هل كانت الضربة الإسرائيلية لـ»الحوثيين» غلطة الشاطر؟

لم تكن هناك لا معلومات ذهبية ولا فضّية كما حاولت أن تدّعي الأوساط الأمنية الإسرائيلية، وكذلك أبواقها الإعلامية في تفسير الضربة الإسرائيلية التي استهدفت حكومة جماعة أنصار الله «الحوثيين» اليمنية في صنعاء.
كل ما في الأمر أن حكومة الاحتلال قد ارتعبت فعلاً من الصاروخ الانشطاري الذي أطلقته القوات «الحوثية» على تل أبيب، ولم يكن «أمامها» سوى أن توجّه ضربة «قاصمة»، أو «قاتلة» ربّما تكون رادعة، أو علّها تجعل القيادات «الحوثية» تفكّر ألف مرّة قبل تكرار استخدام هذا النوع من الصواريخ، وراهنت حكومة الاحتلال على «اتهام» «الحوثيين» بأن لا خطوط حمراء بالمطلق، وأن ردود الفعل الإسرائيلية ليس لها أيّ حدود، وهي بلا قيود بالمطلق مهما كانت درجة المخاطرة، ومهما كانت درجة ردود الأفعال على «الردع» الإسرائيلي.
تحرّكات الحكومة في صنعاء ليست على هذه الدرجة من السرّية، ورصد مكان انعقادها ليس إعجازاً استخبارياً، وأغلب الظنّ أن حكومة الاحتلال لم تجد صعوبة خاصة في الاهتداء إلى مكان اجتماعها.
ما أظنّه أن بنيامين نتنياهو وحكومته في لجّة ما أصابهم من نتيجة الصاروخ «الحوثي» قد تسرّعوا كثيراً، وأخذتهم «العزّة بالإثم»، وأقدموا على هذا النوع من التهوُّر تحت ضغط الحدث.
ولفهم الطريقة التي يفكّر بها نتنياهو، وكذلك باقي الطواقم المحيطة به علينا أن نعترف بأن أحد الأخطاء التي لا نفكّر نحن بعدم تكرارها هو الاعتقاد السائد لدينا بأن ليس لدى حكومة الاحتلال أي حسابات عقلانية، أو منطقية، أو واقعية، سوى منطق القوّة، والمزيد منها، وسوى «استثمار» أي فرصة، ومهما كانت لفرض منطق هذه القوّة.
استنتاجاتي الأوّلية، ومن خلال محاولتي للقراءة بين السّطور «الحوثية» في ردود الأفعال الأوّلية، أيضاً، على الهجوم العدواني الإسرائيلي هي أن ردود الأفعال الميدانية على ذلك ستكون نوعية ومختلفة، وستفتح مرحلة جديدة من الصراع.
ليس بوسع أحد توقّع نوعية الضربات التي ستوجّهها القوات «الحوثية» لدولة الاحتلال، لا من حيث الكمّ، ولا من حيث النوع، ولا من حيث الأهداف.
لكن المؤكّد أن الردّ «الحوثي» سيشمل أبعاداً جديدة غير مسبوقة على كلّ الصُّعُد والمُستويات.
سيعلن «الحوثيون» ــ كما أظنّ ــ وبعد الوجبات الأولى من الردّ بأن الحرب بين دولة الاحتلال والقوات العسكرية الحوثية لم تعد محصورة «برفع الظلم» عن الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة، ولم تعد في عداد الواجب القومي أو الديني أو الإنساني، فهذا كلّه أصبح من قبيل التحصيل الحاصل، وإنّما أصبحت هذه الحرب هي حرب مباشرة بين القوات «الحوثية» على كامل الولايات السياسية لهذه القوات وبين دولة الاحتلال.
أقصد انتهت مرحلة معارك الإسناد، وانتهت مرحلة «الإزعاج» للدولة الصهيونية، وانتهت مرحلة منع مرور السفن الإسرائيلية من باب المندب، أو منع السفن المتوجّهة إلى الموانئ الإسرائيلية، وأصبحت مختلفة ــ وهذا هو الجديد في الأمر كما أرى ــ وبات الصراع مفتوحاً ودون حسابات سابقة على هذه المرحلة، ودون الكثير من الاعتبارات التي كانت في الحسبان السياسي لـ»الحوثيين» قبل الهجوم الإسرائيلي الأخير.
هنا قد تصل الأمور إلى أبعد الحدود، وبما يفوق التصوّرات الإسرائيلية والأميركية والإقليمية كلّها.
