مركز "شمس": اغتيال الصحفي أنس الشريف وزملائه: جريمة حرب لإسكات الحقيقة وتحدٍ صارخ للقانون الدولي

أدان مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية "شمس" جريمة اغتيال ستة صحافيين فلسطينيين وهم أنس الشريف ومحمد قريقع ومحمد الخالدي وإبراهيم ظاهر ومؤمن عليوة ومحمد نوفل في غزة ، في جريمة جديدة تضاف إلى السجل الدموي للاحتلال الإسرائيلي. لقد كان هؤلاء الصحفيون، كما آلاف الصحفيين الفلسطينيين عبر العقود، يؤدون رسالتهم في فضح الانتهاكات ونقل الحقيقة إلى العالم، متحدّين الخطر اليومي المتمثل في القصف والاستهداف المباشر. إن استهدافهم ليس حادثاً عرضياً أو ضرراً جانبياً كما يحاول الاحتلال ترويجه، بل هو فعل متعمد يندرج ضمن سياسة ممنهجة لإسكات الكلمة الحرة ومنع وصول الصورة والصوت الفلسطيني إلى المجتمع الدولي. وبذلك يرتفع عدد الشهداء من الصحفيين على يد الاحتلال إلى (238) شهيداً بحسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.
وشدد مركز "شمس" أن القانون الدولي الإنساني، وبالأخص اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الإضافية، يولي الصحفيين الذين يغطون النزاعات المسلحة حماية خاصة بوصفهم مدنيين.وذلك استناداً للمادة (79) من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 ، والتي تنص بوضوح على أن الصحفيين يجب أن يتمتعوا بجميع الحماية الممنوحة للمدنيين، ويحظر استهدافهم أو عرقلة عملهم. كما ويأتي قرار مجلس الأمن رقم (2222) لعام 2015 ليعزز هذه الحماية، إذ يؤكد التزام الدول بحماية الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام في مناطق النزاع، ويدعو إلى إنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضدهم، ويشدد على ضرورة محاسبة جميع المسؤولين عن هذه الانتهاكات الجسيمة. إن اغتيال أنس الشريف وزملائه يشكل انتهاكاً صارخاً لهذه القواعد الملزمة، ويكشف مجدداً استخفاف إسرائيل السافر بالمنظومة القانونية الدولية وقرارات مجلس الأمن، بل وتحديها الصريح للمجتمع الدولي.
كما أن هذه جريمة اغتيال الصحفيين الستة هي جريمة حرب مكتملة الأركان بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي يعتبر استهداف المدنيين العمدي في النزاعات المسلحة جريمة جسيمة. ويقع على عاتق المجتمع الدولي، وبالأخص الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف، التزام قانوني وأخلاقي بالتحرك العاجل لمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم. كما أن المنظمات الدولية المعنية بحرية الصحافة وحقوق الإنسان مطالبة بممارسة ضغوط سياسية وقانونية لإجبار إسرائيل على الالتزام بالقانون الدولي، وتوفير آليات حماية فعالة للصحفيين في الميدان.
وقال مركز "شمس" أن الصمت الدولي على هذه الجرائم، وعدم تفعيل آليات المساءلة، يمثل عاملاً مشجعاً للاحتلال على المضي قدماً في سياسة الإفلات من العقاب، وبالتالي فإن تقاعس مجلس الأمن عن تنفيذ قراراته، وفشل المجتمع الدولي في فرض إجراءات رادعة، جعل من حماية الصحفيين الفلسطينيين أمراً شكلياً لا يتجاوز البيانات والتصريحات. هذه الازدواجية في المعايير، تضع مصداقية النظام الدولي على المحك، وتكشف عن عجزه أو عدم رغبته في حماية المدافعين عن الحقيقة.
وقال مركز "شمس" أن هذه الجريمة لا يمكن قراءتها بمعزل عن السياق الأوسع لسياسة الاحتلال تجاه الإعلام الفلسطيني، والتي تشمل التهديد المستمر، والمنع من التنقل، وحجب البث، واستهداف مقار المؤسسات الإعلامية، وحملات التحريض ضد الصحفيين. فاغتيال الصحفيين في الميدان يهدف قبل كل شيء إلى حجب الحقيقة عن العالم، وإخفاء الأدلة على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكب بحق المدنيين الفلسطينيين. إنه محاولة لعزل غزة عن أنظار العالم، وفرض تعتيم إعلامي كامل يتيح للاحتلال ارتكاب مزيد من الانتهاكات في الظلام، بعيداً عن أعين الكاميرات وشهادات المراسلين.
وأوضح مركز "شمس" أن دولة الاحتلال تدرك أن الصورة والكلمة يمكن أن تكون أقوى من الرصاصة، وأن توثيق الجرائم يشكل مادة أساسية لملفات الملاحقة القضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية والمحاكم الوطنية التي تعتمد مبدأ الولاية القضائية العالمية. لذلك فإن استهداف الصحفيين هو جزء من إستراتيجية أوسع لإزالة الشهود الميدانيين، وإضعاف القدرة على جمع الأدلة، وتشويه أو طمس السردية الفلسطينية لصالح رواية الاحتلال. هذا السلوك الممنهج يعكس إدراك المؤسسة العسكرية الإسرائيلية أن خسارتها في ميدان الرأي العام العالمي قد تكون أكثر فداحة من أي خسارة ميدانية، ولذلك فإنها تتعامل مع الكاميرا كتهديد استراتيجي يستوجب التصفية الجسدية لحاملها.
وأن الاستمرار في التهاون مع استهداف الصحفيين سيعني أن الميدان سيشهد المزيد من الجرائم، وأن الرسالة التي تصل إلى الأنظمة القمعية حول العالم هي أن قتل حامل الكاميرا أمر ممكن بلا محاسبة. ولذلك فإن واجب جميع الأطراف الدولية، حكومات ومنظمات ومؤسسات إعلامية، أن تتعامل مع جرائم اغتيال الصحفيين الفلسطينيين بوصفها جرس إنذار يستدعي تحركاً عاجلاً وحاسماً، لوضع حد لهذه الممارسات الإجرامية.
وطالب مركز "شمس" المنظمات الدولية، وفي مقدمتها مجلس الأمن والأمم المتحدة، بتفعيل قراراته الخاصة بحماية الصحفيين بشكل عملي وملموس، من خلال تشكيل آلية دولية خاصة لمراقبة وحماية الصحفيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأيضاً مطالبة مكتب الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية إلى فتح تحقيق عاجل وشامل في جرائم استهداف الصحفيين الفلسطينيين، واعتبار هذه الانتهاكات جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما يستوجب اتخاذ إجراءات قضائية بحق المسؤولين الذين أمروا أو نفذوا أو سهلوا هذه الجرائم، لضمان عدم إفلاتهم من العقاب. وأيضاً الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف بضرورة الوفاء بالتزاماتها القانونية المنصوص عليها في المادة الأولى المشتركة، ومطالبة اليونسكو وسائر المنظمات الدولية المعنية بحرية الإعلام، وفي مقدمتها لجنة حماية الصحفيين ومراسلون بلا حدود ، بإيفاد بعثات ميدانية عاجلة إلى قطاع غزة والضفة الغربية لتقصي الحقائق حول الانتهاكات، وتوثيقها بشكل مستقل، إضافة إلى توفير معدات وقاية ودعم لوجستي وتقني للصحفيين العاملين في بيئة النزاع المسلح، بما يعزز قدرتهم على أداء مهامهم بأمان.