سلطة عاجزة وبقائها معجزة؟

الناس بطبيعتهم يميلون لتحميل الجهات المسئولية عن اي فشل في ادارة الشأن العام، ومن حق الناس ان تسجل ملاحظاتها بل من حقها ان يكون النقد لاذعا وقويا بحق من يدير البلاد و/او ما تبقى منها. الغريب بان النقد اللاذع تحول الى هجوم كاسح وقد يبدو انه منظم او على اقل تقدير يتساوق مع رغبات مختلفة لتصفية الوجود البشري والسياسي الفلسطيني.
مهما ادعى المنتقدين للسلطة يصدقه الناس وان كان ملفقا او كان غير ذي صلة بالحقيقة لان الناس تعودت ان تصدق كل رواية بحق السلطة ، وهذا امر طبيعي نتيجة تراكمات سابقة وطويله. اليوم المسألة بدات تختلف، فما بدأ بجنين وطولكرم واظهر عجز السلطة عن اداءها لدورها الامني انتقل اليوم الى الخليل ليشمل فشل السلطة في ادارة ازمة المياه وتكدس ازمة الشيكل وقانون الضريبة الجديد وازمة الرواتب. اللافت للانتباه ان هناك احتقان وهيجان شعبي ومؤسساتي لان ما يحصل ضرب قطاع التجار وجمهور السكان .
من يتصدر المشهد هم التجار، ناهيك عن ازمة الثقة الداخلية بعد طرح فصل الغرف التجارية عن الصناعية، وقد يكون هذا الامر احد محركات تفجير الازمة لدى الغرف التجارية المنتخبة، وما زاد الطين بله التصريح الصادر عن احد رجال الصناعة في فلسطين والذي طرح اسباب تكدس الشيكل لدى البنوك العاملة بصورة تدعم الادعاء الاسرائيلي بانها اموال غير معروقة المصدر!.
نحن بدورنا نطرح سؤالا مختلفا وان كان متصلا بالازمات، هل ازمة الشيكل سببها سلطة النقد؟ ام سببها البنوك؟ ام التجار انفسهم؟ وهل سببها كما يقول البعض تدفق السيولة من اهلنا داخل القدس وداخل حدود "اسرائيل" ام ان سببها التجارة البينية بين تجار الضفة وتجار اسرائيلين ؟ حتى وان اجتمعت كل هذه الاسباب، اليست التجارة او ما تبقى منها هو ما يعزز من صمودنا بغض النظر عن مصادر الشيكل؟ ولماذا نحن كمواطنين وممثلين عن القطاعات المختلفة نبحث عن اسباب الازمة ونعمل على تأويل مصادرها، لماذا ننشغل بهذه التفاصيل، ووزير المالية في دولة "اسرائيل" يصرح ليل نهار انه يريد ان تنهار المنظومة المصرفية.
البديل هو ان نفكر كيف نحمي المنظومة ونعزز من عملها وندرس بدائل المواجهة، لا ان ندعو الى استبدالها و/او تسليم المفاتيح للاسرائيلي، وكأن الاسرائيلي ترك لنا شئ لم يسيطر عليه عنوة.
لنضع المشاعر جانبا والغضب على اداء الحكومة امامنا والحنق على سلطة النقد والبنوك على شاشة العرض السلوكي. ونسأل سؤال واضح ومباشر، هل غياب هذه المنظومات من سلطة النقد واستبدال الحكومة وحل السلطة سيغير من موقف اسرائيل تجاه المجتمع الفلسطيني وتجاه المنظومة المالية؟ هل ان حلت اسرائيل مكان السلطة في ادارة المنظومة المصرفية سيؤدي الى حل كافة المشاكل المصرفية؟ وهل ستكون كافة البنوك في مأمن من اسرائيل؟ ولنذهب ابعد من كل ذلك، هل تسلبم المفاتيح كما يحلو للبعض ان يدعو له، سيحل مشاكلنا ام يزيدها؟ وهل بالفعل ستتحمل اسرائيل كما يقول البعض المسئولية؟ ام ستحل البلديات والمجالس المحلية واتحادات موردي المياه وعدد رجال الاعمال محل السلطة؟ وهل ستسجتيب اسرائيل لهم كما لم تستجيب من قبل؟ حتى لا نبتعد كثيرا، لدينا نموذج يتم التعامل مع في جنين، حيث يطلب الاسرائيلي بشكل مستمر التواصل مع جهات تمثيلية محلية في جنين ، فهل تعامل وتواصل الاسرائيلي غير من سياساته تجاه الوضع بجنين؟ ام انه ينقل لهم رسائل مباشرة ومحددة عن خطط الجيش في جنين؟ لنضيف تساؤل اخر هل فك المنظومة الادارية والامنية و/او ما تبقى منها سيوفر نوعا من السلاسة ام اننا سنصبح نبحث عن وسيط مع الاسرائيلي لاتمام معاملاتنا في مكاتب الارتباط من صحة وتعليم وهويات ومواصلات ونقل وتجارة، وهل الاموال التي سيتم تحصيلها بموجب المقاصة بالفعل ستذهب الى الشعب الفلسطيني ام انها ستعتبر جزء من اعادة التركيز الاستيطاني في الضفة. اذن من يدعو لفك السلطة او تسليم المفاتيح، يبحث عن الخلاص الفردي له، لانه يعتقد انه سيتواصل مع الاسرائيلي كما هو او غيره الان يفعل!!.نحن امام معركة سياسية وجودية تلبس شكل ادارة بالتفاصيل تاخذ ازمات متنوعة منها تكدس الشيكل والمياه والتنقل والهدم واعادة البنية الاقتصادية والاجتماعية في الضفة، واقتلاع الناس وتجويعهم وقتلهم في غزة
ازاء كل ذلك نقترح القيام بعدد من الخطوات نذكر منها:
1. ان تعلن السلطة بكافة مؤسساتها انها دخلت في مرحلة الخطر الوجودي والذي يتطلب اعادة تعريف الاولويات من حيث التعامل والادارة وطرق النشر والتعريف بصحة او عدم صحة المعلومات المتداولة، من خلال انشاء غرفة عمليات حقيقة، فنحن في حرب وجود، اليس من الاجدى ان نفكر بذلك؟
2. ان تقوم سلطة النقد والبنوك بالاعلان وبشكل واضح عن عقد لقاءات دورية مع القطاعات المختلفة وفي كل محافظة ونقل كافة التحديات الى غرفة ادارة الازمة داخل سلطة النقد والتواصل مع القطاعات المختلفة وتذليل ما يمكن تذليله، لا ان يكون الهدف من عقد الاجتماعات هو بث الهموم وتسجيل المواقف والحصول على ترندات لافضل المقاطع التي بها جبرا وكسرا للمواقف ضد او مع الازمة.
3. ان تقوم سلطة المياه بالاعلان عن التحديات التي تواجهها في ظل فصل الصيف في المحافظات المختلفة والاستعانة بكافة الموارد المتاحة ومنها تأميم الابار الخاصة ووقف السرقات لخطوط المياه والتي يتم جزء منها برضى من مراكز مختلفة وقد يكون بمباركة من جهات معروفة.
4. على السلطة بكافة مؤسساتها ان تنشر وبالارقام مصاريفها التشغيلية للجمهور حتى نسنطيع ان نراجع وندقق لاي تصريح يصدر من هنا او هناك، وتستطيع اي مؤسسة عاملة ملاحقة كل من ينشر معلومات خاطئة، وان يتمكن الجمهور من مساءلة الجهات الرسمية عن المصاريف التشغيلية وكيفية صرفها؟
5. الثقة مفتاح العمل، الناس للاسف فقدت الثقة بالسلطة ، لذا فان استعادة الثقة تتطلب خطوات حقيقية وذات مصداقية،لذا فان العمل مع الغرف التجارية والمؤسسات والنقابات في الخليل ابتداء وفي كل محافظة ثباتا وفي التواصل مع غزة بشكل كامل هي السبيل للنجاة من هذه المرحلة، لذا على كل مسئول ان يعيد حساباته وعلى كل وزير ومن في حكمه ان يدرك اننا نعيش في ازمة بل في كارثة حقيقة، وان تتوقف كافة البهرجات الاعلامية وتغطية احداث لا داعي لها، المهم ان تكون هناك خطوات حقيقية وفعلية وعملية ومنتجة ولها اثر، وكنا قد كتبنا ونعيد التأكيد عليها، لكن ايانا ان نتمنى او نعمل على غياب السلطة او تغييبها، لان "اسرائيل" ترغب بذلك، لذا علينا ان نتمسك بالحفاظ عليها والاستمرار في النقد والملاحقة لاي سلوك او قرار لا يتفق مع هذه المرحلة من قبل السلطة او الحكومة او مؤسسات منظمة التحرير. لنصعد من الرقابة ولنشدد من الانتقاد المبني على الحفاظ على ما تبقى لنا من وجود على هذه الارض،كفى تهورا في الدعوات وأن الاوان ان نراجع انفسنا وندافع عن وجودنا الفيزيائي لا ان نتحلل من كل ما يجمعنا، فالعالم تركنا وحيدين في غزة نموت مجوعين وفي الضفة نسقط قهرا وضيقا ماليا واقتصاديا ونفسيا، فهل نستيقظ؟ ونعيد اولوياتنا؟؟؟!!!