لن تقبل القوات «الحوثية» في صنعاء بأقلّ من ضربات موجعة، وربما تدميرية للأهداف التي يمكن أن تصل إليها صواريخها.
ولن يكون هناك أيّ لجوء إلى المشاغلات السابقة، وإنّما ستكون هناك وتيرة جديدة من القصف «الحوثي» الذي يعيد ملايين الإسرائيليين إلى الملاجئ في أيّ توقيت، وبما يصل إلى إرباك شامل على كل المستويات.
ولا نستبعد في هذه الحالة أن يتحوّل الصراع بين دولة الاحتلال والقوات «الحوثية» إلى المظهر الرئيس الذي يشلّ الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وهو ما قد يؤدّي إلى تطوّرات خطيرة على مستوى منطقة الخليج من الإقليم، وقد يمتدّ إلى إغلاق باب المندب، وإلى حرب بحرية ضارية في البحر الأحمر، وقد تصل الأمور إلى تورّط البحرية الأميركية في معمعان هذا الصراع بعد أن اكتشفت القوات «الحوثية» أن الانسحاب الأميركي من البحر الأحمر لم يكن سوى انسحاب مؤقّت إلى أن «تنضج» ظروف العودة إليه من موقع «إخضاع» الحوثيين.
ذهاب القوات «الحوثية» إلى هذا المستوى من التصعيد سيعني بالضرورة توقّع أن تقوم قوات أميركية أو حليفة لها بإنزالات في مناطق متعدّدة في اليمن، وقد تكون تحرّكات القوات «الحوثية» الأخيرة التي لاحظها بعض المراقبين استعدادات لهذه التصوّرات والتوقّعات.
غلطة حكومة الاحتلال الفاشية كبيرة جداً، وهي فعلاً غلطة «الشاطر» لأن من شأنها أن تربك كلّ الحسابات والخطط الإسرائيلية التي تتحدّث عن «شرق أوسط جديد»، وعن خطط إقامة «إسرائيل الكبرى».
إذا فُتح الصراع بين القوات «الحوثية» وبين دولة الاحتلال فإن هناك فرصة قد تكون ذهبية لإجبار الأخيرة على إعادة النظر ليس في حساباتها، ومراهناتها الإستراتيجية على الضعف والهوان العربي، وعلى الدعم غير المحدود من قبل الإدارة الأميركية، وإنما إعادة النظر بأولوياتها في كامل منطقة الإقليم.
إذا فُتح الصراع وامتدّ على كامل استقامته مع «الحوثيين» فإن فرصة استمرار الحرب على قطاع غزّة ستقلّ بشكل كبير، لأن من المؤكّد أن «حزب الله» اللبناني في حالة احتدام الصراع بين القوات «الحوثية» ودولة الاحتلال سيعود إلى ضرب قوات الأخيرة في المنطقة الحدودية، بعد أن أصبح الموقف الرسمي اللبناني منحازاً للرؤى الإسرائيلية، وبعد أن أصبحت الحكومة اللبنانية تعتبر أولى أولوياتها هي سحب سلاح الحزب، وبالتالي عملياً تكون قد انتهت التفاهمات بوقف إطلاق النار في لبنان.
وفي حال أن بدأ القتال على الجبهة اللبنانية لن يكون بمقدور قوات الحكومة الانتقالية في سورية الدخول في حرب مباشرة إلى جانب القوات الإسرائيلية، وبذلك سيتعطّل مشروع تشغيل «قوات الجولاني» لقتال «حزب الله»، وربّما ستنفجر الأمور في وجه الجولاني من قبل سنّة سورية بعد أن أيقنوا أنّ وجود دولة سورية تحافظ على سيادتها قد ولّى ما دام الجولاني هو الذي يتولّى الشأن السوري، وما دامت «هيئة تحرير الشام» قد وصلت إلى ما وصلت إليه من مهانة وهوان.
ومن هنا يمكن أن يكون الوضع الإيراني مريحاً طالما أن دولة الاحتلال تتخبّط على كلّ الجبهات، وطالما أن بعض الملفّات تعود إلى المربع الأوّل، وطالما أن فرص حسم الملفّات لا تتراجع فقط، وإنّما تتلاشى، أيضاً.
من هنا فإن أغلب الظنّ أن نتنياهو قد تسرّع بالهجوم على «الحوثيين»، وعلى حكومتهم، وليس من المستبعد أن يدفع ثمن هذا التسرُّع، هذا إذا لم يكن الثمن أبعد من مصالحه، والتي قد تمس كيانه الكولونيالي نفسه وكلّه.