دستور الدولة الفلسطينية القائمة تحت الاحتلال

إن فكرة إعلان تجسيد أو تحرير دولة فلسطين القائمة، لكنها تحت الاحتلال لطالما تحدثنا وكتبنا عنها، وغيري عدد من الكتاب لأن مصطلح "حل الدولتين" الذي هو مقترح أو صيغة أمريكية لا يقول الواقع مطلقًا، وكأن هناك مساواة بين دولة قائمة وأخرى يُمنع التصريح بقيامها أصلا خاصة من الأمريكي والإسرائيلي. وعليه فإن منطق التركيز الأصح هو على الدولة المغبونة، أوالقائمة (بالحق الطبيعي والتاريخي والقانوني واعتراف العالم) لكنها تحت الاحتلال وتحتاج لاستقلالها، وهنا يعتدل الطرح ويفهم في سياقه الصحيح. وليس ربط قيام الدولة الثانية بشروط تعجيزية وبأمن الأولى الى الأبد فلا تقوم!
القرار 181 الذي استند عليه المجلس الوطني الفلسطيني ليعلن الخالد الراحل ياسر عرفات قيام دولة فلسطين بالجزائر عام 1988م والذي جلب اعترافات العالم هو الأصل والذي استند عليه أيضًا الرئيس محمود عباس في كل لقاءاته ومؤتمراته وفي الأمم المتحدة حتى تجلت الدولة الفلسطينية عضوًا مراقبا عام 2012م. إن قرار التقسيم لأرض فلسطين يقرّ بوجوب قيام دولتين على أرض فلسطين، الأولى قائمة وان بالقوة والتوسع، وبالاعتراف. والثانية غير محررة، أو غير مجسدة وبرسم الاستقلال وهي الأصل أن يندفع العالم لتصحيح جزء من الظلم التاريخي لتقوم.
لطالما ردّد الأخ د.ناصر القدوة منذ أكثر من 10 سنوات ضرورة تبني فكرة تجسيد أو تحرير دولة فلسطين أو الدولة الفلسطينية القائمة، لكنها تحت الاحتلال وبالتالي تحقيق استقلالها بدل صيغة "حل الدولتين" فتصبح المطالبة مستحقة لتحقيق الدولة على الأرض وتحريرها من الاحتلال وتجسيدها أي لا يقف الأمر عند حد الاعتراف فهي قائمة ومعترف بها من غالب العالم. وعليه فإن الانطلاق هو باتجاه دعم العالم لإزالة الاحتلال عن الدولة الفلسطينية القائمة تحت الاحتلال وتحقيق استقلالها.
ما يتردد حول قرار الرئيس محمود عباس "أبومازن" الانطلاق خلال فترة وجيزة قادمة لإعلان دولة فلسطين قائمة والمطلوب تحريرها أو تجسيدها أو إزالة الاحتلال عنها، وبالتالي ما قد يُفهم على أساسه نقل السلطة (الحكم الذاتي المحدود) من مربع القائم بأعمال الدولة الى تسليم كل أمورها لهذه الدولة القائمة لكن المحتلة هو منطق بالاتجاه الصحيح.
مما يجدر الإشارة اليه أن الأخ الرئيس ياسر عرفات أبوعمار كان بصدد تحويل السلطة (الحكم الذاتي المحدود) الى الدولة الفلسطينية عام 1999 م (نهاية اتفاق أوسلو الانتقالي والبدء بمباحثات الحل النهائي) ولكن الظروف السياسية المختلفة التي انتجت كامب ديفد 2 الفاشل، ولقاءات ابوعمار-باراك اللاحقة ورأي فلسطيني بالتريث قد أجلت الوضع. الا أن العمل لوضع الدستور كان قد انطلق فعلا وترأس اللجنة الأخ د.نبيل شعث وثلّة من القانونيين، ومن أعضاء المجلس التشريعي وأيضًا بمساهمة قانونيين عرب ودوليين الى أن وصلنا عام 2003 للتعديل الثالث لمسودة الدستور الفلسطيني المقترح.
في ندوة نظمها الأخ صخر حبش (24/6/1999م) قال د.نبيل شعث بصفته رئيس لجنة اعداد الدستور للدولة ببداية الندوة "هذا الموضوع واعلانه، جاء أساسا بمناسبة الاعلان عن نية القيادة بإعلان الدولة، لذلك لجنة الدستور مرتبطة تماما بمسألة اعلان الدولة الفلسطينية المستقلة" مضيفًا: كانت "نيتنا الاعلان عنها في 4/5/199م، وهذا التاريخ هو موعد انتهاء المرحلة الانتقالية، ما فتح مجالًا للإعلان عن نيتنا اعلان هذه الدولة في التاريخ المشار اليه، سواء انجزت مهام مفاوضات الحل النهائي أم لم لا." الى أن أعلن المجلس المركزي التأجيل وأضاف قائلًا: "اما بخصوص لجنة الدستور فهذه في بداية تشكيلها وبموجب التفويض الذي حصلت عليه، ستعمل بشكل وثيق مع اللجنة العربية برئاسة أمين عام الجامعة العربية الدكتور عصمت عبد المجيد، وهذا يثبت أننا لن نتخلى عن انتمائنا العربي والمساعدة العربية في صياغة دستورنا يعطينا دعما سياسيا كبيرا" ثم ختم بالقول: "ان اعلان الدولة التي هي من مهمة المجلس المركزي، ليست مرتبطة بإنجاز الدستور، إذ قد تعلن وتستند إلى وثيقة الاستقلال والى المبادئ الاساسية في مشروع القانون الأساسي".
عموما قام د.نبيل شعث عضو مركزية فتح وعضو المجلس التشريعي آنذاك ورئيس لجنة اعداد الدستور بكل ما يلزم حتى كانت النسخة الثالثة المعدلة للدستور الفلسطيني والتي تم نشرها (في 4/5/2003م) متكونة من 190 مادة مع كل الشكر من الدكتور نبيل لمصر أساسًا (ولبنان والسعودية) وكل القانونيين المصريين والعرب والأجانب بالاسم الذين اشتركوا في هذا العمل الضخم إضافة للجنة الفلسطينية المعنية بالموضوع.
وهذا ما كان من البند الأول بالدستور المقترح أن: "فلسطين دولة مستقلة ذات سيادة، نظامها جمهوري، وإقليمها وحدة لا تتجزأ بحدودها عشية الرابع من حزيران / يونيو 1967 دون إخلال بالحقوق التي أكدتها القرارات الدولية الخاصة بفلسطين، ويخضع جميع المقيمين على هذا الإقليم للقانون الفلسطيني وحده دون سواه." وفي المادة 3 أن "فلسطين دولة محبة للسلام، تدين الإرهاب والاحتلال والعدوان، وتدعو لحل المشكلات الدولية والإقليمية بالطرق السلمية، وتلتزم بميثاق الأمم المتحدة."