مناورة تجميل الجريمة

2025-07-27 15:38:54

كل تحسنٌ مهما كان مستواه على حياة أهلنا في غزة مرحبٌ به.

وكل طفلٍ اقترب من الموت بفعل قلة الغذاء والدواء ولكنه نجا، فهذا أيضاً مرحبٌ به.

وكل بيتٍ لم يهدم بعد وكتبت له النجاة من الدمار مرحبٌ به كذلك.

هذا هو رد فعلنا الأولي والإنساني على ما قيل عن تغيير في مستوى تقديم المساعدات لأهلنا، سواءٌ من حيث الكم والنوع وآليات التوزيع.

غير أن ما ينبغي أن يُعرف قبل ذلك وبعده هو الغرض من هذا الذي يحدث، فهو ليس تغييراً في نهج الإبادة الذي يوشك على إكمال سنتين بلا توقف، وليس صحوة ضميرٍ ممن لا ضمير لهم أصلاً، وإنما لإرخاء الحبل الدولي المشدود على عنق إسرائيل جرّاء مضيها في القتل والتجويع والتدمير.

ولا يخلو الأمر من محاولةٍ لتغطية موقف الرئيس ترمب، الذي يرغب في الظهور بمظهر من يوقف معاناة الناس، ليس بإنهاء الحرب بل بزيادة المساعدات ليس إلا.

سنتان من القتل الجماعي وإيصال أكثر من مليوني إنسان إلى مجاعةٍ مخططٍ لها، حتى صارت ضرورةً من ضرورات حرب الإبادة، لن تُمحى من ذاكرة العالم لمجرد تظاهرةٍ بإسقاط بعض غذاءٍ من الجو والسماح بشاحناتٍ بالدخول بعد احتجازٍ طويل الأمد في الصحراء، ما أدّى إلى تلف معظم محتوياتها ودفنها في باطن الأرض.

ولن يُمحى من الضمير العالمي المثقل بعقدة الذنب والعجز في الزمن الذي صار فيه قتل الأطفال مجرد أخبارٍ مكررة في وسائل الإعلام.

الجرائم تظل جرائم، مهما غُلّفت بأدوات التجميل، ولن تزول من التاريخ لا بالتقادم ولا بالنسيان، وهذا ما يتعين على قادة إسرائيل إدراكه بعد كل ما فعلوا عن قصد وسبق إصرار، فآلاف الأطفال الذين قضوا جوعاً ومرضاً وقتلاً سيظلون على مر التاريخ يؤرقون البشرية والإنسانية على ما اقترف في ظل التواطؤ والعجز، وسيظل الاتهام والإدانة يلاحقان إسرائيل إلى ما لا نهاية.