"مركز "شمس: إسرائيل" باستهدافها للمسعفين والصحفيين تعيد صياغة القانون الدولي على مقاس شريعة الغاب"

2025-08-27 09:57:24

أدان مركز إعلام لحقوق الإنسان والديمقراطية "شمس"  بأشد العبارات جريمة الاستهداف المباشر التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الطواقم الطبية والصحفية داخل مجمع ناصر الطبي في قطاع غزة، والتي أوقعت شهداء وجرحى في صفوف من يفترض أنهم خط الدفاع الأول عن الحق في الحياة والحق في المعرفة. وقال المركز إن هذه الجريمة تأتي في سياق ممنهج ومتكرر لاستهداف فئات يحظر القانون الدولي الإنساني استهدافها، في خطوة تؤكد إصرار "إسرائيل" على إعادة صياغة قواعد جديدة للقانون الدولي بما يخدم إفلاتها من العقاب واستمرارها في ممارسة سياساتها القمعية تجاه الشعب الفلسطيني."

وأشار المركز إلى أن القانون الدولي الإنساني ينص بشكل واضح على الحماية الخاصة للطواقم الطبية والصحفيين في مناطق النزاع المسلح، حيث تكفل المادة (24) من اتفاقية جنيف الأولى لعام 1949 احترام وحماية أفراد الخدمات الطبية في جميع الأوقات، كما تمنح المادة (79) من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 الصحفيين العاملين في مناطق النزاع حماية المدنيين شريطة عدم مشاركتهم المباشرة في الأعمال العدائية. وأضاف المركز إن ما جرى في مجمع ناصر الطبي لا يمكن اعتباره سوى جريمة حرب مكتملة الأركان وانتهاكاً صارخاً للنصوص والالتزامات الدولية التي تكفل حماية الطواقم الطبية والصحفية.

وأوضح المركز أن استهداف المسعفين يعني حرمان الجرحى والمرضى من الحق في العلاج والرعاية الصحية العاجلة، وهو اعتداء مزدوج على الحق في الحياة والحق في الصحة المنصوص عليه في المادة (12) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. أما استهداف الصحفيين فيعني السعي المتعمد لطمس الحقيقة ومنع العالم من الاطلاع على حجم الجرائم والانتهاكات. وقال الصحفي ليس مجرد ناقل للأخبار، بل شاهد عيان يوثق وقائع يمكن أن تشكل أدلة في أي ملاحقة قضائية مستقبلية أمام المحاكم الدولية. وأن قتل المسعف هو قتل للحياة، وقتل الصحفي هو قتل للحقيقة، وفي الحالتين نحن أمام سياسة ممنهجة تهدف إلى إخماد كل صوت يمكن أن يكشف أو يفضح الممارسات الإسرائيلية.

وقال المركز أن إسرائيل في استهدافها للمسعفين والصحفيين تدير الظهر بشكل كامل للقانون الدولي، وتتعامل مع منظومة العدالة الدولية وكأنها مجرد حبر على ورق لا يستحق الالتفات. هذا السلوك ليس مجرد خرق عابر، بل هو تحدٍ سافر ومباشر لكل ما تم التوافق عليه منذ الحرب العالمية الثانية من قواعد لضمان حماية المدنيين والعاملين في المهن الإنسانية والإعلامية. إن استهداف المسعف الذي يمد يده لإنقاذ الأرواح، والصحفي الذي يرفع قلمه وكاميرته لنقل الحقيقة، يكشف أن إسرائيل لم تعد تكترث بوجود الأمم المتحدة أو بقراراتها، ولم تعد ترى في المجتمع الدولي سوى جمهور متفرج عاجز عن الرد. إسرائيل بسلوكها هذا تعلن أنها صاحبة اليد العليا في تحديد القواعد، وأن القانون الدولي الإنساني يمكن الالتفاف عليه وتجاوزه دون محاسبة. هذا التحدي يوجه رسالة خطيرة إلى العالم مفادها أن الاحتلال وحده يملك سلطة تعريف ما هو "مسموح" وما هو "ممنوع"، وأن منطق القوة والسلاح هو القانون الوحيد القائم. إن ترك هذا الانحدار دون رد صارم من المجتمع الدولي لا يعني فقط خيانة لغزة، بل يعني السماح بإعادة كتابة التاريخ وتكريس شريعة الغاب بديلاً عن القانون.

