السلطة الفلسطينية وإدارة غزة

حماس ستغادر حكم غزة طائعةً أو مكرهة، وإسرائيل ستغادر غزة عاجلاً أم آجلاً، بفعل التكاليف الباهظة لاحتلالها الدائم.
تقول بديهيات السياسة أن الفلسطينيين من سيديرون غزة، بحكم أنها جزءٌ لا يتجزأ من الحالة الفلسطينية العامة، سواءٌ كان عنوانها السلطة أم المنظمة أم الدولة.
أمّا الجغرافيا فلها الكلمة الأعلى، إذا ما جرى بحثٌ لدورٍ عربيٍ ودولي، في شأن إدارةٍ مؤقتةٍ لغزة، فيما اصطلح على تسميته باليوم التالي.
وهنا تتصدر مصر المشهد، داعمةً للحالة، بل وضامنةً لها، بما لا تستطيع أمريكا وإسرائيل في نهاية الأمر، الاعتراض على دورها، فمن غيرها يمتلك حدوداً لصيقةً بغزة، ومعبراً وحيداً منها وإليها، ومن غيرها أدار غزة فترةً طويلةً ويعرف كل صغيرة وكبيرة فيها وعنها، ثم إن مصر ترتبط بمعاهدة سلامٍ مع إسرائيل.
والآن ونحن على أبواب العام الثالث من الحرب، يطرح بصورةٍ أكثر جدية موضوع اليوم التالي، بعد أن تضع الحرب أوزارها، وما يعنيه اليوم التالي، هو الإدارة المؤقتة لغزة، وإعادة إعمارها.
كانت مصر أول من اقترح تشكيل لجنة الإسناد المجتمعي، من شخصيات غزية لا تربطها صلات تنظيمية بالفصائل، ولكنها كسائر الشخصيات الفلسطينية تستمد شرعيتها من شرعية منظمة التحرير، المعترف بها وطنياً وعربياً ودولياً كممثلٍ للشعب الفلسطيني.
إن قرار تشكيل لجنة الإسناد المجتمعي سوف يصدر عن حكومة السلطة الوطنية في سياق ترتيبٍ مؤقت إلى حين استقرار الوضع في غزة، كما كان قبل الانقسام، حيث سلطة واحدة وسلاح واحد وشرعية واحدة.
مصر تقوم الآن بإعداد قواتٍ فلسطينيةٍ لتولي مهام الأمن في غزة، إضافةً إلى مساعدتها الفعّالة في إعادة تأهيل قوات الأمن التابعة للسلطة والموجودة أصلاً داخل قطاع غزة، ومصر كذلك، أعدّت خططاً لإعادة الإعمار وقد تم الترحيب بها أمريكياً، وهذا لا يتعارض مع الإسهامات الدولية المنوط بها توفير الدعم المالي الضخم والتقديرات الأولية تشير إلى عشرات إن لم تكن مئات المليارات.
السلطة الفلسطينية المعترض عليها – حتى الآن – من قبل إسرائيل هي من ستشكل لجنة الإسناد المجتمعي وتمنحها شرعيتها، فهي الإطار الوحيد المؤهل لإدارة المرحلة الانتقالية في غزة، مضافاً إلى ذلك أن اليوم التالي لن يكون مجرد إدارةٍ داخليةٍ لغزة، ولا إعادة إعمار فقط، وإنما عملٌ سياسي لتحقيق ما هو أبعد أي فتح مسارٍ جديد لتسوية سياسيةٍ للقضية الفلسطينية ولابد من وجود المنظمة في هذا السياق، استناداً لتوجهٍ دولي، يكاد يكون شاملاً لإقامة الدولة الفلسطينية، حيث تجسّد ذلك في مؤتمر نيويورك بقيادة فرنسا والسعودية، وظهرت الاستجابة له من خلال تزايد الدول وخصوصاً الغربية التي أعلنت اعترافها المسبق بالدولة الفلسطينية والتي ستعترف.
إسرائيل بعد تدمير غزة وتصعيد عملياتها الاستيطانية في الضفة، وتكثيف وجودها الأمني والعسكري فيها والتهديد بالضم، إنما تعمل على جعل قيام الدولة الفلسطينية على الأرض أمراً مستحيلاً.
إسرائيل والحالة هذه تقاوم ما وصفته بتسونامي الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ولكنها تدرك بالمقابل خطورة ما وصل إليه الموقف الدولي من إجماعٍ في رفض مواصلة الاحتلال والاستيطان، وتدرك كذلك أن إجراءاتها في الضفة تظل عملاً احتلالياً مرفوضاً من قبل الكثافة السكانية الهائلة في الضفة وكذلك من قبل جميع دول العالم، التي لن تعترف بدولةٍ في الهواء وعلى الورق، بل بكيانٍ هو رغم الاحتلال والاستيطان، يمتلك مقوّمات دولةٍ حقيقيةٍ قاعدتها أكثر من ستة ملايين نسمة يعيشون على أرض وطنهم، في الضفة والقطاع والقدس، وتقيم سلطتهم علاقاتٍ ديبلوماسيةٍ كاملة مع جميع دول العالم، ويحمل مواطنوها هويات وجوازات سفر فلسطينية، أي أن كيانهم الحالي هو على عتبة دولةٍ حقيقية.
تخطئ إسرائيل وتخطئ أمريكا كذلك إذا ما ظلت تضع "فيتو" على دور السلطة الفلسطينية في إدارة غزة، ذلك أن السلطة الفلسطينية المدعومة من قبل مصر والدول العربية ودول العالم، هي الأكثر تأهيلاً من أي كيانٍ مفتعلٍ تفكر فيه إسرائيل وهي المستوفية الشروط في أمر العلاقات السلمية مع إسرائيل، أمّا حكاية إصلاحها فهذا ليس شرطاً إسرائيلياً أو أمريكياً، بل هو شرط فلسطيني وهو شأن الفلسطينيين أنفسهم الذين هم بأمس الحاجة للإصلاح الجذري الشامل لسلطتهم ونظامهم السياسي.
وإذا ما قُرأت الرسالة التي وجهها الرئيس عباس للرئيس ماكرون، ففيها استجابةُ لشرط الإصلاح الجوهري، وهو اجراء انتخابات رئاسيةٍ وتشريعيةٍ خلال سنة، وما على الدول التي أعلنت استعدادها للاعتراف بالدولة والتي اعترفت بها فعلاً أن تساعد الفلسطينيين على إجراء انتخاباتهم التشريعية والرئاسية في القدس أولاً وفي سائر أنحاء الوطن الفلسطيني، بذلك تستقيم الأمور ليس في إدارة غزة وإنما في معالجة الحالة الفلسطينية من كل جوانبها.