من يطمئن الناس؟ ولماذا لا نكاشفهم؟

تنهال علينا كل يوم عشرات الإشاعات، منها ما يثير الخوف، ومنها ما يزرع القلق، ومنها ما يشعل الغضب والبلبلة. وفي غياب المعلومة الدقيقة والموثوقة، تتحول الإشاعة إلى حقيقة في نظر البعض، وتصبح حديث الناس ومصدرًا لاتخاذ قرارات مصيرية أحيانًا.
المشكلة ليست في سرعة انتشار الإشاعة، بل في غياب الخطاب الرسمي المنتظم الذي يطمئن الناس ويضع أمامهم الصورة الكاملة لما يجري. ففي زمن الأزمات والحروب والظروف الاستثنائية وحالة الطوارئ، لا يجوز أن تُترك الجماهير لتتداول الأخبار على “واتساب” أو “فيسبوك” أو “تيك توك” او X. الناس بحاجة إلى مرجع موثوق، إلى جهة رسمية تظهر على الملأ بانتظام، لتقول بوضوح: هذا ما يحدث، وهذا ما لا يحدث.
الإعلام الرسمي ليس ترفًا، بل ضرورة وطنية وأمنية واجتماعية. فالمعلومة الدقيقة هي خط الدفاع الأول أمام الفوضى، وهي التي تحمي المجتمع من الانقسام والهلع، وتحفظ الثقة بين المواطن ومؤسسات دولته.
اليوم، أكثر من أي وقت مضى، نحن بحاجة إلى جهة رسمية تتحمل مسؤولية التواصل مع الجمهور، وتضع حدًا للإشاعات، وتقدم رواية واضحة وشفافة. هذه ليست خدمة إضافية، بل واجب وطني وأخلاقي. فالكلمة الصادقة تطمئن القلوب، وتُعيد الثقة، وتمنح الناس القدرة على الصمود أمام التحديات الكبيرة.
القضايا كثيرة، والهموم متراكمة: الحرب على غزة وما تخلّفه من مآسٍ إنسانية، دور السلطة الوطنية الفلسطينية ووزاراتها في غزة وشمال الضفة والمناطق التي يتم تدميرها، دوام المدارس وحق الطلبة في التعليم، دفع الرواتب ومستحقات المقاولين ومقدمي الخدمات، وضع النظام الصحي والتحويلات الطبية إلى الداخل، احتياجات المخيمات والبنية التحتية، أزمة المخيمات في شمال الضفة وتركها لمصير مجهول، وضع البنوك والسيولة المالية والنظام المصرفي وأزمة الشيكل، وأزمة المحروقات. فهل يعقل أن يظل الناس أسرى بيانات متفرقة من محطات وقود أو شركات خاصة، بدل خطاب رسمي يشرح بصدق وشفافية ما يجري؟
المكاشفة ليست ضعفًا، بل هي القوة الحقيقية التي تمنح الناس القدرة على الاحتمال والثبات. فمن يطمئن الناس إن لم تكن مؤسسات الدولة هي المرجع الأول؟ ومن يضع حدًا للفوضى إن لم يكن هناك خطاب رسمي صادق، حاضر، ومقنع؟