إسرائيل تُألب مشاعر الفلسطينيين على الأردن.. يجب التحرك الآن

صدمت طوابير المغتربين الفلسطينيين العائدين لبلادهم لقضاء الإجازات الصيفية، اليمين الإسرائيلي الذي فَعلَ كلَّ شيء لخلق بيئة طاردة في الضفة الغربية، واعتقد هذا اليمين أن حلمه القديم الجديد بدأ يتحقق، وإذا بالفلسطيني المقيم في الخارج يعود مع عائلته للقاء الأهل والأحبة وهو يعلم أن بانتظاره حواجز وبوابات وإرهاب مستوطنين واعتداءات لا حصر لها.
ومع فشل أوهام اليمين المتطرف في تنفيذ التهجير القسري بفضل الصمود الأسطوري للفلسطينيين ومواقف أشقائهم في مصر والأردن، إلا أن إسرائيل تعمل دون كلل -بالإبادة والتدمير والتجويع وزرع اليأس- على التخلص من أصحاب البلاد غربي النهر، وتريد أيضا منع الفلسطيني المغترب من العودة ولو كانت عودة مؤقتة، وهي تفعل ذلك بإجراءات غير مباشرة تتسبب بمعاناة لا توصف للعائدين على الجسر، ويبدو واضحا التعمد في تصدير الأزمة إلى الأردن.
وفي إطار سياسات التهجير المعلنة، تكمن مشكلة إسرائيل مع العائدين وليس مع المغادرين، لذلك تبدو حركة المغادرة ورغم ساعات الانتظار أكثر سلاسة مقارنة مع جحيم العودة، الإغلاقات المفاجئة للجسر من جانب الاحتلال الإسرائيلي، تتسبب بتكدس المسافرين بمن فيهم الأطفال وكبار السن وأصحاب الاحتياجات الخاصة في ظروف مزرية لساعات تحت أشعة الشمس الحارقة في الغور الملتهب، ودون إشعار مسبق بالإغلاق عبر تطبيق "ذكي" لأصحاب الحُجوزات، مشاهد لا تحتمل لحالات الإغماء وآثار الإجهاد الحراري، هذا فضلا عن الآثار النفسية والمادية، إذ يضطر بعض المسافرين للبقاء والمبيت في الغور دون مقومات حياة لأنهم لا يملكون تكاليف العودة إلى عمّان.
إسرائيل المحكومة بعقلية اليمين المغرور، تعمل على هندسة المشهد من خلال التحكم بانسيابية حركة العائدين، وتفرض عددا محددا من المسافرين وساعات عمل محدودة، وتقرر الإغلاق المفاجئ والمزاجي، والنتيجة أن الحصة الأكبر من المعاناة تحصل عند الجانب الأردني، لدرجة أن الفلسطيني البسيط يعتقد أحيانا أن الأردن هو الذي يتسبب بمعاناته، وهذا ليس استنتاجا من كاتب هذه السطور، إنما نقل لما يقوله كثير من المسافرين ومن عدة شرائح مجتمعية وأعمار مختلفة. ما تقوم به دولة الاحتلال محاولة مدروسة لإشعال الغضب وزعزعة الثقة في إطار الاستهداف السياسي للأردن ومكانته ودوره، ولكن ليس وظيفة كل فلسطيني أن يكون محللا سياسيا.
وبلا مواربة، تساهم السلوكيات الخاطئة التي تتزامن مع المعاناة القاسية في تأجيج المشاعر، وسال حبر كثير وامتلأت حوائط التواصل الاجتماعي بشهادات عن استغلال غير مقبول يتعرض له المسافرون من أشخاص غير رسميين يتواجدون على الجانب الأردني من جسر الملك حسين، ولا داعي لإعادة التذكير بها في هذا المقال. كما أن ترك المسافرين تحت أشعة الشمس الحارقة لساعات بعد أن قاموا بكل ما هو مطلوب منهم من الحجز المسبق للمواعيد أمر غير مقبول، صحيح أن السبب الأول والأخير في المعاناة هو إسرائيل، بسبب تعمدها اغلاق الجسر قبل ساعات من الموعد المحدد أو الاكتفاء بعدد معين من المسافرين، لكن تخفيف المعاناة عن الناس أمر ممكن، مظلات وبعض المكيفات الصحراوية وتوفير مراحيض ومقومات تحفظ الخصوصية للنساء والفئات الضعيفة... تخفف إلى حد كبير، وتحد من محاولة العبث بوعي الفلسطيني. ولا يوجد ما يمنع من تنفيذ ذلك الآن؟
تُروج بعض أوساط اليمين الإسرائيلي لفكرة أن إسرائيل دفعت ثمنا باهظا بسبب حرب الإبادة في قطاع غزة، من حيث التراجع الحاد في السمعة الدولية، والخسائر الاقتصادية والبشرية، وأن الفرصة أصبحت سانحة لإحداث أثر استراتيجي في الصراع وتجاهل الضغوطات الدولية، واقع كهذا يحد من هامش المناورة أمام الدولة الأردنية في الضغط من أجل فتح "الجسر" لساعات أطول، أو لمنع تحديد عدد المسافرين يوميا، ولكن الفلسطيني -غالبا- لا يعرف هذه الحقيقة. يتطلب الأمر بناء سردية إعلامية فلسطينية - أردنية مختلفة، وهو أمر ممكن أيضا، إذ ينطلق كثير من الناس في بناء مواقفهم من معطيات لم تعد موجودة في ظل تمادي الوحشية الإسرائيلية والتغطية الأمريكية المطلقة.