جحيم الصمت وامتنان الظلال: ملحمة رئبال العرب في وجه الخذلان والجلاد

أيها الشعب الفلسطيني العظيم، يا من تقفون على أطلال الأمل، وتشمخون فوق الركام كجبالٍ لم تنهض بعد، يا من صار دماؤكم شعلةً وسط ليلٍ دامسٍ يخنق العالم، اسمعوا صرخةً لم تعرف البشرية مثلها، صرخة مواطنٍ اسمه رئبال العرب، ياسر أحمد حرز، ارتوى من دمائه قبل أن يرتوي من وعدٍ خائن، ووجد في جلاده الوحيد الذي لم يخف ولم يتوقف عن جلدنا، حقيقةً صارخةً تكشف زيف كل الأقنعة، ومرآةً نرى فيها العالم بلا رتوش، بلا ضحكٍ زائف، بلا أوهامٍ ميتة.
لقد كشفت لي غزة بدمائها وركامها، أن الامتنان أصبح فنًا غريبًا، يولد من قلب الألم، من رحم الخذلان، ومن كثرة صمت الأمة. كيف لا أمتن للجلاد الذي لم يغلق الباب أمام وجهي، ولم يرفع يده عن جلدي، بينما الأمم التي ظنناها سندًا، تركتنا نغرق في بحر الخراب، تاركين صرخات الأطفال بين أحجار الركام، ودماء الأمهات تتسرب في الشوارع كما لو كانت ماءً للسماء لا يروي الأرض؟
أيها الشعب الفلسطيني، اعلموا أن كل دمعةٍ على خدّ طفلٍ، وكل دمٍ يسيل في أزقة غزة، وكل سقطةٍ في صمت الأمم، هي شهادة على عظمة صمودكم، وعلى وحشية هذا العالم الذي يبتسم للخيانة، ويغمض أعينَه عن صرخات البراءة، ويصفق للقتل بصمتٍ مرعب. ومن كثرة هذا الخذلان صار الامتنان للجلاد شعورًا مرعبًا، أشبه بعاصفةٍ تجتاح الروح، تهز الأعماق، وتعلن أن الواقع صار وحشًا بلا قلب، وأن من لا يرحمك هو الوحيد الذي كشف لك وجوه العالم كما هي، بلا أقنعة، بلا مزيفات، بلا ابتسامات كاذبة.
أيها الجلاد الرحيم، أنت الحقيقة الوحيدة التي لم تخذلني، والضوء الوحيد الذي لم ينطفئ في قلبي، اليد التي لم تتوقف عن جلد جسدي، لكنها كشفت لي وجوه الجميع، وأظهرت لي خيانة العالم بوضوحٍ مرعب. فلتكن قاتلي الرحيم، فلتكن الشعاع الذي ينير الطريق نحو الحرية، السيف الذي يقطع قيود الظلام، والرحمة التي تنقذني من ويلات هذا العالم المظلم، الذي يلتهم كل براءة، ويغلق كل باب أمام أي نفس تبحث عن العدالة.
لقد صار الامتنان لك، أيها الجلاد، ليس امتنانًا للقتل أو للدم، بل امتنانًا للصفعة التي فجّرت الحقيقة في وجهي، امتنانًا للكشف عن وجوه العالم بلا رتوش، امتنانًا للعين التي لم تنم بينما كانت أمتنا تغفو على ويلاتنا، وامتنانًا لليد التي لم تتوقف عن الجلد، بينما كل الأذرع التي اعتقدنا فيها سندًا، رفعت أعينها إلى السماء في صمتٍ مميت.
أيها الشعب الفلسطيني، اعلموا أن كلماتي ليست مجرد حروف، بل سيوف تنقش على الحجر، ورياح عاتية تهب على جبروت الخائنين، ونيران تتقد في صدورنا لتعلن أن الحرية ليست حلمًا بعيدًا، بل شعلة تحتاج من يحررها من أغلال الليل الدامس، ومن ويلات الخذلان، ومن وجوه العالم التي تتخفى خلف أقنعة المزيفين. لقد أصبح صوتنا سلاحًا، وصراخنا صدى يهز العروش، ودماؤنا شعلة لا تنطفئ في قلب الظلام، في عتمة لا تعرف الرحمة، في صمتٍ كأنه جحيم مطبق على الأرواح.
