عندما يتحدث ليندسي غراهام عن الله وباسمه أيضاً

2025-08-25 07:55:07

"إسرائيل صديقتنا، إنها الصديق الأكثر موثوقية في الشرق الأوسط، إنها دولة ديمقراطية محاطة بأُناس قد يذبحونهم لو استطاعوا، هذا ليس خياراً صعباً إذا كنت أمريكياً، وليس خياراً صعباً إذا كنت مسيحياً، وهذه رسالة تحذيرية، إذا تخلّت أمريكا عن إسرائيل سيتخلى الرب عنا"، هكذا تحدث عضو مجلس النواب الأمريكي السبعيني ليندسي غراهام بكامل العنجهية والغطرسة والعمى والغباء، وببالغ العنصرية والجهل، ما قاله هذا النائب يلخص الرؤية المتطرفة لتفسير ملتوٍ ومعقد ومتناقض للاهوت المسيحي في تياره العام، وهو تفسير بدأ في القرن التاسع عشر على يد رجلين، أولهما يدعى جون نيلسون داربي، وهو إنجليزي أُتهم بالسرقة والتزوير، ولم يستطع أن يُكوِّن أُسرة حقيقية، أما الثاني فيدعى سايروس سكوفيلد، وقد شغل وظائف متعددة في الجندية والمحاماة وغيرها، ما يجمع بين الرجلين اضطراب الحياة والتقلب في المواقف والأفكار، والقدرة على القفز من النقيض إلى النقيض، وبعيداً عن حياتهما الشخصية، فما يهمنا هو تفسيرهما الحرفي لنبوءات الكتاب المقدس وادعائهما أن الله – تعالى عن ذلك علواً كبيراً – قد وضع خريطة للدهر تتكون من سبع مراحل، وأن هذه الخريطة أو خطة العمل أو الجدول، يسير بانتظام شديد، وأننا الآن حسب هذه الخريطة في المرحلة السادسة، ونتحضّر للمرحلة السابعة التي ستشهد نزول السيد المسيح وإقامة مملكة الرب السعيدة، وأن ذلك لا يكون إلا بعودة اليهود إلى فلسطين وإقامة دولتهم.

هناك تفاصيل معقدة وكثيرة، وهناك تناقض في النصوص والاقتراحات، ولكن ما يهمنا هنا أيضاً أن ما يسمى بالمذهب التدبيري الذي وضع من قبل الرجلين المشار إليهما سابقاً، هو تفسير بشري لا علاقة له بالإنجيل أو التوراة، هو ادعاء محض، ادعاء ليس أكثر ولا أقل، ولكن، فجأة، يتحول هذا المقترح البشري إلى ديانة جديدة تنتشر في جنوب أمريكا وبعض أجزاء من أوروبا، فهل لظهور الحركة الصهيونية دور في تعظيم هذا المذهب؟؟ ذلك أن داربي الإنجليزي لم يكن بعيداً عن القضية اليهودية التي انفجرت في أوروبا، كما أن سكوفيلد الأمريكي لم يكن بعيداً عن ذلك أيضاً، خصوصاً بعد الهجرة اليهودية الكثيفة لأمريكا بعد المضايقات التي تعرض لها اليهود في روسيا وأوروبا الشرقية، لا يمكن فصل انتشار المذهب التدبيري الذي يرى في إقامة دولة لليهود مقدمة لنزول المسيح تحقيقاً للنبوءات التي وردت في سفر يهوشع بالذات، وبين الأهداف الصهيونية بإقامة دولة لليهود تكون

شاهدة على صدق النبوءات أيضاً، وبهذه المناسبة، لا يمكن فصل ظهور شهود يهوة أيضاً عن تلك التحركات والجهود الرامية إلى إقامة دولة لليهود، يجب أن نتذكر أن القضية اليهودية انفجرت في أوروبا في القرن التاسع عشر بشكل متعمد، أو للسيرورة التاريخية، لا فرق، ذلك أن أوروبا التي تعلمنت، لم تستطع أن تتعامل مع اليهود كمواطنين، بل ظلت النظرة القروسطية مسيطرة على العقل الأوروبي باعتبار اليهود جماعة منفصلة دينياً ولا يمكن علمنتها أو منحها حقوق المواطنة الحديثة، وقد استطاع هذا العقل الأوروبي العنصري أن يحل القضية اليهودية عن طريق تفكيك الدولة العثمانية ومنح الجماعات اليهودية كياناً سياسياً بعيداً عن أوروبا.

وعودة إلى ما ذكره النائب الجمهوري لينسي جراهام مدعياً أنه يتحدث عن الله سبحانه وتعالى، وباسمه، إن رضى الله على أمريكا مرتبط بدعم أمريكا لإسرائيل، وهو كلام لا يقوله عاقل، وإنما متطرف وعنصري، فالله سبحانه وتعالى لا يرضى الظلم ولا الاحتلال ولا القتل، والله سبحانه وتعالى يرضى لحكمه ويغضب لحكمه، ولا يميز عبداً أو جماعة عن جماعة أُخرى، ما قاله لندسي غراهام كذب أيضاً وتضليل واستثارة رخيصة للمشاعر ودغدغة للأفكار المسبقة، وما قاله أيضاً يذكرنا بما يقال ويكتب عن تقديم الرشى لكثير من أعضاء الكونجرس، بحيث يجعلون مصالح إسرائيل قبل مصالح أمريكا.

إن حديث جراهام عن الله وباسمه إنما هو تكرار لرواية المستعمر الكلاسيكي التي تقول إن الله فوضه لنشر النور والتقدم والحضارة، وهو ادعاء قديم سقط مراراً وتكراراً.