غزوة الدوحة قرار عربي!

لم يتغير قرار الاحتلال الإسرائيلي منذ المباغتة المحرجة أو المستدرجة سيان حتى اليوم المتمثل بتدمير الفلسطينيين والقضاء عليهم سواء بسلب الأرض أو بالقتل أو المذابح أو التهجير أو الإبادة الجماعية أو التجويع أو الإيذاء بكل أشكاله المفضي للتلاشي، ومن ورائهم العرب في إيقاظ لكل مكامن الحقد الأسود الذي تربي عليه اليمين الإسرائيلي والصهيوني المتطرف على الأقل ومن ثنايا زوايا مظلمة في التوراة تبيح القتل حتى لأطفال العرب عامة، كما كتب الحاخامان"يتسحاق شابيرا ويوسيف اليتسيور"(المقيمان بأحد المغتصبات/المستوطنات في الضفة على أراضي الفلسطينيين في نابلس) في كتابهما الفقهي (نعم الفقهي) المعنون "شريعة الملك" أو "عقيدة الملك" الصادر عام 2009. وما صدّقته تصريحات أركان الكيان الصهيوني الذين دعوا علنًا لإبادة أهل فلسطين وغزة (الحيوانات أو الوحوش البشرية) كما حصل في درسدن-ألمانيا، أو هيروشيما-اليابان وبلا خجل أو وجل.
لم يتغير قرار الاحتلال الصهيوني كما قلنا وفي مقابله لم تتغير طبيعة تعامل الأمة اللاهية مع الإسرائيلي الذي اعتاد نقض الشرائع والمواثيق سواء الثنائية أو الجماعية او العالمية، فقتل "رابين" وياسر عرفات، ومزق اتفاق أوسلو منذ اجتاح الضفة عام 2000م، ومزق اتفاقات فك الاشتباك عام 1974م بالاعتداءات على سوريا، ومزق اتفاقات ترمب-أبراهام بمجمل الاعتداءات التي كان آخرها على قطر، وشطب المواثيق العالمية فيما أدانتهم به أكبر 7 منظمات عالمية من تهم كبرى من جرائم الحرب والإبادة والأبارتهايد كان آخرها الرابطة الدولية لعلماء الإبادة.
قطر والأمريكان
أما لماذا غزو دولة قطر الآن رغم أنها تقوم بدور الوساطة على مدار أعوام (وليس منذ 7/10/2023م) وتحتضن قيادات فصيل "حماس" بموافقة أمريكية صريحة كما أفاد علنا وزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم، وهي التي افتتح قناتها الشهيرة الجزيرة شمعون بيريز! وسجلت دخول الوجه الإسرائيلي لأول مرة بالتاريخ ليلعلع في كل بيت عربي ومسلم، ورغم أنها هي التي تعاونت مع الإسرائيلي ونتنياهو شخصيا بحمل الأموال النقدية لمصلحة حماس في غزة شهريًا،...الخ فهذا ما يحتاج لقراءة!؟
ولماذا غزو قطر التي تحتضن أكبر قاعدة امريكية بالمنطقة!؟ فهذا ما يحتاج أيضًا لفهم أفضل مما قاله المحللون من أنها رسالة للمفاوضين أن لا تفاوض، أو رسالة لفصيل حماس أنكم مستهدفون في كل مكان، وأن الإسرائيلي هو المهيمن، ولا يريد وقفًا للعدوان الإبادي حتى العام 2026 كما صرح مستشار نتنياهو "ديرمر" لأكثر من مرة ليستكمل نتنياهو حلقات مخططه التهجيري واضح المعالم.
عن غزو قطر (9/9/2025م) صرح الرئيس ترَمب أنه "ليس سعيدًا" بما حدث، وهو "مستاء جدًا" و"لم يكن القرار قراري"، وقال: "ومع ذلك فإن القضاء على حماس ، التي استفادت من بؤس سكان غزة، هدف جدير بالاهتمام"!؟ ماذا نفهم من ذلك من أكبر قوة على وجه الأرض حتى الآن غير الموافقة وفي إطار الكذب والمراوغة والتدجيل، أو لعب الأدوار بين الإدارة الامريكية والصهيونية الحليفتان حتى العظم!
