سرد.. مخيم شبابي يتوّج مشروع إصرار 

2025-08-21 15:58:31

نظمت مؤسسة REFORM، على مدار ثلاثة أيام في جبل النجمة في رام الله، مخيماً صيفياً شبابياً بعنوان "مخيم سرد: كل صوت حكاية"، بمشاركة ما يقارب ستون شاباً وشابة تتراوح أعمارهم بين 19 و29 عاماً، من مخيمات الضفة الغربية المختلفة والمناطق المهمشة. وجاء المخيم تتويجاً لمشروع إصرار، المنفذ بالتعاون مع برنامج تعزيز دور اللاجئين الفلسطينيين في التأثير على مناحي حياتهم (PARTII) المنفذ من GIZ   وبالنيابة عن الوزارة الاتحادية للتعاون الاقتصادي والتنمية (BMZ). وتضمن مخيم سرد أنشطة ولقاءات متنوعة، لتمكين الشباب من التعبير عن ذواتهم وتحليل التحديات التي يواجهونها، ضمن مساحة للحوار التفاعلي والتعلم المشترك.  

رحلة معرفية من الهوية إلى التغيير 

افتُتِحت الفعاليات بلقاء حول الهوية والتجارب، الذي تناول مفهوم الهوية الفردية والجمعية، وأتاح اللقاء مساحة للتأمل الجماعي، وربط المشاركون من خلال مشاركة تجاربهم بالسياق الذي تعيشه المخيمات، بهدف تعزيز الانتماء.  

وتواصلت اللقاءات في اليوم التالي، حيث تضمنت جلسة "خارطة الذات" التي دفعت المشاركين إلى التفكير في مصادر قوتهم وطموحاتهم، والتعرف على مهاراتهم المميزة والمختلفة. وفي نهاية اللقاء، كتب المشاركون رسائل إلى أنفسهم تحمل أهدافهم الآنية والمستقبلية.  

أما جلسة "التحويل المجتمعي" فقد شكّلت مساحة حوارية مهمة لفهم طبيعة النزاعات المجتمعية من منظور إنساني، إذ ناقش المشاركون كيفية الانطلاق من الاحتياجات الأساسية للإنسان في قراءة هذه النزاعات، وتحويلها إلى فرص تعزز التماسك الاجتماعي. وتكمن أهمية هذا اللقاء من أنه ساهم في تطوير وعي جماعي بأهمية الانتقال من إدارة الخلافات إلى الاستثمار فيها كمدخل لإيجاد حلول مبتكرة وشاملة، بما يعزز قيم التنوع والتقبّل، ويفتح المجال أمام بناء مجتمع أكثر عدلاً وقدرة على الصمود أمام التحديات. 

كما خاض المشاركون تجربة استثنائية وتفاعلية عبر تقنية الواقع الافتراضي (VR)، حيث شاهدوا مقاطع تحاكي معاناة اللاجئين، وتجارب العنف القائم على النوع الاجتماعي. وقد أضفت هذه المحاكاة بعدًا إنسانيًا وحسّيًا عميقًا، جعل المشاركين أقرب إلى الواقع الذي يعيشه المتضررون، ودفعتهم للتفكير بشكل أعمق في سبل التغيير الممكنة على المستويين الفردي والجماعي. وتبرز أهمية هذه التجربة في قدرتها على تحويل التعاطف إلى وعي عملي يمكن أن يشكل دافعًا لمبادرات مجتمعية أكثر تأثيرًا. 

 

الرواية الفلسطينية إلى العالم  

من أبرز محطات المخيم، قدمت مجموعة برنامج " السفير الشاب" ضمن مشروع إصرار، جلسة حوارية بعنوان "الرواية الفلسطينية للعالم" ناقشت فيها المجموعة كيفية تحويل التجربة الفردية والجماعية إلى خطاب عالمي يعكس الواقع الفلسطيني. وركزت المجموعة خلال اللقاء على التحديات التي تواجه الرواية الفلسطينية، والأدوات التي يمكن توظيفها لتعزيزها. ثم فتح ميسرو اللقاء نقاشاً مع المشاركين لبناء الرسائل والأولويات التي يجب أن يحملها الشباب الفلسطيني إلى الفضاء الدولي. وجسدت هذه الجلسة عنوان المخيم "سرد.. لكل صوت حكاية". 

