ثلاثة محاور لمواجهة التحديات والتحولات واستعادة زمام المبادرة ..

أولا: إن وحدتنا الوطنية ليست خيارا ترفيا أو مطلبا هامشيا، بل تمثل ركيزة جوهرية وضرورة وجودية لمشروعنا الوطني التحرري، فمن دونها، يبقى هذا المشروع مهددا بالتآكل والتبدد، وفي ظلها، فإن أفق التحرر وإقامة الدولة المستقلة يغدو أكثر قربا وإمكانية. إن الوحدة الوطنية تضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته، وتسقط الذرائع التي طالما إستند إليها لتبرير تقاعسه، كذريعة الإنقسام الداخلي، كما أن حشد الطاقات السياسية والدبلوماسية يعد شرطا أساسيا لضمان نجاح العملية التفاوضية وتعزيز فعاليتها، وعليه فإن الأولوية الملحة في هذه المرحلة تتمثل في بناء لحمة فلسطينية حقيقية، على قاعدة الشراكة الوطنية والتعددية السياسية، من خلال صياغة إستراتيجية وطنية شاملة، توحد الجبهات وتعزز الشرعية السياسية، بما يتيح إستثمار الموارد بشكل أمثل، ويقوي عناصر الصمود، وصولا إلى تحقيق المصلحة الوطنية العليا.
ثانيا: يشكل العرب الفلسطينيون داخل الخط الأخضر مكونا أصيلا وفاعلا لا يمكن إنكاره في المشهد السياسي، فهم ليسوا مجرد إمتداد جغرافي، بل ركيزة من ركائز المشروع الوطني التحرري، وبالتالي فإن الساحة السياسية الفلسطينية داخل إسرائيل تعد رديفا مهما للنضال من أجل التحرر. إن وحدة الأحزاب العربية تحت قيادة ذات حضور وكاريزما كالنائب أيمن عودة لا تعني فقط تجميع الأصوات، بل تعبر عن نضج سياسي متقدم، وقدرة على المناورة البرلمانية، والتأثير الفعلي في مسارات صنع القرار داخل الكنيست، ورغم التحديات، من خلافات أيديولوجية بين المكونات الحزبية، إلى حملات التحريض والإقصاء من اليمين المتطرف، مرورا بعراقيل قانونية وإعلامية تهدف إلى إضعاف الحضور العربي، فإن نجاح هذه القائمة وتماسكها، قد يفضي إلى نتائج مفصلية، قد تصل إلى 15 أو حتى 18 مقعدا، مما يمنحها ثقلا حاسما في ميزان القوى داخل الكنيست، وهنا يمكن أن تتحول هذه القائمة إلى "بيضة القبان" في معادلة الحكم، حتى وإن إختارت عدم الدخول في أي ائتلاف حكومي، وهو ما يعزز قدرة الصوت العربي على حماية مصالحه وإنتزاع حقوقه، ويعيد الإعتبار لفاعليته السياسية كجزء من المشروع الوطني الأشمل.
ثالثا: إن الإنتقادات العلنية التي وجهتها الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وعدد من الدول الأوروبية لإسرائيل، عقب قصف كنيسة كاثوليكية في غزة خلف قتلى وجرحى من أبناء الطائفة المسيحية، وكذلك الإعتداءات الإستيطانية التي إستهدفت بلدة الطيبة شرق مدينة رام الله خلال شهر تموز الماضي، شكلت تحولا لافتا في لهجة الخطاب الغربي، خصوصا موقف الرئيس ترامب وما صدر عن مكتبه، فقد شهدنا مواقف غير مسبوقة، كزيارة السفير الأمريكي لدى إسرائيل في 19 تموز لبلدة الطيبة، واصفا ما حدث بأنه "فظيع" ومطالبا بإعتقال الجناة وتقديمهم للعدالة، ومشاركة بطاركة القدس في زيارات تضامنية رفيعة المستوى لغزة والطيبة، برفقة سفراء فرنسا وبلجيكا وإيطاليا، حيث وصفوا الإعتداءات بأنها "تحيز إستيطاني منظم"، مما إستدعى قيام رئيس حكومة الإحتلال بالإتصال بالبابا "ليو"، وقيام إسرائيل بالإعتذار. إن هذا التحول في الخطاب الغربي إزاء ما جرى في غزة والطيبة، لا يجب إعتباره مجرد رد فعل عابر، بل هو مؤشر على أهمية الإنخراط الفعال لشخصيات إعتبارية، خصوصا رجال الدين المسيحي في لعب دور دبلوماسي وطني داعم لقضيتنا العادلة. إن لهذا التدخل وزنا أخلاقيا وسياسيا كبيرا، خاصة عندما يصدر عن شخصيات لطالما عرفت بمواقفها الداعمة لإسرائيل، مما يعكس بداية تغير محتمل في المزاج السياسي الغربي، قد يكون فيه للمكون المسيحي الفلسطيني دور ريادي، بل وفضل في كسر جدار الصمت، ودفع الرأي العام الدولي نحو مواقف أكثر عدالة وإتزانا، خصوصا خلال فعاليات الأمم المتحدة في أيلول القادم لأجل القضية الفلسطينية.