قصة صمود الفلسطينية مرح السطري وشقيقاتها في مصر

2025-08-28 14:03:38

غزة- مرح السطري

من مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة، فرّت مرح السطري وأخواتها الأربع إلى مصر عبر معبر رفح برفقة شقيقهن رأفت المصاب بالفشل الكلوي، في محاولة لإنقاذه قبل أن يفتك به المرض، تنفيذا لوصية أمهن قبل استشهادها، والتي كانت تخشى أن يلحق بها ابنها قبل أن يبدأ العلاج.
لحق رأفت بأمه بعد يوم واحد من السفر إلى مصر، فبقيت مرح وشقيقاتها من دون أب أو أخ في بلاد الغربة، يحاولن قدر المستطاع التعرف إلى الشارع، والبائع، والحصول على الدفاتر ليستكملن دراستهن بمساعدة معلمات من الضفة الغربية تطوعن لتدريس الطلبة الغزيين عن بعد فيما يعرف بالمدرسة الافتراضية. تحاول الفتيات البقاء قويات، وإثبات وجودهن في مواجهة إنكار العالم على الفلسطيني حقه في الدفاع عن الأرض والعرض.
تشتاق مرح (22 سنة) لرأس أمها التي كانت تتكئ إلى جانبها، وإلى يدها الحانية التي كانت تقبّلها. لا تصدّق بعد مرور نحو سبعة أشهر أنها فقدت أمها جميلة الوجه، ممشوقة القوام، وتتساءل كيف ستعيش بلا أم، وكيف ستعيش أخواتها، وكيف ستكون مسؤولة عن أسرة بهذا العدد في الغربة.
تحاول الفتيات الخمس استكمال عامهن الدراسي بعد أن أتاحت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية التعلم عن بُعد للطلبة الفلسطينيين، والذين بات يطلق عليهم "النازحون إلى مصر".
تظل مهمة عيش الفتيات الخمس اليتيمات بشكل اعتيادي صعبة في ظل إمكانياتهن المحدودة بعد فقد والدتهن، وعدم معرفتهن أي معلومة عن مصير والدهن، وفي ظل قلق دائم على الأخ الوحيد المتبقي محمود (18 سنة)، والذي لم تسمح له الظروف بمغادرة الخيمة للحاق بشقيقاته، وهو على مشارف بدء مستقبله الجامعي كونه في السنة الثالثة من مرحلة الثانوية العامة، وهي مرحلة مفصلية في حياة الطالب الفلسطيني.
تعد مرح الشقيقة الكبرى، بينما شقيقتها فاطمة عمرها 14 سنة، وليان (13 سنة)، وشروق (11 سنة)، ومسك (تسع سنوات)، وقد فقدن والدتهن في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حين قصف الاحتلال الإسرائيلي حيّهن السكني في منطقة جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني ومستشفى الأمل بوسط مدينة خانيونس.
تقول مرح: "كانت أمي في منزل شقيقها قرب صلاة المغرب، وكانت تحتضن شقيقي أحمد (ثلاث سنوات)، في حين كانت شقيقتي ورد (خمس سنوات) تلهو مع ابنة خالي دهب. لم يكن أيهم يعلم أن الفراق الأبدي قد حان. كان أحمد يحمل هاتف والدتي ليشاهد الرسوم المتحركة في مسعى منها لإلهائه عن صوت الانفجارات، فباغتهم قصفٌ مدوٍ استهدف الحي كله، ودمر منزل خالي حيث توجد أمي. دمر القصف 11 منزلاً، وحين هدأ الغبار وخفتت الحرائق، أخذت أبحث عن والدتي، وكنت أناديها (يما. يما)، وكان الجميع يصرخون ويبكون وينادون على أحبابهم، وهناك جرحى يصرخون من الألم".
تضيف: "رأيت آباء وأمهات يحتضنون أطفالهم ويحاولون الخروج من بين الركام والأنقاض، وكنت أنتظر خروج أمي، وحين أتى أفراد الإسعاف، هرعت إليهم ظناً أن أحدهم انتشل أمي، فلم أجدها، وقد قال لي البعض إن أمي على قيد الحياة، فاستبشرت خيراً، وانتظرت طويلاً كي أراها، حتى لو كانت مصابة. كنت أريد رؤيتها واحتضانها".
تتابع: "أخبرني ناجون أن والدتي على قيد الحياة، لكنها تصرخ طالبة تزويدها بالأكسجين، ونقلها المسعفون إلى المشفى من دون أن أتمكن من رؤيتها، وكان القلق ينهش روحي وقلبي. مر الوقت بطيئاً، وحين توجهت إلى المشفى، علمت أن والدتي كانت أول من فارق الحياة بعد أن ناضلت لبضع دقائق من أجل أطفالها، فقد ملأ الغبار رئتيها، وكانت إصابتها في مقتل، لترتقي شهيدة مع أحمد وورد".