وعن مشاركته في تيسير لقاء الرواية الفلسطينية قال محمد بدران: "على المستوى الشخصي، ساعدني تيسير هذا اللقاء في تطوير مهارتي في إدارة الحوار، إذ منح المشاركين في المخيم المساحة للتعبير عن آرائهم بحرية, ولمناقشة الرواية الفلسطينية بمفهومها العميق من خلال تجربتهم في المخيمات في ظل الأوضاع الصعبة والتحديات اليومية التي يعيشونها". وأضاف: "شعرتُ بالثقة بقدرتي على قيادة مجموعة تضم أكثر من 50 مشاركاً، ولاحظتُ تفاعلاً ونقاشاً ثرياً وملهماً، كما ترك هذا اللقاء أثراً ملموساً في وجدان كل مشارك".  

الشباب بين الواقع والممكن 

وفي اليوم الثالث من مخيم "سرد"، ركزت اللقاءات على موضوع "الشباب بين الواقع والممكن", التي قادها فريق شبكة أصدقاء REFORM، حيث ناقش المشاركون التحديات التي يواجهونها، ورسموا تصورات لمستقبل يضمن مشاركة أوسع للشباب، تسهم في إحداث التغييرٍ في مجتمعهم. كما بحثت الشبكة مع المشاركين سبل تطوير برامج تحتضن طاقاتهم وتوظف مهاراتهم وقدراتهم.  

تجدر الإشارة إلى أن شبكة اصدقاء هي شبكة شبابية تجمع المستفيدين من مشاريع المؤسسة، بهدف تعزيز تبادل الخبرات والمعارف، وتسهيل وصول الشباب من المناطق المستهدفة إلى الفرص المتاحة داخل المؤسسة وخارجها. تعمل الشبكة كجسر لنقل احتياجات المجتمعات المحلية وضمان مواءمتها مع توجهات المؤسسة. كما تسعى إلى تطوير قدرات أعضائها وتمكينهم من تمثيل المؤسسة في المجتمع المحلي، وتعزيز دورها في دعم القضايا المجتمعية، بما يسهم في توسيع نطاق التأثير وتوفير الموارد والخبرات اللازمة لتحقيق التغير المجتمعي. 

أما الجلسة الأخيرة في المخيم فجاءت بعنوان "ما الذي يجمعنا ويشكل جوهرنا" حيث أعادت المشاركين إلى مفهوم الانتماء والتنوع، من خلال التعبير عن القواسم المشتركة رغم الاختلافات داخل المجتمعات. وقد ساهمت هذه الجلسة تعزيز قيم التعددية وقبول الآخر. وقد عمل المشاركون في هذا اللقاء ضمن مجموعات على بناء تصور للمجتمع الذي يحلمون به، والذي يجسد القيم التي يؤمنون بها.  

وعن مشاركته في مخيم سرد، قال تامر جوابره: "كان المخيم مساحة آمنة للنقاش والتجربة، شاركت مع زملائي في صياغة الأجندة وتنظيم اللقاءات، وشعرت أن صوتي مسموع وأن لرأيي قيمة". وأضاف جوابره: "لم نعد بعد مخيم سرد كما جئنا، فكل مشارك حمل معه فكرة أو لحظة غيّرته بطريقةٍ ما".  

ومن جانبها، قالت المشاركة إيناس عزيزة: "كانت اللقاءات منظمة، وأسهمت المساحات الامنة في توفير بيئة مريحة للمشاركين، ما عزز الطاقة الإيجابية والتعاون بينهم. كما انعكست روح المجموعة على النقاشات والأنشطة وأضافت لهذه التجربة بعداً اجتماعياً ومعرفياً". وأكدت عزيزة على ضرورة استمرار تنظيم المخيم وتوسيع نطاقه وعدد المشاركين فيه، لما له من أثر إيجابي على الشباب والمجتمع.  

لقد شكّل مخيم سرد مساحة عملية لتجسيد أهداف مشروع إصرار، إذ غادر المشاركون وهم أكثر وعيًا بقدرتهم على تحويل تجاربهم وتحدياتهم إلى قوة للتغيير مجتمعي، بما يعزز دور الشباب الفلسطيني في صياغة مستقبل أكثر عدلاً وتنوعًا.