وأكد مركز "شمس" أن ما يثير القلق هو أن هذه الجرائم لا تقع في فراغ، بل في ظل صمت وتواطؤ دولي يعكس عجزاً واضحاً عن فرض قواعد القانون الدولي. وأضاف هذا الصمت يترجم عملياً إلى ضوء أخضر للاحتلال كي يستمر في جرائمه، ويعزز شعوره بالحصانة من المساءلة. الأخطر أن إسرائيل لم تعد فقط تنتهك القانون الدولي الإنساني، بل تعمل على إعادة صياغته على الأرض وفق مصالحها، عبر فرض قواعد جديدة غير مكتوبة، مفادها أن استهداف المدنيين والمسعفين والصحفيين أصبح أمراً عادياً ومبرراً عند الاحتلال.وتابع المركز إن استمرار هذا النهج يمثل تهديدا خطيراً للنظام الدولي برمته، لأنه إذا تم التسليم به في فلسطين فسيعاد إنتاجه في أماكن نزاع أخرى حول العالم، وبذلك نكون أمام انهيار كامل لمنظومة الحماية الدولية.

وشدد مركز "شمس" على أن المجتمع الدولي لم يعد يقف موقف المتفرج فقط، بل يشارك بصمته وتخاذله في تمكين إسرائيل من الإفلات من العقاب. وقال المركز هذا التواطؤ يطرح أسئلة جوهرية حول مصداقية النظام الدولي لحقوق الإنسان وجدوى مؤسسات الأمم المتحدة إذا لم تكن قادرة على حماية من يتمتعون بحصانة مطلقة في النزاعات، أي الأطباء والصحفيين. واستمرار هذه السياسة يعمق انعدام الثقة في النظام الدولي ويعزز مناخ الإفلات من العقاب، مما يقود إلى انهيار المنظومة الأخلاقية والقانونية التي شُيدت بعد الحرب العالمية الثانية لضمان عدم تكرار الفظائع الجماعية.

بناءً على ما تقدم، يطالب مركز "شمس" الأمم المتحدة بتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة وشفافة في جريمة استهداف المسعفين والصحفيين في مجمع ناصر الطبي، وضمان إحالة نتائجها إلى المحكمة الجنائية الدولية. كما طالب مجلس الأمن الدولي بتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية، ووقف سياسة الكيل بمكيالين التي تشل قدرته على اتخاذ إجراءات رادعة ضد الاحتلال. ودعا المركز المفوضية السامية لحقوق الإنسان والمقررين الخاصين المعنيين بحرية الرأي والتعبير، وبالحق في الصحة، وبحماية المدافعين عن حقوق الإنسان، إلى إصدار بيانات عاجلة واتخاذ خطوات عملية لوقف استهداف الطواقم الطبية والإعلامية. كما ناشد المركز المجتمع المدني الدولي تصعيد حملات التضامن والضغط على الحكومات لاتخاذ إجراءات ملموسة، تشمل فرض عقوبات على المسؤولين الإسرائيليين المتورطين في هذه الجرائم.

واختتم مركز "شمس" بيانه بالقول إن استهداف المسعفين والصحفيين في مجمع ناصر الطبي ليس حادثاً معزولاً، بل حلقة في سلسلة طويلة من الجرائم المستمرة ضد المدنيين والبنية التحتية المدنية في قطاع غزة. هذه الجريمة تمثل اختباراً خطيراً لمصداقية القانون الدولي الإنساني فإما أن يتم تطبيقه بصرامة على الجميع، أو يترك المجال لإسرائيل كي تعيد صياغته بما يتناسب مع احتلالها، وهو ما سيشكل سابقة مدمرة للنظام الدولي بأكمله. العالم اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما إما أن ينحاز إلى القانون الدولي ويحمي قدسيته، أو أن يسمح بتقويضه وترك الشعوب الضعيفة فريسة لقوة السلاح، وعندها لن يكون أحد في مأمن من الفوضى وغياب العدالة.