس حتى تحت الاحتلال كما جرى في تجارب حركات تحرر وطنية مختلفة ، إذا ما توفرت الإرادة السياسية الوطنية والقيادة النزيهة والمجربة بالكفاح الوطني والتي تحظى باحترام شعبنا عبر الانتخابات وعقد المؤتمر الثامن لحركة "فتح" لأستنهاض دورها كحركة تحرر وطني ودور كل الحركة الوطنية الفلسطينية ، كما وتوفر الاستراتيجية الواضحة الى جانب البرامج والأدوات .

إن إعلان "الدولة الفلسطينية تحت الاحتلال" لم يعد خياراً رمزياً أو تكتيكياً أو قائماً على عقلية الفهلوة ، بل ضرورة استراتيجية في مواجهة تفكيك القضيةالوطنية التحررية وتآكل أدواتنا السياسية . إنها خطوة لا تستهدف فقط تدويل الصراع على اهمية ذلك ، بل إعادة الاعتبار للمشروع الوطني التحرري ، عبر تحويل الأعتراف الدولي المتزايد ومنه الفرنسي القادم في ايلول إلى أداة كفاحية ، ومواجهة مشاريع "اليوم التالي" ومخططات التهجير والتطبيع والتدجين .

آن الأوان أن نتعامل نحن والعالم مع هذه الحقيقة بوضوح وجرأة ، فنحن شعب يملك دولة معترفا بها من ما يزيد اليوم عن ١٤٩ دولة اضافة الى المنظمات الأممية ، لكنها تحت الأحتلال . والمسؤولية الآن هي تجسيد الدولة إرادةً وسياسةً ونضالًا ، لا انتظار وهم التفاوض الذي لا تريده اسراىيل والعقاية الصهيونية التي لا تقبل لنا كشعب ، أو استمرار المراوحة في حدود السلطة الوطنية .

ولتكن الخطوة التالية أولاً وعاجلاً ، حوار وطني شامل يؤسس لـ"خارطة خلاص وطني"، تبدأ بحكومة إنقاذ ، وتنتهي بإعادة بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية تحت الأحتلال ، على قاعدة المقاومة والتحرر السياسية والشعبية والقانونية والدبلوماسية وفكر الاقتصاد المقاوم وحماية مصالح الناس وتأمين مقومات صمودهم ، لا التعايش مع القيد والشرط والأذلال