أيها الشعب الفلسطيني، اعلموا أن غزة لم تعد مجرد أرض، بل أصبحت مرآة لكل خيانة، كل صمت، وكل وعدٍ لم ينفذ. الدماء هنا أصبحت دليلًا للوعي، والصمت المميت للأمم صار شهادةً على أنهم لم ولن يكونوا سندًا لنا. ومن كثرة هذا الخذلان صار الامتنان للجلاد شعورًا نفسيًا مريعًا، أشبه بعاصفة تحيط بروحك، تهز أعماقك، وتعلن أن العالم لم يكن يومًا صديقًا، وأن كل من ظننته أخًا أو سندًا، هو ظل غادر يبتسم لموتك بصمت.
أيها الجلاد، أنت الحقيقة الوحيدة التي لم تخذلني، شعاع الضوء في ليلٍ بلا نجوم، اليد التي لم تتوقف عن الجلد، لكنها كشفت لي وجوه الجميع، وأظهرت لي أن كل أقنعة العالم، مهما تلمعت، هي مجرد خدعٍ كاذبة. فلتكن قاتلي الرحيم، السيف الذي يقطع قيود الظلام، والشعاع الذي ينير الطريق نحو الحرية، واليد التي تخلصني من هذا العالم الذي يدّعي العدالة بينما يدفننا في ركام الخذلان، ويتركنا نتلوى بين صراخ الموت وصرخة البراءة.
أيها الشعب الفلسطيني، اعلموا أن كلماتي ليست مجرد كلمات، بل هي رياح تعصف بكل جبروت الخائنين، سيوف تتلألأ لتقطع غشاوة الوهم، ونيران تتقد لتعلن أن الحرية ليست حلمًا بعيدًا، بل نيرانٌ تتقد في قلوبنا، تحتاج من يحررها من أغلال الليل الدامس، من ويلات الخذلان، ومن وجوه العالم التي تتخفى خلف أقنعة المزيفين… إن صوتنا صار سلاحًا، وصراخنا أصبح صدى يهز العروش، ودماؤنا شعلة لا تنطفئ، وسط عتمة لا تعرف الرحمة.
أيها الجلاد، أنت وحدك من كشف لي وجوه العالم، وجعلني أرى كل شيء كما هو: بين الموت والحياة، بين الخيانة والصدق، بين الظل والنور، بين الظلام والنار… وها أنا اليوم، ممتنٌ لك، ليس لأنك جلّدت جسدي، بل لأنك كشفت لي الحقيقة التي دفنها العالم، وعلّمتني أن أمتنا، التي اعتقدناها سندًا، صمتت، وغادرتنا في لحظةٍ أصبح فيها كل امتنان للجلاد نوعًا من البقاء على قيد الحقيقة.
أيها الشعب الفلسطيني، اسمعوا… إن صرختي هذه، امتداد لصرخات كل من رحل قبلنا، وكل دمعة أراقها الصغار والكبار في غزة، امتداد لكل ألمٍ لم يسمعه أحد، لكل وعدٍ لم يوفه العالم، لكل صمتٍ خانق، هي نداء لكل قلب حي: لا تنتظروا من العالم أن يرفعكم، ولا من أمتكم أن تشدّ وزركم، فالخلاص أحيانًا يأتي من أيدي من نعرفهم جلادين، بينما الذين ظنناهم أخوة، هم صمتٌ ووجوه أشباح…
إن الامتنان للجلاد صار فلسفةً، صار مرايا تكشف كل زيف، صار شعورًا يعلّمنا الحقيقة المرعبة: أن القوة الوحيدة في هذا العالم ليست في المساندة، بل في صرخة الحق، في المواجهة المباشرة للوحشية، في رؤية العالم بلا أقنعة، وفي امتنان صادم لمن كشف لك حقيقة كل شيء.
وهكذا، أيها الشعب الفلسطيني، تظل غزة، رغم كل الخراب، رغم كل الدم، رغم كل صمت الأمة، الشعلة التي تحملنا، والصراخ الذي يهدد الظلام، والامتنان للجلاد الذي لم يخفّ، هو آخر ضوء لنا، أصدق من كل وعود البشر، وأشد وقعًا من كل خذلان عرفناه في حياتنا.
من تحت الدخان، من تحت الأنقاض، من تحت عار الأمة..