الصُحَفيُّ يوثّق موتَه

***
الصُحَفيُّ هو الخَبرُ الطَّازَجُ..
مِئتان وأكثر!
هل يكفي؟
أم سيواصلُ قصفَ الكاميرا،
والعشراتُ ستمضي للغَيبات؟
كان يبثُّ الأخبارَ،ويلهجُ بالفَحْمِ الضاري،
وتكادُ الدمعةُ أن تسقطَ من شفتيهِ،
يشيرُ إلى أعدادٍ لا حصر لها ماتت تحت القصفِ المكرورِ،
ولم يتوقّع أن يَدْهَمهُ الصاروخُ،أمام الأعينِ..فتشظّى!
لم يبقَ له ظِلٌ،والأحرفُ راحت تتصادى وتنوءُ..
وكان العالَمُ يتفرّجُ كيف يموتُ الصُحفيُّ بغزّةَ!
(قد عبّرَ عن أسفٍ أو لم يأبه،أو صَفَّرَ من هَولِ المشْهدِ،
أو لم يُبْدِ ردوداً..فالقتلى أكثر من أن يُدْهشَه المقتولُ،
وَمَن ماتَ كمَن ماتوا،أكواماً للجرّافات..)
الصورةُ وصلتْ،ويريدُ لها القاتلُ أن تصبحَ بيضاءَ،
وتبقى المذبحةُ بعيداً عن عينِ الحُرّاسِ،
شُهودِ الحقِّ،بلا غايات..
والشاهدُ صُحفيٌّ تحتَ سماءٍ تنفجرُ..
ويحرصُ أن يبقى في عينٍ داميةِ الجبهاتِ،
يكونُ لصيقاً بالدَمِ والنارِ الدّامغةِ..
ولكنَّ القاتلَ يكذبُ..فيؤلِّفُ،لا يعكسُ ما يجري،
قد خلطَ الباطلَ بالوَهْمِ!
هنا أهواءُ العُقْمِ،وذَرُّ رمادِ الغَفْلَةِ والمأساة!
ويَقتحمُ الحارسُ..لا يخشى الفزعَ الأكبرَ،
ويسَلّطُ ضوءَ الكَشْفِ على اليومِ المَشهودِ،
وينقلُ أهوالَ الغاشيةِ،وما خفيَ على النّاظرِ،في الطَيَّات..
وقد أَزِفَ حسابُ الآخِرةِ!
هنا الجَمْعُ المُلتَحِمُ؛
فَمَن زُحْزِحَ عن منظارِ القنّاصِ فقد فازَ،
ومَن جاءَ ليأخذَ ما ليس له،فَالرَمْيات..
هنا أرضُ المعركةِ،
ويومُ الفَصْلِ المشبوبِ بقارعةِ الحَشْرِ،
وتلك علاماتُ النّبأ الأعظمِ..
ونرى ما قالَ الصُحفيُّ وجابَ من الساحاتِ..
سيُنْكِرهُ الجيشُ،ويقصفُ..
قد يتكوّمُ رجلٌ آخَرُ إنْ حاولَ إنقاذَ الصُحفيّ،
وإنْ وصلَ المشفى،فالقصفُ لكلِّ عيادات المبنى!
..يأتون..ويُعتَقَلُ نَطاسِيٌّ،لا ذنبَ لهُ
إلا ما فَعَلَ ليُسْعفَ مذبوحَ الكلمات.
..وقد ساقوا الآلافَ إلى التفتيشِ العَاري!
هاكَ أمورٌ أُخرى لم تَرَها الكاميراتُ..
***
تهدَّجَ صوتُ الناطقِ،أو خُسِفَ الضوءُ،وسادَ الصمتُ..
وثمّةَ مَن أَكَّدَ أنَّ الشاهدَ مات.
..ودون مقدّمةٍ،ملأ المشهدَ!
كان يُخاتِلُ صاروخاً همجيّاً آخَرَ،
وتخطّى العقباتِ،وسلّطَ عينَ الكاميرا نحو أزيزٍ
مزّقَ سربَ جنودٍ هربوا نحو الشرقِ..
وعاد الصُحفيُّ بكلِّ السَرديّاتِ..ليثبتَ
أنَّ بيانَ النَصْرِ سيتلو تقريرَ الإثبات.