لا شي أهم لدي الامريكي في المنطقة سوى حلب الامة العربية وسرقة خيراتها وردمها تحت ثقل الاستهلاكية المفرطة والغباء المككل بالغار، ومقابل ذلك الحفاظ على الكيان الصهيوني هراوة ثقيلة أو صاروخ موجّه فوق رأس كل زعيم عربي، وأظن أن هذا أصبح واضحًا حتى لعرب الخليج وفرسه (الفارسيين) الذين ظن بعضهم أنهم بمنأى عن الغزو أو العدوان.
لماذا الغزو؟
قلنا لماذا غزو قطر، أو غزوة الدوحة والتحليلات كثيرة ولكن دعنا إضافة لما سبق ندلي بدلونا في آلية التبادلية الاستراتيجية بين نتنياهو وترَمب المشهورين معًا بالغطرسة، والأخير بالتخبط بقراراته وأحيانًا العشوائية فما يوافق عليه اليوم ينقضه غدًا وهكذا في ظل صلابة موقف نتنياهو والإسرائيلي عامة. فهل هي لعبة يلعبانها معًا ويضحكون بها على ذقون العرب والعالم من ورائه أم هو-لا سمح الله-خلاف حقيقي؟ وما قد يفهمه الجميع أن الحليفين يختلفان بالتفاصيل ولا يختلفان بالاستراتيجة الموجهة ضد فلسطين والامة.
ومن هنا نقول أن نتنياهو طرح 5 نقاط وترَمب في مقترحه الذي قدمه "ويتكوف" للوسطاء الى حماس طرح 5 نقاط، والبون بينهما يظهر شاسعًأ.
المبادئ الخمسة لنتنياهوهي
1-نزع سلاح حماس
2-إعادة جميع الأسرى - الأحياء منهم والأموات
3-تجريد غزة من السلاح
4-السيطرة الأمنية الإسرائيلية على غزة
5-إنشاء إدارة مدنية لا تتبع حماس ولا السلطة الفلسطينية
أما مقترح ترَمب لما يسمى وقف إطلاق النار فقد اشتمل على النقاط الخمسة التالية
1-سيتم إطلاق سراح جميع الأسرى، أحياءً وأمواتًا، خلال 48 ساعة من التوقيع.
2-أعداد تتوافق مع عمليات الإفراج السابقة، وسيتم إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين المحكوم عليهم بالسجن المؤبد ومعتقلي غزة خلال 48 ساعة.
3-يدخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ فور تنفيذه، لمدة 60 يومًا أو حتى انتهاء المفاوضات. سيضمن الرئيس ترامب تفاوض الطرفين بحسن نية حتى التوصل إلى اتفاق.
4-تشمل القضايا التي سيتم التفاوض عليها: تعريف حماس، وتعريف نزع السلاح، وتشكيل حكومة جديدة، وانسحاب القوات الإسرائيلية فور تشكيل الحكومة أو بعد انتهاء المفاوضات بنجاح، والعفو عن أعضاء حماس.
5-استمرار تدفق المساعدات إلى غزة فور تنفيذ الاتفاق.
فماذا يمكن أن نقول استنادًا للوثيقتين أعلاه وفهمًا لطبيعة أصحاب القرار عند الإسرائيلي وفي الإدارة الامريكية، وانعكاسًا على غزوة قطر؟
1-الفكرة هنا باعتقادي تبرق رسائل عديدة ولأطراف مختلفة فلسطينية وعربية وعالمية، ولكن أهمها رسالة من نتنياهو لترمب: لا أقبل منك أن تتذاكى مع حماس أو توهمها أنها ستكون مقبولة بأي شكل ولو بطريقة ذكية أو غامضة أو حمالة أوجه كما في مقترحك (أنظر البند 4: تعريف حماس، وتعريف نزع السلاح، وتشكيل حكومة جديدة، والعفو عن أعضاء حماس.) بمعنى واضح أننا لن نقبل حكومة قد يفهم أن لحماس المُعاد تعريفها (أو تدجينها أو أمركتها) يد فيها، ولا لأبي مازن ولا للسلطة بالطبع، وأننا لن نعفو عن قيادات حماس فلا تلعب هذه اللعبة سواء كان لعبة إيهام واستدراج أوكذب صراح أو أنك تقصد ذلك حقًا.
2-وربما وصل نتنياهو ان "حماس" ستوافق على المقترح ضمن الاغراء الرباعي أعلاه فوجه لهم الرسالة، مباشرة وللوسيط القطري الذي فشل في فهم الموقف الإسرائيلي الثابت.
3-وهي رسالة لابي مازن ودولة فلسطين في مؤتمر نيويورك ( 9/9-23/9/2025م) أن كل ماتفعلونه أنتم والسعوديين وفرنسا وكل العالم لا قيمة له في القرارالإسرائيلي المتمثل بالقضاء على الآمال العربية والفلسطينية بتجسيد دولة فلسطين أو تحريرها من الاحتلال كما تقولون أو تسعون، بلا قطران!
4-إنها رسالة أيضًا لافقاد الفلسطينيين عامة والفلسطينيين الغزيين خاصة أي ذرة أمل بالحل القريب لنكبة ومقتلة العامين، فلا تأملوا خيرا بمقترح ترمب. فارسل لهم 3رسائل ها نحن نقصف مقرحماس الحصين تحت حماية قاعدة العيديد الأمريكية في قطر، وندير الظهر لمقررات نيويورك مهما كانت، واخرجوا حالا من مدينة غزة.
5-كما أسلفنا هي أيضًا رسالة لكل الهيئات الإسرائيلية والدولية والسياسية والقانونية في العالم ومنها المؤسسات العالمية أو الرصينة السبعة التي أدانت العدوان بقوة، أن قراراتكم ستظل حبرًا على ورقة (بالحقيقة عدد من دول امريكا اللاتينية واوربا قامت بإجرات عملية ضد الإسرائيلي)
الإسرائيلي يوحد العرب
غزو الدوحة قرار عربي لأنه "أُكِلت يوم اكل الثور الأبيض" كما ملّ من التاكيد القائد صلاح خلف أبوإياد عندما فاجأ الأمة بذلك عام 1981 ثم عام 1982 عندما وقفت الأمة تتفرح على غزو لبنان وبيروت ولا حياة لمن تنادي، فكانت يا وحدنا صرخة مدوية آنذاك وكان العالم تقدمي مقابل رجعي! فكيف اليوم فلا تقدمية ولا غيرها وكل العالم يشرب من منهل الامريكان (حتى الآن)!
الصهيوني الذي وصل درجة عالية من الفرعونية وتضخم القوة والدعم الأمريكي اللامحدود قد أعاد القضية الفلسطينية –ويا محاسن الصدف-لعروبتها واسلاميتها، فمن فهم أنها قضية فلسطينية بحتة (بعد اتفاقيات كامب ديفد 1979م، او بعد اتفاقيات اوسلو 1993-1995م) فقد خاب ظنه وفشل سعيه. فها هي الدولة الإسرائيلية في فلسطين تذكّر كل الواهمين من العرب والمسلمين أنهم جميعًا مستهدفون تباعًا.
استطاع الإسرائيلي بغزو الدوحة أن يوحد سماء الأمة استباحة وقصفا وعدوانًا حتى يفهم من عمي قلبه أو صم آذانه أو ألقى السمع للأمريكي أن فلسطين قضية عربية واسلامية، وانسانية عالمية.
لم يعد لا الخليج العربي ولا المغرب العربي بمنأى عن الطغيان الصهيوني فإن لم تفهم الأمة ذلك ستدك طائرات الصهيو-امريكي كل ركن وكل زاوية في أعطاف هذه البلاد.
لمن لم يفهم معنى استباحة الإسرائيلي لفلسطين وسوريا ولبنان واليمن (وقبلها تونس في مجزرة حمام الشط 1985م،ومحاولة اغتيال الخالد ياسر عرفات، ثم اغتيال القائد خليل الوزير أبوجهاد عام 1988 هناك) ثم قصف أسطول الصمود الراسي في تونس مؤخرًا، أن يفهم ذلك جليًا اليوم فيما حصل من اعتداء غاشم في قطر.
إن فكرة استباحة الأرض العربية وانتهاكها واحتلالها أو الهيمنة عليها هي فكرة صهيونية بجدارة وقد أتم الاحتلال الصهيوني تحقيقها بالأمس بصوت صاخب حينما غزا دولة قطر الشقيقة بطائراته تحت بصر الأمريكي المشارك بالعدوان على الأمة بجناحيها.
فلسطين في 10/9/2025م
بكر أبوبكر